طرحت المفوضية الأوروبية "ميثاق لجوء" جديدا لدول الاتحاد الأوروبي، مساء أول من أمس، كما أعلنت رئيسة المفوضية أورسولا فون ديرلاين، ومفوضة الشؤون الداخلية الأوروبية إيلفا يوهانسون، في مؤتمر صحافي. ونشر الموقع الرسمي للمفوضية بعض الخطوط العريضة للميثاق الذي يجب أن يحصل على موافقة كل من المجلس الأوروبي والبرلمان الأوروبي قبل أن يصبح نافذاً، وهو أمر لا يعدّ مهمة سهلة لساسة بروكسل. وإذا ما تبنّى الاتحاد الأوروبي الميثاق الجديد، سيكون هناك انعكاسات غير مسبوقة على الهجرة واللجوء نحو القارة الأوروبية. ويرغب المعنيون، بحسب الميثاق، في جعل أوروبا "أقلّ جذباً" للجوء والهجرة، إضافة إلى التخلّص من مئات آلاف المقيمين بصفة غير قانونية (ممن رفضت طلباتهم) لسنوات. ويبدو أن أربعة ملايين مقيم غير شرعي يثيرون قلق الأوروبيين الساعين إلى تسريع ترحيل اللاجئين نحو بلدانهم الأصلية.
وفي خلفية "ميثاق اللجوء"، هناك تخوف من التطورات في الشرق الأوسط وأفريقيا، التي ستزيد الساعين للوصول إلى أوروبا، كما يقول خبراء. في هذا الإطار، يبدو أن اتفاقية دبلن (تنص على أن تكون الدولة الأوروبية التي يدخل إليها المهاجر للمرة الأولى مسؤولة عن تسجيله وإجراءات لجوئه)، ستكون في حكم المنتهية إذا ما اتفق الأوروبيون على تبني الميثاق.
وبعد إجراء المفاوضات والتصديق عليه، يفترض أن يسري بداية العام المقبل استناداً إلى تقرير مكوّن من 450 صفحة أعده خبراء وقانونيون ودبلوماسيون في الاتحاد، ليكون الأشمل في تاريخ الهجرة واللجوء منذ معاهدة جنيف في عام 1951.
وعلى أساسه، تمنح دول أوروبية حق اللجوء السياسي/الإنساني للمضطهدين أو المُلاحقين في بلادهم على خلفيات سياسية ودينية وعرقية، وفي بعض الأحيان اجتماعية/إنسانية. وبحسب ما ذهبت إليه فون ديرلاين، يؤمل من الميثاق الجديد أن "يشكل محاولة لبداية تصحيح نظام غير فعال". وتعوّل المفوضية الأوروبية على اتباع سياسة لجوء جديدة بعد سنوات من وجود اختلافات بين الدول الأعضاء، على خلفية ما بات يعرف بـ "أزمة اللجوء" التي شهدتها القارة منذ عام 2015، بعدما فشلت أوروبا في فرض حلول ملزمة لدول القارة بسبب المواقف المتصلبة، كالموقف المجري والدنماركي، وإلى حد ما التشيكي والبولندي، وهو خلاف "كاد يمزق الاتحاد الأوروبي".
تضامن أوروبي
استناداً إلى ما يتضمنه الميثاق، من بين نقاط كثيرة، فإن المفوضية الأوروبية تعوّل على ما تسميه "سياسة التضامن" بين الدول، من خلال مد اليد إلى الأعضاء الأكثر تضرراً، أو الذين يعانون من ضغوط كبيرة نتيجة أعداد الوافدين من خارج حدود الاتحاد، كاليونان وإيطاليا، اللتين عانتا لسنوات مما أسمتاه "غياب سياسة التضامن الأوروبي". وتقترح المفوضية الأوروبية في ميثاقها الجديد "آلية تضامن" تسمح لكل دولة من الدول الـ 27 في الاتحاد "تفعيل طلب التضامن" في حال شكّل تدفق اللاجئين ضغوطاً على بلد دون غيره، كما حدث في خريف عام 2015 باتجاه ألمانيا والسويد، اللتين استقبلتا نحو مليون مهاجر/طالب لجوء. وآلية التضامن المشار إليها، والتي تحدثت عنها الصحافة الأوروبية والموقع الرسمي للاتحاد الأوروبي، عُدّت مخرجاً عملياً بعد سنوات من الخلافات وتذمر وتمنّع دول عن استقبال لاجئين/مهاجرين لبحث طلبات اللجوء على أراضيها. وإذا ما قدّر للمفوضية الأوروبية تمرير ميثاقها الجديد، سيصبح لزاماً على الدول الأعضاء مساعدة بعضهم بعضاً من خلال طريقتين؛ الأولى هي التخفيف الطوعي عن دول أخرى تعيش ضغوطاً نتيجة ارتفاع أعداد المهاجرين حديثاً، والثانية تتولى مسؤولية إعادة الأشخاص إلى موطنهم الأصلي، ممن رفضت إقامتهم في أوروبا.
