شهدت مدينة الخمس، شرق العاصمة الليبية طرابلس، أخيراً، ضبط أدوية مغشوشة داخل مصنع بعد الاشتباه في مرحلة أولى بنقل حاوية عبوات مليئة بعقاقير طبية وعلب كرتونية فارغة ونشرات، بحسب ما أوضح بيان أصدرته قوة العمليات المشتركة، ما استدعى بدء عناصرها تحقيقات جمعت معلومات عن نوعية المضبوطات وكمياتها وأهداف استخدامها تمهيداً لتنفيذ التحركات الميدانية الرادعة، وذلك بالتنسيق مع مكتب النائب العام في طرابلس الذي أمر، بعد تنفيذ عملية الضبط، باستكمال الإجراءات والتحقيقات.
وأشارت قيادة قوة العمليات المشتركة إلى أنها تحركت استناداً إلى التحقيقات التي أجرتها في شأن معلومات تلقتها وتوفرت لديها، سمحت بتحديد موقع المصنع الذي نقلت إليه المواد والمعدات المستوردة. وأكدت القيادة أن مصنع الخمس يتعامل مع الأدوية والمستحضرات الطبية من دون أن يحمل أي ترخيص.
وبعد دهم القوة المشتركة المصنع، احتجزت الموجودين داخله، وصادرت المواد والأجهزة التي تستخدم في التصنيع والتعبئة بشكل غير قانوني، ثم أغلقت أماكن التخزين، بحسب ما أورد البيان الذي أصدرته والذي كشف أن غالبية الموقوفين عمال أجانب لا يملكون المؤهلات المطلوبة لتنفيذ هذه الأعمال.
وأعقب ذلك تحريك النيابة العامة الليبية دعوى ضد مسؤول في نقابة الصيادلة وصيدلي و13 أجنبياً اتهموا بالاتجار بأدوية ومستلزمات طبية، "ما يشكل جريمة غش تجاري".
وذكر مكتب النيابة العامة على صفحته في "فيسبوك" أن "بلاغ مأموري الضبط القضائي في قوة العمليات المشتركة تحدث عن ممارسة ليبيين ووافدين أجانب نشاط تعبئة مواد يقولون إنها طبية، ووضعهم بيانات الشركات صاحبة الحقوق أو العلامات التجارية على الأدوية والمستلزمات الطبية للدلالة على تلبيتها شروط التسجيل والتسويق".
تابع: "كشف فحص موقع النشاط في مصنع مدينة الخمس ارتكاب مخالفات ظاهرة في عمليات التعبئة والتغليف، بينها استيراد القائمين على النشاط عبوات ذات أوصاف تتطابق مع تلك لعبوات أدوية معتمدة، تمهيداً لتعبئتها، بعد تزييف أغلفتها ونشراتها بمواد سبق أن وضعت في مستوعبات من دون مراعاة الضوابط التي تكفل خلوّها من الشوائب والملوّثات ومخالفات التصنيع، وبالتالي عدم تضمنها أي غش يهدف إلى تحقيق كسب غير شرعي".
وإلى جانب حبس عمال مصنع مدينة الخمس على ذمة القضية، أوقف مأمورو الضبط القضائي، التابعون لجهاز الأمن الداخلي ومكتب المعلومات والمتابعة الأمنية في وزارة الداخلية، المسؤول في نقابة الصيادلة والصيدلي، اللذين ساهما في تسويق الأدوية والمستلزمات الطبية المغشوشة.
وأعلنت قوة العمليات المشتركة أن "النيابة العامة ومركز الرقابة على الأغذية والأدوية اكتشفا تورط القائمين على المصنع بأعمال غش تجاري للأدوية والمستحضرات الطبية عبر استخدام مكونات وتحديد تاريخ صلاحية من دون وجود مرجع حقيقي لها، وأيضاً من دون الرجوع إلى أجهزة الرقابة. كما أكدا افتقار المواد الخام والأجهزة المستخدمة ومواقع التخزين إلى الشروط الصحية والبيئية المنصوص عليها، علماً أنه عثر على قناني بلاستيكية وعلب كرتونية فارغة ونشرات طبية مستوردة من الخارج لبعض العلامات التجارية الطبية". كما عثرت قوة العمليات المشتركة على أجهزة مخصصة لوضع وتغيير تاريخ الصلاحية "ما يثبت نية القائمين على المصنع تنفيذ أعمال غش للمواد الطبية من دون مبالاة بصحة الناس وسلامتهم".
ولم توضح قوة العمليات المشتركة والنيابة العامة تاريخ عمل المصنع ونوع الأدوية التي شملتها عمليات الغش، وما إذا كانت قد نقلت إلى السوق الليبية. وهو ما لا يستبعده عضو نقابة الصيادلة في ليبيا نوري أبو شليف، الذي يؤكد في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "لا ضوابط حقيقية في السوق الليبية خصوصاً على صعيدي الأدوية والمواد الغذائية".
من جهته، يتحدث طبيب الأمراض الداخلية خالد الحبتي، لـ"العربي الجديد"، عن أن "الأدوية والأغذية المغشوشة ومنتهية الصلاحية قد تقف وراء العديد من حالات التسمم الغذائي التي زادت في الفترة الأخيرة، إذ يمكن أن تنقل مسببات الأمراض، مثل البكتيريا والفيروسات والطفيليات، والتي قد تخلّف التهابات رئوية وإسهالاً وعدوى منقولة عن طريق الأغذية، كما تسبب أمراضاً مزمنة مثل القلب والسكري والسرطان". يضيف: "قد تحتوي الأدوية المغشوشة على مواد غير فعّالة أو ضارّة تجعلها بلا منفعة أو تتسبب في آثار جانبية خطرة، وبينها تلك المضادة للالتهاب غير الستيرويدية التي قد تحدث تقرحات ونزيفاً في المعدة".
إلى ذلك، قد تضم الأدوية المغشوشة مواد غير صالحة أو مستحضرات كيميائية خطرة، مثل معادن ثقيلة تسبب أوراماً، مثل الزئبق أو الزرنيخ، لذا يشدد الحبتي على "ضرورة شراء الأدوية من مصادر موثوقة والتحقق من تاريخ صلاحيتها، مع التزام الصيادلة بعدم بيع الأدوية من دون إبراز وصفات طبية، وهو ما لا يحصل في ليبيا". يضيف: "باستثناء العقاقير المخدرّة، لا يلتزم الصيادلة باعتماد الوصفات الطبية قبل منح الدواء، ويكفي أن يذكر شخص اسم دواء أو يظهر صورته حتى يشتريه من أي صيدلية، ويتناوله من دون أي متابعة صحية".
وحول ضبط المخالفات، يشدد أبو شليف على أهمية عدم الاكتفاء بالجولات الميدانية الفجائية التي ينفذها موظفو مركز الرقابة على الأغذية والأدوية والحرس البلدي، بل على وجوب وضع خطط ومنهج عمل يركز أولاً على ضبط المنافذ البرية والبحرية والجوية والبضائع التي تدخل عبرها.
وفي حديث سابق لـ"العربي الجديد"، قال أستاذ الصيدلة عادل خلف الله إن السوق تعّج بأدوية منتهية صلاحية بسبب ضعف بنية المنظومة الصحية، ويرجح أن غالبية الأصناف مقلدة، ولا تعود إلى شركات يمكن الوثوق بها، ما يجعل معدلات مخاطر استعمال هذه الأدوية أعلى بالتزامن مع فقدان القدرة على إسعاف أي شخص يتعرض لأضرار بسببها".