أمراض تنفسية في الشمال السوري

17 مارس 2021
مهددون بأمراض مختلفة (العربي الجديد)
+ الخط -

 

في مخيّمات النازحين في سورية، يلجأ هؤلاء إلى مدافئ قد تتسبّب في أمراض تنفسية مختلفة، علماً أنّ فصل البرد هو في الأساس موسم لتلك الأمراض. وفي فصل الشتاء هذا، أصيب محمد الأحمد النازح من ريف معرة النعمان الشرقي إلى مخيّم سنجار كهربا في شمال إدلب، بالتهاب صدري وزكام نحو عشر مرّات، لافتاً إلى أنّ كلّ واحد من أولاده الخمسة أصيب بالزكام ثلاث مرّات على أقلّ تقدير. 

بالنسبة إليه، قد يعود ذلك إلى "استخدامنا مدفأة بدائية نشعل فيها الألبسة والأحذية البالية فيما نستخدم أحياناً الفحم وفي أخرى البيرين أي تفل الزيتون الذي تقدّمه المنظمات الإنسانية كمساعدات للنازحين". يضيف الأحمد البالغ من العمر 31 عاماً، أنّه ما زال يعاني آلاماً في الصدر ونوبات سعال تشتّد في ساعات الليل، ويلفت إلى أنّ معظم سكان المخيم الذي يقيم فيه والواقع بالقرب من مدينة سرمدا، "يستخدمون مدافئ بدائية تعمل على ما يتوفر من نفايات بلاستيكية وأغلفة المواد الغذائية والقوارير التي يجمعها أطفالهم من الطرقات ومكبّات القمامة". ويتحدّث الأحمد عن "ازدحام دائم عند أبواب المركز الصحي القريب من المخيم، ومن يقصدونه يشكون بمعظمهم من آلام في الصدر أو البلعوم ومن سعال جاف. ومن بين المرضى عدد كبير من الأطفال حديثي الولادة وأشخاص مصابون بأمراض تنفسية في الأساس".

يقول الطبيب المتخصص في الأمراض الصدرية ومدير مركز السلّ في مدينة إدلب، عبد الرؤوف محمود حاج يوسف، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مناطق إدلب تسجّل تفاقماً بأعراض مرضى الربو والتهاب القصبات المزمن الانسدادي مع ارتفاع عدد الإصابات بسرطان القصبات". يضيف أنّ "زيادة عدد المراجعين في عيادات الأمراض الصدرية تُقدّر بنسبة 10 في المائة، وقد لوحظت الزيادة منذ بدأ السكان بالاعتماد على وسائل التدفئة البدائية التي تعمل على الوقود المكرّر والفحم والبلاستيك والأحذية والألبسة". 

ويشرح حاج يوسف أنّ "التعرّض للأبخرة والغازات الناتجة عن وسائل التدفئة البديلة، خصوصاً التي يُحرق فيها النايلون والمواد البلاستيكية، يؤدي إلى تفاقم معظم الأمراض الرئوية ومن أبرزها الربو والتوسع القصبي والتهاب القصبات المزمن. ويُذكر أنّ استنشاقها بحدّ ذاته قد يؤدي إلى إصابات بالربو والتهاب القصبات المزمن الانسدادي وسرطانات القصبات، خصوصاً إذا أتى ذلك لمدة طويلة وبكميات كبيرة". يضيف حاج يوسف أنّ "هذه الأبخرة والغازات قد تؤدي إلى ازدياد الإصابات بذات الرئة عند الأطفال بسبب تراجع حركة الأهداب التنفسية في القصبات. وتأثيرها يؤدي كذلك إلى هجمات حادة وخطيرة من الربو لدى الأطفال خصوصاً، وإلى التهاب القصبات المزمن الانسدادي عند البالغين. ومثل هذه الأمراض قد تستلزم إحالة المريض إلى المستشفى، إذ من تأثيراتها على المدى الطويل الإصابة بسرطانات القصبات والرئة، بالإضافة إلى تأثيرها على القلب وإسهامها في حدوث تصلب في الشرايين".