واستعرضت المفوضية الأوروبية في بروكسل أمثلة على "آليات التضامن" تلك. على سبيل المثال، تُعدّ إيطاليا واحدة من بين الدول الأكثر استقبالاً للوافدين الجدد نتيجة للهجرة السرية من شواطئ جنوب المتوسط منذ عام 2011. وبدلاً من سياسة التشدّد الشعبوي التي انتهجها وزير الداخلية السابق ماتيو سالفيني، ووعود رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو بيرلسكوني، بترحيل ما بين 100 إلى 600 ألف، واستخدام القوة لمنعهم من الوصول، سيكون لزاماً على بقية دول الاتحاد الأوروبي تلبية طلب روما بـ "تفعيل التضامن" لاستقبال أعداد من الوافدين بهدف تخفيف الضغوط عليها. أمر يتطلب موافقة المفوضية الأوروبية، على أن يكون للاجئين فرص حقيقية للحصول على إقامة، أو المساعدة في ترحيل الأقل حظاً، أو ممن ليس لديهم أرضية لطلب اللجوء إلى بلدانهم الأصلية.
كما يُقدّم الخبراء في بروكسل أمثلة أخرى على آليات تفعيل التضامن. فإذا اختارت المجر (على سبيل المثال)، والتي تعدّ الأكثر تشدداً ومنعاً لدخول اللاجئين، والتي شيّدت سياجاً حدودياً جنوباً وشمالاً لمنع مرور اللاجئين عبر دول البلقان منذ عام 2015، عدم استقبال أحد، فيمكنها اختيار طريقة التضامن الأخرى والتواصل مع سلطات البلد الأصلي لترحيلهم. في المقابل، إذا فشلت بودابست في تحقيق ذلك خلال ثمانية أشهر، ستكون ملزمة باستقبال من فشلت في ترحيله. وهذا يعني بشكل أو بآخر نقلا قسريا لطالبي اللجوء إلى الدولة التي فشلت في تطبيق آلية التضامن البديلة القاضية بالترحيل. ورفضت يوهانسون تسمية الأمر بالنقل القسري.
وتواجه آلية التضامن هذه مواقف متشددة ومتحفظة قانونياً من قبل عدد من دول الاتحاد، ما سيخضع لمفاوضات "شاقة ومتصلبة"، بحسب ما يرى خبراء الهجرة واللجوء في الشمال الأوروبي. على سبيل المثال، ترفض الدنمارك أن تكون جزءاً من الآلية التي تنسف بشكل عملي اتفاقية دبلن، والمتعلقة بإلزامية دراسة طلب اللجوء في أول دولة يصل إليها طالب اللجوء. وتتذرع كوبنهاغن بالتحفظات القانونية المتعلقة بالمعاهدة الأوروبية، بعد استفتاء شعبي أجرته في أواخر تسعينيات القرن الماضي، الذي جعلها خارج نطاق التعامل باليورو.
عملياً، فإن دولا أخرى من بينها إيطاليا والنمسا والمجر وغيرها، قد تنسف هذه الآلية. فهذه الدول المتصلبة في موقفها ترى أنه لم يعد هناك هجرة إلى الدول الأوروبية بل لجوء، "وبالتالي يجب أن يحرص الميثاق الجديد على جعل أوروبا أقل جذباً لمن يحاول الوصول إلى البر الأوروبي من خلال الحدود المائية في البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجه (أحد أفرع البحر المتوسط)"، بحسب الدنمارك. وترى الأخيرة أنه يجب العودة إلى مقترحها السابق من خلال إقامة معسكرات لجوء خارج القارة الأوروبية، وهي عودة لمقترحات توافقت عليها مع روما وفيينا سابقاً. كما جرت مفاوضات لاقتراح مراكز استقبال بإدارة أوروبية في دول الشمال الأفريقي. وترى يوهانسون أن الأمر غير ممكن بعد رفض عدد من دول جنوب المتوسط مثل تلك المعسكرات.
مزيد من الترحيل
ويتضمن الميثاق سرعة في دراسة طلب اللجوء، ووضع بلد المنشأ، والترحيل فوراً لمن يظهر أنه لا يستحق الحماية، للحدّ من العدد الكبير للاجئين كما حدث في عام 2015. ويركز خبراء قانونيون ودبلوماسيون شاركوا في إعداد "ميثاق اللجوء" على إعادة مئات الآلاف ممن رفضت طلبات لجوئهم.
