تتصدى النقابة العامة للأطباء المصريين منفردة لكبح استفحال أعضائها من المستشفيات الحكومية، ووقف نزيف هجرة الأطباء، في حين تتواصل الشكاوى من تعسف إدارة النفايات الطبية الخطرة التابعة لوزارة الصحة، وتعسف إدارات وزارة التنمية المحلية المختصة بمنح تراخيص لافتات المنشآت الطبية، ومن محاصرة الرسوم الضريبية للأطباء؛ ما يؤدي إلى تزايد احتقان الوسط الطبي.
وفق سجلات النقابة، فإن عدد الأطباء المسجلين المرخص لهم بمزاولة المهنة بلغ في 20 مارس/آذار 2022، نحو 229 ألف طبيب، من بينهم أكثر من 93 ألفاً يعملون في القطاع الحكومي. وفي 2022، بلغ عدد الأطباء والطبيبات الذين تقدموا إلى النقابة بوثائق إنهاء الخدمة من قطاع الصحة الحكومي لاستخراج شهادة "طبيب حر" 4261 طبيباً وطبيبة، بمعدل 12 طلباً في اليوم الواحد.
وحذرت النقابة، في بيان، من تزايد سخط الأطباء، وأن النقابة تتلقى مئات الشكاوى، لكن الحل يظل في أيدي الجهات التنفيذية. وسبق أن خاطبت المسؤولين بوزارة الصحة حول مشكلات إدارات النفايات بمديريات الصحة مع الأطباء، لكن من دون أي استجابة.
وطلب نقيب الأطباء، حسين خيري، في أواخر فبراير/شباط الماضي، لقاء عاجلاً مع وزير التنمية المحلية، لعرض مشكلات الأطباء المتعلقة بالوحدات المحلية في المحافظات، وأهمها اشتراط وجود المنشآت الطبية الخاصة في الوحدات الإدارية بالمباني للموافقة على الترخيص، وفرض رسوم على لافتات المنشآت الطبية الخاصة، وهو اللقاء الذي لم يعقد أبداً.
من جانبه، أعلن أمين عام النقابة، محمد فريد حمدي، أنها تتلقى مئات الشكاوى من أطباء في العديد من المحافظات، يؤكدون وقوف الإدارة المحلية عقبة في طريق ترخيص المنشآت الطبية باشتراطها أن تكون المنشأة في وحدة إدارية بالمبنى، رغم أن ذلك لم ينص عليه في قانون المنشآت الطبية الخاصة الصادر في 1981، ولا في تعديله الصادر في عام 2004، مؤكداً أن مهنة الطب ليست سلعة تجارية حتى تتطلب الترخيص في أدوار إدارية، وأن هذه التعقيدات ضد مصلحة الدولة، وتخالف توجيهات رئيس الجمهورية بتذليل عقبات الاستثمار في قطاع الصحة، ودعم وتشجيع السياحة العلاجية، وتحسين أحوال الأطباء.
تعدد الرسوم يفاقم هجرة أطباء مصر أو يجبرهم على مضاعفة مقابل الخدمة
وأكدت عضو مجلس نقابة الأطباء، إيمان سلامة، أن الوحدات المحلية في كثير من المحافظات تفرض رسوماً على لافتات المنشآت الطبية، رغم أن هذه اللافتات ليست دعائية، وإنما الغرض منها التعريف بالمنشأة، كما أنها من اشتراطات ترخيص المنشأة، طبقاً لقانون المنشآت الطبية، والذي يدفع الرسوم هو الطبيب طالب الرخصة.
واستنكرت سلامة، استمرار هذه المعوقات والصعوبات التي تفاقم مشكلات الأطباء، وقالت: "لن يكون لتلك المعوقات أية نتائج إيجابية، والمتوقع هو نتيجة من اثنتين، أن يهاجر مزيد من الأطباء، أو أن يضطر الطبيب إلى أن يضاعف مقابل الخدمة على المريض، فليس من المنطقي أن يتحمل الطبيب كل هذه التكاليف المبالغ فيها في ظل ضعف الرواتب، والأزمة الاقتصادية الطاحنة".
