أمراض التغيّر المناخي... البلدان العربية معرّضة للمخاطر بسبب طبيعتها

16 نوفمبر 2022
أنشأت دول أنظمة للتحذير من أمراض ووفيات مرتبطة بارتفاع درجات الحرارة (بارت مات/ فرانس برس)
+ الخط -

تؤكد منظمة الصحة العالمية أنّ تغيّر المناخ يشكل أكبر تهديد لصحة البشرية، وتتوقع أن يتسبّب في نحو 250 ألف وفاة سنوياً بين عامي 2030 و2050، بسبب سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري، وتقدر أن تراوح التكاليف المباشرة للأضرار الصحية بين 2 و4 مليارات دولار سنوياً بحلول عام 2030. 
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف يؤثر تغيّر المناخ على الصحة العامة، وأنواع الأمراض وانتشارها خصوصاً في البلدان العربية؟ 
يفيد موقع المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بأنّ "تأثيرات تغيّر المناخ على الصحة العامة تشمل علاقة الحرارة المرتفعة بالوفيات وأمراض القلب، وتلوّث الهواء بزيادة أسباب الحساسية وأمراض الربو واضطرابات التنفس والقلب، وأيضاً التغيّرات البيئية بظهور أمراض الملاريا وحمى الضنك والتهاب الدماغ وانتشارها. كما يربط تردي نوعية المياه بداء خفيات الأبواق (Cryptosporidiosis) وبكتيريا عطيفة (Campylobacter)، وكذلك نقص إمدادات المياه والغذاء معاً بقلة التغذية والإصابة بأمراض الإسهال، ونشوب صراعات وحالات الهجرة المرتبطة بالمخاطر المناخية وتأثيرها على الصحة النفسية. 
وتظهر دراسات علمية ارتباط موجات الحرّ بمؤشرات الطقس القاسي، وبمعدلات الوفيات بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي، وانخفاض صحة الأمهات والرضع. 
تتحدث الباحثة في الصحة البيئية بجامعة البلمند في لبنان الدكتورة ميريام مراد، لـ"العربي الجديد"، أنّ "ارتفاع درجة الحرارة يزيد انتشار البكتيريا والفيروسات، ما يجعل الإنسان أكثر عرضة للأمراض، كما يتسبب تلوّث الهواء المرتبط بتغيّر المناخ في وفاة 13 شخصاً كل دقيقة في العالم، ويؤثر على المدى البعيد في أمراض الرئة والقلب والحساسية والربو. كما تظهر الدراسات أيضاً تأثير تلوّث الهواء على صحة الجنين ونموه". 
من جهة أخرى، يرتبط عدم توفر المياه وصعوبة الحصول عليها بزيادة انتشار الأمراض المنقولة عبرها، مثل الكوليرا والأمراض المرتبطة بغياب النظافة الشخصية والتسمّم الغذائي بسبب عدم غسل المأكولات بشكل جيد. 

مخاطر عربية
وتوضح مراد أنّ "البلدان العربية تتعرض إلى مخاطر التغيّر المناخي بشكل كبير بسبب طبيعة مناطقها، مع ما في ذلك من تصحّر وغبار وقلة مياه، ما يجعلها هشّة في مواجهة تأثيرات التغيّر المناخي على الصحة العامة، خصوصاً في ظل صعوبة تنفيذ الاستراتيجيات والتوصيات التي تهدف إلى الحدّ من هذه التأثيرات".
بدروه، يلفت مدير مركز ترشيد السياسات الصحية بالجامعة الأميركية في بيروت، الدكتور فادي الجردلي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى "نقص فادح في المعطيات الخاصة بالآثار الصحية لتغيّر المناخ في منطقة البحر الأبيض المتوسط، والدراسات التي تتناول الدور الذي يلعبه تغيّر المناخ في ظهور الأمراض المنقولة عبر المياه أو الغذاء وتفشيها. أما البيانات المحدودة فتظهر أن بلدان الشرق الأوسط تواجه أعباء تلوّث الهواء بسبب العواصف الترابية، وارتفاع درجة الحرارة والنقص في كميات المياه والأمطار الهاطلة، وطبيعة الجغرافيا القاسية".