وبحسب "يوروستات" (مديرية عامة للمفوضية الأوروبية إدارتها في لوكسمبورغ، مسؤولياتها الرئيسية تزويد الاتحاد الأوروبي بالمعلومات الإحصائية على المستوى الأوروبي)، فإنه على الرغم من التراجع الطفيف في أعداد طالبي اللجوء الذين وصلوا إلى دول القارة الأوروبية بالمقارنة مع سنوات 2013 و2014 و2015، فقد وصل إلى دول الاتحاد الأوروبي نحو 700 ألف طالب لجوء في عام 2019، في وقت تزداد أعداد الذين يرفض طلب إقامتهم. وفي الوقت الحالي، تقف أوروبا عاجزة عن ترحيل 370 ألف طالب لجوء رفضوا العام الماضي. وتسعى المفوضية من خلال الميثاق الجديد إلى "تسريع إرسال هؤلاء إلى بلادهم الأصلية".
وعليه، تقترح المفوضية سياسة لجوء مستقبلية، على أن تكون الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، سواء تلك التي تقع جنوباً أو في مسار البلقان، نقاطا حدودية فعالة للتعرف على هويات طالبي اللجوء. ويبدو أن هذه القضية تثير سجالاً قانونياً حول تشدد الأوروبيين في ما خص مواثيق دولية تتعلق بالسماح للأشخاص بالدخول إلى دول الاتحاد أثناء دراسة طلب لجوئهم. ويتسلّح المعسكر المعارض للسماح للاجئين بالانتظار في دولهم بـ"اختفاء" مئات الآلاف من على رادارات السلطات. ويقدر وجود أكثر من أربعة ملايين مقيم غير شرعي على أراضي الاتحاد الأوروبي، بحسب "يوروستات"، الأمر الذي يعزز موقف معسكر الدول المتشددة لناحية استقبال المزيد ممن لا يستحقون الحماية، مستفيداً من المخاوف الموجودة والمتعلقة بالهجرة السرية وغير الشرعية.
ومن أجل الحصول على موافقة الدول المتشددة، تقترح المفوضية الأوروبية للهجرة في الميثاق الجديد أن "يجري توقيف من يقدّر أنه لا يستحق اللجوء، من خلال حجزه عند الحدود لترتيب ترحيل سريع إلى البلد الأصلي". وتقترح دول أوروبية أن يجري ربط المساعدات والعلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول منشأ اللاجئين، بموافقة الأخيرة على استقبال مواطنيها الذين ترفض طلبات لجوئهم. ويرى الباحث في قضايا الهجرة في مركز "كارنيغي أوروبا"، ستيفان لينه، أن هذه القضية التي يشملها الميثاق الجديد "ستكون خطوة فعالة جداً لجعل أوروبا أقل جذباً للهجرة إليها، حين تجري عملية التسريع بترحيل من لا يستحقون الحماية. أمر يمكن أن يشكل ردعاً للآخرين الذين يغامرون بالتوجه إلى دول الاتحاد مهما كانت النتائج، كما هو الواقع حالياً". وقال خبراء لصحيفة "بيرلنغسكا" في كوبنهاغن إن التغير الأكبر الذي يعوّل عليه معدو "ميثاق اللجوء" الأوروبي، وبعض الخبراء، يقوم على تعزيز المخاوف من تكرار مشهد 2015.
عملياً، تأمل المفوضية الأوروبية الاستمرار في مناقشة الميثاق حتى نهاية الشهر الحالي، ليكون نافذاً قبل نهاية العام الجاري، وبالتالي جعل اتفاقية دبلن التي جعلت دولا في الشمال الأوروبي، كالسويد والدنمارك وغيرها، إضافة إلى المجر وبولندا والتشيك وبلغاريا، بحكم المنتهية إذا ما جرى التوافق على تقاسم مهام مواجهة الهجرة واللجوء بناء على آليات "التضامن" و"تسريع الترحيل ودراسة الطلبات". وتأمل الدول أن تتمكن من إجراء اتفاقيات مع بعض دول جنوب حوض المتوسط لإنشاء نقاط لدراسة طلبات اللجوء على أراضيها، في مقابل مساعدات مالية أوروبية. وتتخوف أوروبا من ازدياد أعداد القادمين إليها، بناء على الأرقام وتوقعات الخبراء، في ظل زيادة النزاعات وتردي أوضاع دول اللاجئين.
وبالنسبة للأوروبيين، لم يؤدِ الاتفاق التركي - الأوروبي الذي تم التوصل إليه في مارس/ آذار عام 2016، الهدف المرجو منه، إذ لم يجر إعادة سوى بضعة آلاف من اللاجئين، وهو ما بيّنه حريق مخيم موريا للاجئين في جزيرة لسبوس، والذي أدى إلى تشرد نحو 13 ألف طالب لجوء من جنسيات مختلفة، ما يدل على مساوئ نظام اللجوء اليوناني، الأمر الذي اعترف به نائب رئيس المفوضية، مارغاريتس شيناس.