شهد العالم في شهرَي أغسطس/أب الماضي وسبتمبر/أيلول الجاري كوارث طبيعية مختلفة وكبيرة، لجهة العدد والشدّة، خلّفت خسائر بشرية ومادية كبيرة.
وبدءاً من الزلازل وحرائق الغابات والجفاف مروراً بالانهيارات الأرضية والأعاصير والعواصف وصولاً إلى الفيضانات، يُعَدّ شهرا أغسطس وسبتمبر 2023 "كارثيَّين بامتياز"، نتيجة تجاوزهما إحصاءات السنوات السابقة من الكوارث الطبيعية.
وقد حاولت وكالة الأناضول استعراض الكوارث الطبيعية الأكثر تدميراً التي وقعت خلال الشهرَين المذكورَين في كلّ أنحاء العالم، خصوصاً مع ارتفاع عددها بصورة ملحوظة في هذه الفترة.
الجفاف
مع هطول الأمطار في النصف الأول من عام 2023 الجاري، بطريقة غير كافية، واجهت سريلانكا الجفاف في أغسطس الماضي.
وقد حرم هذا الجفاف 150 ألف شخص في 10 مناطق في البلاد من الحصول على مياه الشرب الآمنة، وفقاً لموقع "ريليف ويب" المعني بتقديم معلومات إنسانية عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، نقلاً عن المركز الوطني لخدمات الإغاثة في حالات الكوارث.
وأوضح الموقع أنّ "الوضع أثّر سلباً على حياة نحو 50 ألف مزارع".
حرائق الغابات
من جهتها، واجهت اليونان حرائق غابات في منطقة إيفروس الشمالية الشرقية، وُصفت بأنّها "الكبرى خلال الأعوام العشرين الماضية"، وقد استمرّت لنحو أسبوعَين.
وتسبّبت الحرائق التي اندلعت في 19 أغسطس الماضي في إتلاف أكثر من 292 ألفاً و587 هكتاراً من مساحة الغابات التي قيل إنّها أكبر من مدينة نيويورك الأميركية، وفقاً للمفوضية الأوروبية.
وألقت إدارة العاصمة أثينا اللوم على مخرّبين أشعلوا الحرائق في غابات إيفروس وغيرها، والتي انتشرت بسرعة بسبب الرياح القوية ودرجات الحرارة المرتفعة.
وأسفرت الحرائق عن مصرع 20 شخصاً احترقوا حتى الموت، من بينهم طفلان، في غابة داديا بمنطقة إيفروس، وفقاً للسلطات المحلية.
وفي إسبانيا، اندلع حريق غابات في 15 أغسطس، أتى على نحو 10 آلاف هكتار من الأراضي، وهو ما وصفته السلطات بـ"الأسوأ على الإطلاق بالنسبة إلى جزر الكناري".
وتسبّبت الحرائق في إجلاء أكثر من 12 ألفاً و600 شخص من منازلهم، وفقاً لمسؤولين حكوميين.
كذلك شهدت كندا عدداً قياسياً من حرائق الغابات خلال العام الجاري، إذ التهم 5500 حريق مساحة 13.4 مليون هكتار من الغابات حتى بداية أغسطس.
وقال مسؤولون هناك إنّ السلطات أصدرت 211 أمراً للإخلاء، وأُجبر أكثر من 167 ألف شخص على مغادرة منازلهم، فيما حذّر بعض المسؤولين من وجود "نشاط كبير للحرائق" لم يحدث بعد.
وفي تركيا، كانت الأجزاء الشمالية الغربية والوسطى من البلاد مسرحاً لحرائق غابات خطرة في أواخر أغسطس الماضي، أدّت إلى إصابة سبعة أشخاص، وفقاً لرئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية "آفاد".
وقال مسؤولون في "آفاد" إنّ نحو 4080 هكتاراً من الأراضي تأثّرت بالحرائق، من بينها نحو 2650 هكتاراً من الغابات و1430 هكتاراً من الأراضي الزراعية.