والأكيد أنّ تغيّر المناخ وارتفاع شدة الحرارة والقلق من جراء المخاطر الطبيعية تؤثر في الصحة النفسية، إذ أظهرت ثلاث دراسات في الشرق الأوسط ركزت على معدلات دخول المستشفيات والاختلافات الموسمية في تلقي العلاجات النفسية، ارتفاع وتيرة العنف واستشفاء الطب النفسي خلال فترات الطقس الحار، والجفاف، وانخفاض الضغط الجوي.

لا تستجيب دول الشرق الأوسط للكوارث بطريقة جيدة (أسد نيازي/ فرانس برس)
لا تستجيب دول الشرق الأوسط للكوارث بطريقة جيدة (أسد نيازي/ فرانس برس)

وتكشف دراسة أصدرتها مجلة "كلايميت تشاينج" المتخصصة في ديسمبر/ كانون الأول 2021 حول أثر تغيّر المناخ على الأمراض الانتقالية في الشرق الأوسط، أن "درجة الحرارة تؤثر كثيراً في انتقال الأمراض. وعلى سبيل المثال، تسجل دول مثل اليمن والسعودية وسلطنة عمان ومصر تفشي أمراض حمى الضنك وفيروس "شيكونغونيا" والمرتبطة بتغيّرات درجة الحرارة، وتدني كمية الأمطار المتساقطة، وغيرها من العوامل مثل التمدن والهجرة". 

وتؤكد أن الفيضانات في اليمن تساهم في انتشار فيروس "شيكونغونيا" الذي يتسبب في الحمى وآلام بالمفاصل، وأنها تتزايد لدى انتقال الأشخاص من محافظة إلى أخرى. وتسجل بيانات صحية خاصة بمدينة جدة السعودية وجود رابط بين موسم انتشار حمى الضنك، وتزايد ارتفاع درجة الحرارة، وانخفاض معدل الرطوبة. كما يرتبط انتشار مرض الملاريا بعوامل مناخية، منها درجة الحرارة والأمطار المتساقطة والرطوبة، وهو ما يحصل في السودان ومصر واليمن.

يتسبب تلوّث الهواء في 13 وفاة كل دقيقة في العالم  (براكاش سينغ/ فرانس برس)
يتسبب تلوّث الهواء في 13 وفاة كل دقيقة في العالم (براكاش سينغ/ فرانس برس)

المواجهة 
ويظهر تقرير أصدرته منظمة الصحة العالمية عام 2021 عن الصحة والتغيّر المناخي، وشمل نحو 100 بلد، أن "نحو 75 في المائة من الدول وضعت استراتيجية وطنية خاصة بالآثار الصحية للتغير المناخي، رغم أن جائحة كورونا أعاقت بلورة سياسات صحية لمواجهة التغيّر المناخي، وأن نسبة 40 في المائة من البلدان أدرجت الأمراض الحساسة للمناخ ضمن أنظمة المراقبة الصحية، وأن ثلث الدول لديها أنظمة تحذير من الأمراض أو الوفيات المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة. ويشير التقرير إلى تطور السياسات والبرامج المرتبطة بالصحة والتغيّر المناخي في معظم دول العالم، وزيادة تثقيف وتدريب العاملين الصحيين في شأن العلاقة بين الصحة وظروف التغير المناخي. 

ويذكر الجردلي إجراءات قد تتخذها الدول العربية للحدّ من الآثار الصحية للتغيّر المناخي، و"منها على سبيل المثال تطوير قاعدة براهين وأدلة مرتبطة بالسياسات المجتمعية بالتنسيق مع المراكز الأكاديمية، وتزويد أصحاب القرار بالسياسات العلمية والبحوث الصحية لتحقيق هدف تحسين الاستجابة للكوارث والتأهب لمواجهة حالات الطوارئ الإنسانية، وتثقيف العاملين الصحيين في شأن أثر تغير المناخ على الصحة لتلبية احتياجات المرضى وأنظمة الرعاية الصحية، وتخصيص الحكومات الوطنية والإقليمية موارد بشرية ومادية لدعم المبادرات في هذا المجال".