أطباء الجزائر... مواجهة صعبة ضدّ كورونا والاعتداءات

24 سبتمبر 2020
اعتداءات جسدية ولفظية على الأطباء في المستشفيات الجزائرية (بلال بنسالم/ Getty)
+ الخط -

يمرّ الأطباء والممرّضون ومختلف كوادر السلك الطبي في الجزائر بفترة عصيبة، ليس فقط بسبب تبعات أزمة وباء كورونا والمتاعب مع المرضى المصابين بالفيروس، أو نقص المعدات والوسائل، لكن الجيش الأبيض توحّد أيضاً في مواجهة موجة اعتداءات في مختلف المستشفيات الجزائرية، سببها غضب عائلات المصابين، في وقت سارعت فيه السلطات الجزائرية إلى إصدار قانون جديد يضمن الحماية التامة للأطقم الطبية.
تجاوزت حصيلة الوفيات في صفوف السلك الطبي، بسبب كوفيد-19، الـ96 وفاة، فيما بلغ عدد الإصابات بفيروس كورونا فيه 6000 إصابة، منذ بداية انتشار الفيروس في الجزائر، أواخر شهر فبراير/ شباط الماضي. لكن الموت، والإصابة بكوفيد-19 والإرهاق، إضافة إلى نقص المعدات ووسائل الحماية، ليست المشاكل الوحيدة التي يواجهها الأطباء والأطقم الطبية في الجزائر في الفترة الأخيرة. إذ برز أخيراً، الاعتداء اللفظي والجسدي على جنود "الجيش الأبيض"، المرابط على مستوى مصالح الصحة والعلاج في مختلف المستشفيات الجزائرية. وخلال الأسابيع الماضية، ازدادت الاعتداءات في المستشفيات، وارتفع منسوب الضغط على الأسر التي وجدت نفسها غير قادرة على التوجّه لإجراء الفحوصات في العيادات الخاصة، وزادت من حدّة هذه المشاكل عمليات النشر والبث على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تُظهر الحالة السيئة للمصحات العامة، والنواقص التي يعاني منها المواطن.
قبل إصدار القانون سجّلت مستشفيات كلّ من المسيلة، وسط البلاد، ووهران، غرب الجزائر، وقسنطينة وسطيف، شرقي البلاد، إضافة إلى العاصمة الجزائرية، عدّة حالات اعتداء نتيجة ما اعتبره المواطنون نقصاً في الخدمات الصحية داخل هذه المستشفيات وظروف العلاج. وبينما تسارع وزارة الصحة، في كلّ مرة، إلى تقديم بيانات وتوضيحات للرأي العام حيال ذلك، تعرّضت طبيبتان في مصلحة الطب الداخلي في مستشفى ابن باديس بولاية قسنطينة، شرق الجزائر، إلى تعنيف لفظي ومحاولة اعتداء جسدي من قبل أهل مصاب في المصلحة، ما دفعهما إلى الاختباء والتحصّن بإحدى الغرف خوفاً من الاعتداء عليهما، بحسب تصريحات المصلحة ذاتها.
وفي وهران، عاصمة الغرب الجزائري، قامت إحدى الفنانات المعروفة في الوسط الشبابي باسم "سهام الجابونية"، بتصوير فيديو أثناء دخولها إلى مستشفى وهران الجامعي، وهو مستشفى حكومي، مشدّدة على ما وصفته في الفيديو بـ"الإهمال" واعتدائها لفظياً على الأطباء. وأثار هذا الفيديو جدلاً في الوسط الجزائري، خصوصاً بعدما نشرته على صفحتها على فيسبوك، التي يتابعها الآلاف من الجزائريين.
وبادرت إدارة المستشفى إلى رفع دعوى قضائية ضدّ الفنانة التي "أهانت الموظفين أثناء تأدية مهامهم، والتقاطها لصور داخل مصلحة الاستعجالات ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي". وتمّ الاستماع إليها من طرف محكمة وهران التي أدانتها بـ18 شهر حبس نافذ. كما، أمر قاضي التحقيق لدى محكمة "سيدي عيسى"، بولاية المسيلة، بإيداع شخصين رهن الحبس المؤقت، وشخص ثالث رهن الرقابة القضائية، على خلفية اقتحام المؤسسة العامة الاستشفائية بالولاية، وإهانة هيئة نظامية، ونشر فيديو يظهر جثة شخص متوفى بمصلحة "كوفيد-19"، و"المساس بحرمة الموتى" على مواقع التواصل الاجتماعي.

 