أمّا في الولايات المتحدة الأميركية، فقد عانت ولاية هاواي من مأساة كبيرة في أغسطس الماضي، عندما دمّرت حرائق الغابات مدينة لاهينا التاريخية، ولقي ما لا يقلّ عن 115 شخصاً حتفهم في الكارثة التي تسبّبت في إجلاء أكثر من 1400 مواطن ونقلهم إلى الملاجئ.
وقد وصف الرئيس الأميركي جو بايدن الحرائق في جزيرة ماوي، حيث تقع لاهينا، بأنّها "كارثة كبرى".
وفي الجزائر، بدأت حرائق الغابات في يوليو/تموز الماضي وخلّفت 34 قتيلاً، من بينهم 10 عسكريين، ونحو 194 مصاباً، وسجّلت بجاية (شرق) الحصيلة الأعلى مع مصرع 16 شخصاً من عائلة واحدة.
وتواصلت الحرائق في البلاد في سبتمبر الجاري، وقد أخمدت قوات الحماية المدنية منذ يوم الجمعة الماضي، العشرات منها في ولايات شمالية عدّة، لم تخلّف أيّ خسائر بشرية، بحسب بيانات سابقة لها، علماً أنّها تزامنت مع موجة حرّ غير اعتيادية تضرب ولايات شمالية عدّة، تجاوزت درجات الحرارة في عدد منها 40 درجة.
الزلازل
شهد المغرب في الثامن من سبتمبر الجاري زلزالاً بقوّة سبع درجات على مقياس ريختر، أودى بحياة ما لا يقلّ عن 2946 شخصاً وإصابة 6125 آخرين.
وما زالت فرق البحث والإنقاذ تواصل عملها، لليوم الحادي عشر على التوالي، عقب الزلزال الأقوى في البلاد منذ قرن، وفقاً للمعهد الوطني الجيوفيزيائي المغربي.
وعقب الكارثة تلقّت البلاد مساعدات من إسبانيا والمملكة المتحدة وقطر والإمارات، وفقاً لوزارة الداخلية المغربية.
فيضانات وانهيارات أرضية
وتسبّبت الأمطار الغزيرة التي بدأت ليلة الثالث من أغسطس في سلوفينيا في فيضانات شديدة وانهيارات أرضية في الأجزاء الغربية والشمالية والشرقية والوسطى من البلاد، وفقا لموقع "ريليف ويب".
وأثّرت الكارثة على ثلثَي البلاد، الأمر الذي أسفر عن مقتل ستّة أشخاص على الأقل وتشريد المئات، بحسب الموقع ذاته.
وفي بنغلادش، جرفت فيضانات أغسطس الماضي مئات المنازل وأغرقت 5000 هكتار من الحقول الزراعية ومزارع الأسماك، وألحقت أضراراً بمساحات شاسعة من الطرقات في منطقة كوكس بازار الساحلية. ووفقاً لوزارة إدارة الكوارث والإغاثة، فقد أضرّت الفيضانات بأكثر من مليون شخص.
ومنذ بداية أغسطس الماضي وحتى اليوم، ما زالت غينيا تشهد أمطاراً غزيرة، بحسب موقع "ريليف ويب". وأشار الموقع في أحد تقاريره إلى أنّ "المناطق المتضرّرة من الفيضانات تعاني من احتياجات إنسانية حادة، بسبب الصعوبات الاقتصادية وغياب الاستقرار المالي" في البلاد.
وفي فيتنام، أدّت الفيضانات والانهيارات الأرضية الناجمة عن الأمطار الغزيرة منذ الثاني من أغسطس، في المنطقة الجبلية الشمالية، إلى مصرع 12 شخصاً وإصابة خمسة وفقدان ثلاثة آخرين، وفقاّ لموقع "ريليف ويب".
كذلك تضرّر ما لا يقلّ عن 104 منازل في مدينة لاوكاي ومنطقة باوثانغ بمقاطعة لاوكاي الوسطى. أضاف الموقع أنّ نحو 30 ألف شخص تأثّروا بتلك الفيضانات، وقد نزح منهم 2940 شخصاً يعيشون حالياً في أماكن أكثر أماناً.
بدورها، شهدت قيرغيزستان فيضانات بسبب الأمطار بمنطقة إيسيك كول الشمالية الشرقية، أتت مباشرة على حياة 200 أسرة، وفقاً لما أعلنته وزارة الطوارئ والسلطات المحلية.
