تتضاعف مخاطر أزمة المياه في مناطق جنوب العراق ووسطه، وهي المناطق الأخيرة التي يصل إليها نهرا دجلة والفرات، الأمر الذي ينذر بموجة نزوح جديدة من الريف الذي يعتمد بصورة أساسية على مياه هذَين النهرَين والجداول المتفرّعة منهما، في حين يشير مراقبون إلى احتمال تفجّر تظاهرات جديدة في الأشهر المقبلة.
وخلال الأسبوعَين الماضيَين، شهد العراق انخفاضاً حاداً بمناسيب المياه، في حين نضبت أنهر وجداول وأهوار من المياه. ولدى العراق ثلاثة أهوار رئيسية هي هور الحويزة الواقع عند الحدود مع إيران، وهور الحمّار، وأهوار الفرات التي تمتدّ إلى القرب من مصبّ دجلة والفرات في الخليج العربي.
وفي هذا الإطار، قدّم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أخيراً، تقديرات مقلقة حول نصيب الفرد العراقي الواحد من المياه بحلول عام 2030. وقال رئيس البرنامج في بغداد آوكي لوتسما، في تصريح صحافي، إنّ "مستويات الجفاف بلغت مستوى قياسياً في العراق في العامَين الماضيَين، مع ارتفاع درجات الحرارة جنوبي البلاد".
وبيّن لوتسما أنّ "المياه التي تصل إلى العراق انخفضت من نحو 30 مليار متر مكعّب في عام 1933 إلى 9.5 مليارات فقط راهناً"، ورجّح أن "يتراجع نصيب الفرد العراقي من المياه في عام 2030 إلى نحو 480 متراً مكعّباً فقط، وهو رقم بعيد جداً عن معيار منظمة الصحة العالمية الذي يُقدَّر بـ1700 متر مكعّب سنوياً".
وسبق أن توقّع مؤشر الإجهاد المائي لعام 2019 أن "يفقد العراق أنهاره تماماً بحلول عام 2040"، إذ إنّ "مياه النهرَين (دجلة والفرات) لن تصل إلى المصب النهائي في الخليج". وهذا ما أكده الخبير البيئي عادل المختار لـ"العربي الجديد"، شارحاً أنّ "المياه قد تختفي من العراق في حال لم تدخل السلطات العراقية في مفاوضات جادة مع تركيا وإيران".
وأضاف أنّ "الخطط الحكومية الحالية، سواءً المرتبطة بالزراعة أو بتوزيع المياه وتقسيمها على المحافظات، تنطوي كلها على سوء تقدير"، مشيراً إلى أنّ "المرحلة المقبلة قد تشهد هجرة جديدة من مناطق الريف إلى المدينة، وبالتالي لا أستبعد أن ينفجر الوضع الشعبي مع تفاقم أزمة المياه".
وكانت الحكومة العراقية قد أصدرت في مطلع شهر إبريل/ نيسان الماضي جملة قرارات لترشيد استهلاك المياه، من بينها إلزام المحافظات بالحصص، وتشجيع المزارعين على إقامة منظومات ريّ حديثة، ورفع التجاوزات عن الأنهر. كذلك شملت القرارات الحدّ من تلوّث مياه الأنهر من خلال تنفيذ مشاريع محطات معالجة الصرف الصحي، وعدم رمي المخلفات الصلبة فيها، مع تصنيف المعلومات المتعلقة بالواقع المائي بأنّها "حساسة ويُمنع تداولها أمام العامة".
ويوم أمس الخميس، أعلنت وزارة البيئة إطلاق "مشروع تكيّف الأسر الريفية في جنوب العراق مع ندرة المياه الناجمة عن تغيّر المناخ من خلال تمكين النساء كعوامل للتحوّل ومعالجة العلاقة بين الغذاء والطاقة والمياه، بدعم من الحكومة الكندية وبالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في جمهورية العراق".
ونقل البيان عن وزير البيئة العراقي نزار ئاميدي قوله إنّ "الهدف من هذا المشروع الذي يواكب التوجّهات الوطنية العراقية هو تعزيز إجراءات التكيّف مع التأثيرات السلبية لتغيّر المناخ، بخاصة على المجتمعات الريفية التي تُعَدّ الأكثر هشاشة، ولما لهذه التأثيرات من علاقة مع الواقع الاجتماعي وكذلك الاقتصادي والصحي لهذه المجتمعات".
من جهته، أشار الناشط في المجال البيئي حسين العراقي لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "المشاهد الأخيرة التي رصدتها جمعيات ومنظمات البيئة في العراق تشير إلى تراجع غير مسبوق بمناسيب المياه في محافظات الفرات الأوسط والجنوب، وهي تنذر بكارثة إنسانية وتغيير ديموغرافي في تلك المناطق، بالإضافة إلى احتمال وقوع مجاعة مرتقبة".
ورأى العراقي أنّ "الحكومة العراقية الحالية لم تلتفت نهائياً إلى هذه الأزمة، بل هي تسعى إلى مساعدة الشرائح المتضرّرة في التكيّف مع الوضع، مع العلم أنّ هذا التكيّف غير ممكن، لأنّ ثمّة مناطق باتت كلياً بلا مياه".
وذكرت مصادر من جنوبي العراق أنّ عدد النازحين إلى مراكز المدن بلغ نحو نصف مليون شخص منذ مطلع عام 2020. وفي منتصف يوليو/ تموز 2022، حذّرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) من أنّ الواقع الزراعي في العراق يدعو إلى قلق كبير، مشيرة إلى أنّ هذا البلد من أكثر مناطق العالم تضرّراً من تغيّر المناخ ونقص المياه، وهو يحتاج إلى مساعدات غذائية.
وفي وقت سابق، كشفت وزارة الموارد المائية عن "خطر كبير يطوّق رقاب العراقيين" بسبب النقص في المياه الواردة من دول المنبع شمالاً وشرقاً، وكشفت "وصول معدّل الخزين المائي في البلاد إلى 12 في المائة من معدّل الخزين العام، بسبب قطع المياه من تركيا وإيران بطريقة متعمّدة"، وأنّ إجراءاتها ركّزت على محورَين رئيسيَّين؛ الأوّل تخفيف آثار الشحّ المائي على المواطنين والثاني ضمان وصول الحصص المائية لكلّ المستفيدين.