من جهته، يقول المهندس محمد إسماعيل المتخصص في البيئة لـ"العربي الجديد" إنّ "ندرة مادة المازوت المكرّرة بشكل جيد وغلاء ثمنها، اضطر السكان إلى اللجوء إلى مواد أخرى كالفحم الذي لا يحترق بشكل كامل وينتج عن عملية احتراقه غازَا أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون وكذلك كبريتات الهيدروجين. وبسبب صغر حجم الخيام التي تُستخدم فيها هذه المواد، تقلّ الرطوبة بشكل سريع ويصير الهواء جافاً وهذا يؤدي إلى مشاكل في الجهاز التنفسي. أمّا البيرين المكوّن من بقايا الزيتون فيؤدّي إلى تبخّر زيوت سامّة في أثناء الاحتراق، تدخل إلى الجهاز التنفسي في أثناء استنشاقها".

الصورة
تدفئة في مخيم للنازحين في سورية (أنس الدمشقي/ الأناضول)
هذه وسيلة تدفئتهم الوحيدة (أنس الدمشقي/ الأناضول)

ويشير إسماعيل إلى أنّ "الوقود الذي يصل إلى الشمال السوري من مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية غير مكرّر بشكل جيد وفيه شوائب كثيرة وتنجم عنه في أثناء الاحتراق مادة رصاصية قد تؤثر على الجهاز العصبي كذلك، وليس على الجهاز التنفسي فحسب. يُضاف إلى ذلك أنّ المدافئ المتوفّرة غير مصنعة بشكل جيد، الأمر الذي يزيد الانبعاثات". ويوضح إسماعيل أنّ "النتائج المترتبة على هذه الانبعاثات لا تزول إلا بعد سنوات طويلة، وخطرها لا يقتصر على الإنسان بل قد يطاول النباتات والحيوانات والبيئة، الأمر الذي من شأنه أن يوسّع حتماً دائرة المتضرّرين. وسوف نجد متضّررين غير مباشرين، يصابون بأمراض عبر تناول منتجات المنطقة الزراعية الملوثة واستنشاق هوائها".

في سياق متصل، يقول الصيدلاني مصطفى المحمود لـ"العربي الجديد" إنّ "ثمّة طلباً زائداً على الأدوية الخاصة بالأمراض التنفسية منذ مطلع العام الجاري، وقد ارتفعت النسبة عن السابق بضعفَين. والطلب بمعظمه على الأدوية الخاصة بالأطفال، ومن هذه الأدوية موسعات القصبات بكل أنواعها ومضادات الإنتانات التنفسية والصدرية بالإضافة إلى أدوية السعال والاحتقان وخافضات الحرارة."  يضيف المحمود "ولأنّ هذه الأدوية هي الأكثر استهلاكاً في الشمال السوري، يتمّ استيراد قسم كبير منها من المناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام ومن تركيا. وهذا يشكّل ضغطاً كبيراً على القطاع الصحي الذي تضّرر كثيراً في خلال سنوات الحرب".

صحة
التحديثات الحية

تجدر الإشارة  إلى أنّه في مطلع مارس/ آذار الجاري، أصدرت "لجنة الإنقاذ الدولية" (آي آر سي) بالتعاون مع منظمات طبية محلية سورية، تقريراً أشارت فيه إلى حجم الدمار الذي خلّفته 10 أعوام من هجمات النظام السوري وروسيا على المرافق الصحية، ما تسبّب في عرقلة كبيرة في مواجهة فيروس كورونا الجديد بمناطق سيطرة المعارضة. وأوضحت في تقريرها أنّه "نتيجة لتلك الهجمات ضدّ المرافق الصحية، بات العاملون يخشون على أنفسهم، ما دفع بالكثيرين منهم إلى المغادرة".

المساهمون