وأوضحت الوزارة أنّ نحو "60 في المائة من إجمالي السكان في القرى الخمس المتضررة (13 ألف شخص) في حاجة إلى المساعدة بدرجات مختلفة".
العواصف والأعاصير
شهدت منطقة أميركا اللاتينية كوارث طبيعية مماثلة، إذ تسبّب إعصار مداري في هطول أمطار غزيرة ورياح قوية وعواصف بَرَد في البرازيل منذ الرابع من سبتمبر الجاري.
وأثّر الطقس القاسي على ما لا يقلّ عن 340 ألفاً و928 شخصاً في 93 بلدية، وأسفر عن وفاة 46 شخصا وفقدان 46 وإصابة 924 آخرين، وفقا لموقع "ريليف ويب".
وأشار الموقع إلى أنّه "تمّ إنقاذ نحو 3130 شخصاً، فيما تسبّبت الأمطار الغزيرة في تهجير 20 ألفاً و498 شخصاً وتشريد 4794 آخرين".
وفي اليونان، إلى جانب حرائق الغابات الهائلة، عانت البلاد ممّا خلّفته العاصفة دانيال. وأفاد موقع "ريليف ويب" بأنّ العاصفة جلبت أمطاراً قياسية في الفترة الممتدة ما بين الخامس والسادس من سبتمبر الجاري.
وقد وصلت العاصفة دانيال إلى ليبيا، في العاشر من سبتمبر الجاري، مسبّبة رياحاً قوية وأمطارا غزيرة مفاجئة، أثرت على العديد من المناطق الشمالية الشرقية للبلاد.
وأسفرت العاصفة دانيال عن مصرع آلاف شخص، في حين أنّ آلافاً آخرين ما زالوا في عداد المفقودين بسبب الفيضانات التي اجتاحت شمال شرقي ليبيا، بحسب مسؤولين.
وقد هطلت أمطار غزيرة على مناطق عدّة في ليبيا، أبرزها مدن درنة وبنغازي والبيضاء والمرج وسوسة، دفعت دولاً ومنظمات دولية عديدة إلى إرسال مساعدات إنسانية عاجلة لمواجهة آثار الفيضانات.
غياب أنظمة الإنذار المبكر
وفي سياق متصل، قال عضو مجلس إدارة مركز تغيّر المناخ وتنفيذ السياسات والأبحاث في جامعة البوسفور التركية، مراد توركس، إنّ العالم شهد مزيداً من الكوارث الطبيعية في العامَين الماضيَين.
أضاف توركس لوكالة الأناضول أنّ عام 2023 هو "عام الكوارث الطبيعية"، موضحاً "ارتفاع عدد الكوارث الطبيعية وحدّتها في كلّ أنحاء العالم في الشهرَين الماضيَين".
وأشار توركس إلى دراسات أعدّتها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أظهرت أنّ ثمّة "اتجاهاً تصاعدياً خطراً جداً في حالات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة والفيضانات والانهيارات الأرضية والعواصف وحرائق الغابات" حول العالم.
وانتقد توركس غياب أنظمة الإنذار المبكّر، مستشهداً بحالة ليبيا. وقال: "إذا لم تكن البنية التحتية كافية ولم تتوفّر إدارة للكوارث الخطرة أو أنظمة إنذار مبكّر، فمن الممكن أن يفقد آلاف الأشخاص حياتهم في الفيضانات".
وأوضح توركس أنّه "إلى جانب تغيّر المناخ الذي يسبّبه الإنسان (لجهة الاحتباس الحراري) يبدو أنّ هذه الكوارث سوف تكون أكثر نشاطاً بصورة متزايدة في العالم وفي تركيا، سواءً لجهة حدّتها أو العواقب الاجتماعية والاقتصادية السلبية التي تخلّفها".
ووصف توركس صيف عام 2023 بأنّه "استثنائي"، إذ كان يوليو الماضي الشهر "الأكثر سخونة على الإطلاق"، مؤكداً تجاوز درجة الحرارة فيه ما هو متوقّع من أهداف اتفاقية باريس للمناخ (2005) المتمثّل في المحافظة على حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية.
(الأناضول)