وفيما يتعلق باستمرار معاناة الأطباء مع الرسوم الضريبية، لا يزال الوضع بين نقابة الأطباء ومصلحة الضرائب التابعة لوزارة المالية عالقاً في يد القضاء للبت فيه. كانت مصلحة الضرائب المصرية، قد أعلنت في فبراير/شباط الماضي، وضع مجموعة من الإجراءات للأطباء للتعامل بالإيصالات والفاتورة الإلكترونية، وطالب رئيس مصلحة الضرائب، الأطباء بوضع لافتة بأسعار الكشف والاستشارة وأية خدمات يجري تقديمها في العيادات الطبية طبقاً للكتاب الدوري الصادر من الإدارة المركزية للعلاج الحر والتراخيص الطبية بوزارة الصحة، وحذر الأطباء من الوقوع تحت طائلة العقوبات القانونية.
بعد القرار، قررت نقابة الأطباء إقامة دعوى قضائية ضد وزير المالية ورئيس مصلحة الضرائب بصفتيهما، للطعن على إلزام الأطباء بالتسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية، لكن المحكمة قضت في حكمها فيها بالوقف التعليقي للدعوى لحين الفصل في الدعاوى المنظورة أمام المحكمة الدستورية بشأن خضوع الأطباء لضريبة القيمة المضافة، وبالتالي استمرار خضوع الأطباء لمنظومة الفاتورة الإلكترونية، والإيصال الالكتروني. وهو الحكم نفسه الذي صدر في جميع القضايا المقامة من النقابات المهنية، مثل المحامين، والصيادلة، والأسنان في الشأن ذاته.
ومؤخراً؛ خاطبت مصلحة الضرائب المصرية، نقابة الأطباء، لمطالبتها بالبيانات التفصيلية للأطباء المسجلين بالنقابة، بغرض فتح مصلحة الضرائب ملفات ضريبية لهم. وردت النقابة على مصلحة الضرائب، بأن سجلاتها تتضمن جميع الأطباء بمختلف شرائحهم، ومنهم من يعمل في القطاع الحكومي فقط، ومنهم من اعتزل المهنة، وغيرهم هاجروا إلى خارج البلاد، وأن الواقع يؤكد أن الأطباء المسجلين بالنقابة لا يمتلك جميعهم عملاً طبياً خاصاً في داخل مصر.
واستشهد مجلس نقابة الأطباء في خطابه إلى مصلحة الضرائب، باسم الطبيب بستاني نعمان محمد، استشاري التخدير في القصير بمحافظة البحر الأحمر سابقاً، والذي قضى حياته المهنية في العمل الحكومي والقوافل الطبية بالمناطق النائية، ولم يعمل قط في القطاع الخاص، وحالياً يقضي عقوبة الحبس لمدة 6 أشهر في قضية ضرر طبي دارت أحداثها داخل مستشفى القصير المركزي في محافظة البحر الأحمر.
وأكد مجلس النقابة في رده إلى مصلحة الضرائب أنه "ليس من الدقة أو العدالة استناد المصلحة إلى سجلات نقابة الأطباء في فتح الملفات الضريبية للأطباء، والجهة المنوط بها ترخيص المنشآت الطبية الخاصة هي إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة".
جاء الرد بناء على قرار مجلس النقابة في 16 مارس/آذار الماضي، وبعد تعدد المخاطبات المماثلة من مصلحة الضرائب بفروعها المختلفة، وآخرها طلب بيانات أطباء التخدير المسجلين في محافظة القاهرة. وتلا اجتماع مجلس النقابة العامة الأخير، فشل انعقاد جمعية عمومية غير عادية يوم الجمعة 17 مارس، لمناقشة المحاسبة الضريبية للأطباء، ومعوقات واشتراطات تراخيص المنشآت الطبية الخاصة، إذ لم يكتمل النصاب القانوني لعقد الجمعية.
بعد فشل عقد الجمعية العمومية غير العادية، من المقرر أن يناقش مجلس نقابة الأطباء المشكلات الناجمة عن قرار فرض الضرائب، وعن شروط ورسوم ترخيص المنشآت الخاصة بالمحافظات، إضافة إلى مناقشة ملف تأخر صدور قانون المسؤولية الطبية على جدول أعمال الجمعية العمومية العادية للنقابة، والمقرر عقدها عقب إجازة عيد الفطر.