الضغط يولد الانفجار

وفي سابقة، أقدم جمال بوتمر، مدير مستشفى "محمد بوضياف"، بولاية البويرة، على إلقاء نفسه من الطابق الأول للمستشفى، بعد الضغوط التي تعرّض لها من أهل أحد المتوفين بفيروس كورونا، إذ طالبوه بتسليمهم جثة المتوفى قبل صدور نتائج التحاليل. الضغوط والتشنّج بينه وبين عائلات المرضى منذ فترة طويلة، أدّت إلى ردّ فعل المدير هذا، الذي عرّض فيه حياته للخطر، وتسبّب له سقوطه هذا في كسور في أطرافه السفلى وجروح أيضا.
ودفعت هذه الظروف النقابات المهنية التابعة للسلك الطبي في الجزائر، إلى توفير أساليب حماية للأطباء والممرّضين داخل المؤسسات الصحية، مطالبةً وزير الصحة باتخاذ إجراءات عاجلة لتمكين موظفي السلك الطبي من مكافحة الوباء وتقديم الخدمة العمومية للمرضى. كما وجّهت النقابات الصحية في الجزائر نداءات للمواطنين بالتحلي بالصبر والحكمة لأن "الجميع في سفينة واحدة، إمّا أن ننجو أو نغرق معاً". وعلّق الأمين العام للنقابة الوطنية لشبه الطبي، غاشي لوناس، على الوضع في ندوة صحافية، قائلاً إنّ "هذا السلوك يضرّ بسير العمل الطبي، ويؤثّر على نفسية الأطباء الذين ظلّوا بعيدين عن أهاليهم فترة طويلة". واستهجن لوناس السلوك العدائي من المواطنين تجاه القطاع الصحي، معتبراً أنّ "تلك التصرفات لن تحلّ المشكلة، ولن تشفي المرضى، بل من شأنها أن تعقد الأمور، مع الظروف السيئة التي يعيشها الجميع بسبب الوباء".
وفي سياق متّصل، كشفت المختصّة في الطب الداخلي بمستشفى باب الوادي بالعاصمة الجزائرية نورة بوسماحة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "قطاع الصحة في الجزائر بات اليوم يواجه ضغطاً رهيباً بسبب الإرهاق الذي نال من الموظفين في القطاع، بسبب العمل المتواصل ليل نهار، فضلاً عن الظروف النفسية للكوادر الطبية، بسبب ضغط العمل وابتعادهم عن عائلاتهم، وهو ما يدفعهم إلى بذل طاقة مضاعفة".

التقدير والتضامن قوة


وعندما بلغت الاعتداءات أوجها وتحولت الى ظاهرة مقلقة، عمد أطباء مستشفى قسنطينة وسطيف، شرقي البلاد، ووهران، غربي الجزائر، إلى تنظيم حركة احتجاجية للمطالبة بتوفير ظروف عمل أفضل لهم، وبحمايتهم من الاعتداءات ومن تصرفات المواطنين غير المبرّرة، والتي تكون في الغالب نتيجة وجود أقارب لهم في وضع صحي خطير داخل المستشفى، أو نتيجة ما يعتقد الأهالي أنه تقصير من الفرق الطبية بحقّ أقاربهم، في لحظة غضب.
تدخل في هذا السياق تفاصيل ومشاكل نفسية بسبب حجم الحزن الذي يخلّفه خبر وفاة شخص عزيز على كل العائلات الجزائرية. وتعتقد الاختصاصية النفسية رقية آيت حمودة أنّ الكثير من أهالي المرضى يقعون ضحية الضغط النفسي وقلّة التحكم في الغضب. وقالت في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "فقدان شخص عزيز يحمل معه حزن كبير، غالباً ما لا يتقبّل أهل المريض المصاب بكوفيد-19 هذا الخبر أو الحدث". وأضافت أنّ "كل شخص يعتقد أنّ الضرّ مسّه وحده، ولكن هذا غير صحيح، وكلّ مواطن ينتظر أن يتم الاعتناء به على أعلى مستوى، لكن ظروف العمل الحالية قاسية جداً، وخصوصاً أنّ الكوادر الطبية، في حدّ ذاتهم يتخوّفون من الإصابة بالفيروس، فالضغط عليهم مضاعف". وتعرف المستشفيات ضغطاً كبيراً جراء توافد المواطنين للقيام بالفحوص، إذ بات المواطن تحت ضغط تفاديه الإصابة بالوباء، الذي ما زال يصيب الكثيرين ويزهق أرواح الكثيرين يومياً، إذ تجاوز معدل الإصابات الـ600 إصابة يومياً، وبمعدل عشر وفيات يومياً، قبل أن تتراجع هذه المعدلات إلى أقل من 200 إصابة خلال الأسبوع الثاني من شهر سبتمبر/ أيلول الجاري.

القانون والردع


ولم تجد السلطات الجزائرية حلاً لوقف تمدّد ظاهرة الاعتداء على الأطقم الطبية سوى إصدار قانون لزجر هذه الاعتداءات، وأعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أخيراً، عن تعزيز إجراءات حماية الأطقم الطبية في المستشفيات وتشديد العقوبات ضدّ كلّ من يتورّط في الإعتداء على الأطباء. وقال تبون، خلال حوار بثه التلفزيون الرسمي، إنّه يتألم "كجزائري وكمواطن، وكرئيس بسبب الاعتداءات التي تطاول السلك الطبي، والأطباء تحت الحماية الشعبية وحماية الدولة". 
وقبل قرار الرئيس، كانت وزارة العدل قد طلبت من القضاة التعامل بصرامة مع الموقوفين في قضايا الاعتداء على الأطباء والأطقم الطبية، وأصدر تبون، في الثالث من أغسطس/ آب الماضي، قانونا لحماية الأطقم الطبية، دخل حيز التنفيذ، ويتضمن تدابير قانونية لتوفير الحماية لجميع المستخدمين بالمؤسسات الصحية العامة والخاصة من الاعتداءات اللفظية والجسدية، وإجراءات عقابية ضدّ المتورّطين في تخريب الأملاك العقارية والمنقولة لمؤسسات الصحة، واستغلال شبكات التواصل الاجتماعي للمسّ بكرامة المريض والاحترام الواجب للموتى. كما يتضمّن القانون عقوبات صارمة ضدّ المعتدين، قد تصل إلى السجن المؤبد في حال وفاة الضحية، بينما تراوح عقوبة الحبس بين سنة واحدة وثلاث سنوات في حال الاعتداء اللفظي، ومن ثلاث إلى عشر سنوات في حال الاعتداء الجسدي، حسب خطورة الفعل، وعقوبة بالحبس من عامين إلى عشرة أعوام، في حال وجود تخريب للممتلكات العامة في المستشفيات.ش

المساهمون