ما زالت قضية الليبيات المتزوجات من أجانب تثير جدالاً مجتمعياً ورسمياً واسعاً منذ بدء السلطات في وضع ترتيبات تشريعية جديدة تخص منح مواطنيها أرقاماً وطنية تثبت هويتهم وانتماءهم للبلاد. لكنّ آثار القضية تهدد عدداً من أبناء هذه الأسر التي ما زالت الجهات الرسمية تصرّ على عدم منحهم حقوق مواطنة، في الوقت الذي تؤكد فيه المحامية مريم البريكي أنّ الجهات الرسمية لا تملك أرقاماً دقيقة حتى الآن لهذه الشريحة من الأبناء. وتؤكد البريكي، التي ترافع أمام المحاكم الليبية في قضايا ليبيات متزوجات من أجانب، أنّ هذه الشريحة ما زالت تواجه صعوبات كثيرة وحرماناً من حقوقها، إذ تدفع الأسر رسوماً دراسية سنوية تصل إلى 2000 دينار (1400 دولار بسعر الصرف الرسمي، و333 دولاراً في السوق الموازي) ليتمكنوا من الالتحاق بالمدارس، علاوة على حرمانهم من الحصول على تسهيلات أخرى يمنحها القانون لأيّ مواطن ليبي.
ومنذ صدور القرار الخاص بشأن منع الليبيات المتزوجات من أجانب من تمرير جنسيتهن لأبنائهن، عام 2012، لم تتمكن السلطات التشريعية، المنقسمة على نفسها في البلاد، من التفرغ لمراجعة نصوص القانون بعد الطعن به قضائياً، بحسب البريكي، التي تؤكد في حديثها إلى "العربي الجديد" أنّ مجلسي ليبيا التشريعيين يتعللان بظروف الحرب والوضع الاستثنائي في البلاد.
من جهتها، وبالرغم من قدرتها على تدريس طفليها في مدرسة خاصة، فإنّ إنعام أمين، الليبية المتزوجة من أجنبي، تؤكد أنّ القانون يعرقل إضافة ابنيها إلى بنود راتبها، للحصول على علاوة يمنحها القانون لغيرها من الليبيات اللواتي لديهن أطفال. وتقول إنعام لـ"العربي الجديد" إنّها تطلقت من زوجها غير الليبي الذي غادرها وترك لها طفلين، لكنّ القانون لا يسمح لها بإضافة أطفالها إلى بنود الرواتب كون عقد زواجها يثبت أنّ والدهما أجنبي، معتبرة أنّ دراسة طفليها في المدارس الخاصة ما زالت غير قانونية كونهما لا يملكان أوراقاً ثبوتية.
وعلى العكس من إنعام التي لم تستطع اللجوء الى سفارة بلد زوجها للحصول على أوراق ثبوتية لطفليها، فإنّ البريكي تؤكد أنّ ليبيات كثيرات، خصوصاً في جنوب البلاد، لجأن الى سفارات بلدان أزواجهن، لكنّهن واجهن مخاطر تسفيرهن إلى تلك البلدان، ما أجبرهن على التراجع عن هذه الخطوة. وتلفت البريكي إلى ضرورة معالجة الدولة أوضاع أطفال الليبيات اللواتي تزوجن بعقود عرفية لم تسجل في المحاكم بسبب اقترانهن بمهاجرين من دول الجوار في مدن جنوب ليبيا خصوصاً، حيث تلعب الامتدادات القبلية عبر الحدود دوراً في إقناع الأسر بتزويج بناتهن للمهاجرين الأجانب من القبائل الممتدة إلى دول الجوار نفسها، مشيرة إلى أنّها حالات عديدة تتركز في أقصى الجنوب الليبي.
دار الإفتاء أقرّت بحقوق أطفال الأم المتزوجة من أجنبي بالميراث حين وفاتها
من جهته، شارك الناشط المدني، حازم الجربي، في العديد من ورش العمل والندوات المتعلقة بأوضاع أطفال الليبيات المتزوجات من أجانب، منها ندوة حوارية في مدينة سبها العام الماضي، بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، لكنّه يؤكد أنّ توصياتها لا تلقى أيّ اهتمام رسمي. يتحدث الجربي لـ"العربي الجديد" عن ردّ من جانب دار الإفتاء في البلاد على سؤال مؤسسة الأسرة من أجل المواطنة (أهلية) بشأن حق ميراث أبناء الأم الليبية المتوفية المتزوجة من أجنبي، مشيراً إلى أنّ دار الإفتاء أقرّت بحقوق أطفالها في الميراث، مؤكداً أنّه التفاعل الرسمي الوحيد مع هذه القضية. وينقل الجربي عن إحصاءات مؤسسة الأسرة من أجل المواطنة، أنّ عدد الليبيات المتزوجات من أجانب سنة 2012 بلغ نحو 8000، وارتفع إلى 10 آلاف بعد عامين. وبينما يؤكد غياب أيّ إحصاء رسمي أو أهلي بعد عام 2014، يرجح أنّ العدد تضاعف خمس مرات منذ ذلك التاريخ.
تعود إنعام لتتحدث عن عائق آخر يواجه مستقبل طفليها، تمثله الإقامة الدائمة التي منعتها الجهات الرسمية عنهما، وتقول: "أضطر كلّ عام لتجديد إقامة طفليّ في ليبيا، كأيّ أجنبي، وأتحمل مصاريف إضافية كضرائب ألتزم بدفعها تباعاً خوفاً عليهما".
وعلى خلفية ضغوط مارسها ناشطون ومحامون، اضطر مجلس النواب، في طبرق، لإصدار قرار موجه إلى الجهات الرسمية يبيح لها منح الإقامات وشهادات الميلاد لأطفال الليبيات من آباء أجانب وفق تعديلات على لوائح قانون عام 2012، بحسب البريكي. لكنّها تؤكد أنّ ذلك حمّل الأمهات مصاريف باهظة للمحامين قبل الوصول إلى قرار استثنائي من المحاكم، ما اضطر كثيرات منهن للإحجام عن الخطوة.
بدأت الأزمة عام 2012 مع صدور تشريع يمنع أبناء الليبيات المتزوجات من أجانب من الحصول على حقوق المواطنة، ومنذ ذلك التاريخ، عبّرت منظمات دولية عدة عن استنكارها للتشريع، لكنّ إنعام تقول إنّ "الموقف الدولي ومواقف الناشطين غير كافية فأولادنا يكبرون كلّ يوم ولا يجدون من ينصفهم"، معتبرة أنّ قضية هذه الشريحة قضية وطنية.