تمرّ الأشهر في وقت ينتظر مرضى السرطان في لبنان "مهلة الأسبوعين"، التي تتعهّد بها السلطات الرسمية لحلِّ أزمةٍ يتعاطى معها المسؤولون باستخفاف واستهتار، وكأنّه يمكن لهذا المرض التوقف عن الانتشار إلى حين ترجمة الوعود.
قبل أيام، أعلن وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض وصول كميات كبيرة من الأدوية خلال الفترة الأخيرة، مع توقع استيراد كميات إضافية تباعاً وبشكل مستمر وأكثر تنظيماً تلبية للحاجات الفعلية، موضحاً أن ذلك "لا يعني إنجاز ملف الدواء الذي سيبقى مفتوحاً وإن بشكل أقلّ حدة من السابق". وقال إن "الأموال المرصودة لدعم الدواء أقلّ مما تفرضه الحاجة حتى بالنسبة إلى أدوية الأمراض السرطانية والمستعصية".
ونشرت وزارة الصحة جدولين مفصلين بالأدوية التي وصلت إلى لبنان خلال الأيام الأخيرة والتي يتوقع وصولها في الفترة القريبة المقبلة، في خطوة تبقى ناقصة وبطيئة وغير كافية نظراً للعدد الكبير من الأدوية التي ما زالت غير متوفرة في الصيدليات.
ويقول رئيس جمعية "بربارة نصار" لدعم مرضى السرطان في لبنان هاني نصار، لـ"العربي الجديد"، إن "المسؤولين يطلون كل فترة ويعدون بتأمين الأدوية خلال أسبوعين أو ثلاثة، بيد أنهم يثبتون عجزهم في كلّ مرة. وحتى الأدوية التي يعلنون وصولها إلى لبنان لم ولن تحلّ المشكلة، فهي سرعان ما تتبخّر على اعتبار أن الكميات قليلة جداً، ولا تشمل كل أدوية السرطان المسجل منها في لبنان 445 دواء".
ويلفت نصار إلى أن الأدوية التي تصل إلى لبنان تنطبق عليها عبارة "غطّ الحمام طار الحمام"، ولا يستفيد منها جميع المرضى، إذ نذهب إلى وزارة الصحة للسؤال عن دواء يفترض أنه ضمن اللائحة، لنكتشف أن الكمية نفدت، ويعطي مثالاً دواء "إيبرانس".
ويشير إلى أن العديد من الأدوية لم تُشمَل في جدولَيْ وزارة الصحة على الرغم من أهميتها ودورها الأساسي في علاج مرضى السرطان، ولا سيما في المنزل، موضحاً أن هناك علاجات متطورة لا تتطلب الذهاب إلى المستشفى وتعطى في مراحل متقدمة من المرض، أي الرابعة مثلاً.
وفي وقت يفترض أن تكون هذه الأدوية متوفرة لجميع مرضى السرطان، يحرم الكثير من المرضى منها في لبنان. وفي حال أرادوا شراءها من الخارج، يدفعون آلاف الدولارات على الرغم من الأزمة الاقتصادية. يضيف أنّ أدوية سرطان البروستات مثلاً مقطوعة، مثل "إكستاندي" و"زيتيغا". وإذا أراد المريض جلب الدواء من تركيا، فعليه أن يدفع نحو ألف دولار أميركي نقداً، علماً أن أسعار بعض الأدوية تتجاوز 10 آلاف دولار، منها أدوية سرطان الدم".
في المقابل، يلفت نصار إلى أن بعض الأدوية المرتبطة بعلاج السرطان مفقودة، وخصوصاً العلاجات المناعية مثل دواء "كيترودا". وهناك بدائل مقطوعة أيضاً مثل "أوبديفو"، علماً أن كلفة علاج كل جلسة في الخارج تقدر بنحو 5 آلاف دولار، ويحتاج بعض المرضى إلى أكثر من جلستين في الشهر.
ويتحدث نصار عن مشكلة ثانية تواجه مرضى السرطان في لبنان، وهي مرتبطة بالمستشفيات وفوضى التسعير المعتمدة والفوارق الفاضحة بين المستشفيات على الرغم من أن العلاج واحد، عدا عن الفاتورة الاستشفائية التي يتحملها المريض.
من جهته، يقول رئيس الهيئة الوطنية الصحية "الصحة حق وكرامة" النائب السابق إسماعيل سكرية، لـ"العربي الجديد"، إن "السبب المعلن والظاهر لأزمة الدواء يتصل بأن التمويل غير كافٍ من قبل مصرف لبنان المركزي. وأنا لا أحترم هذا الكلام بل، على العكس، أخجل عند سماع وزير الصحة والمسؤولين المعنيين من نواب ونقابات يتحولون إلى متلقّين لما يقوله المصرف الذي يعيّش اللبنانيين أصلاً بلغز ما يملك وما لا يملك وشو ما عندو". يضيف: "عندما نتحدث عن أزمة مرتبطة بمرضى مهددين بأي لحظة بالموت، يفترض خلق الحلول من تحت الأرض، ودعم أدوية السرطان الأساسية بالإذن من دعم البن والقهوة. أدوية السرطان أهم بكثير".
أما السبب الحقيقي برأي سكرية، فهو الفساد في القطاع الصحي والوزارات المتعاقبة منذ ثلاثة عقود، فالأزمة كانت موجودة، لكنها استفحلت مع انهيار قيمة الليرة اللبنانية أواخر عام 2019 وعجز وزارة الصحة والمسؤولين عن المواجهة الفعلية واتخاذ قرارات استثنائية تتخطى تلقي ما يقوله أو يقرره مصرف لبنان، مشدداً على أنه "من المعيب التبرير المستمرّ للناس ربطاً بالدعم القليل الذي يتلقّونه من مصرف لبنان".
بدوره، يقول رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي، لـ"العربي الجديد"، "إنّنا شددنا مراراً على أن المبالغ التي يخصصها مصرف لبنان غير كافية. فالأدوية، وخصوصاً تلك المزمنة والسرطانية والمستعصية، يجب أن تؤخذ في وقتها وإلا يتعرض المريض لانتكاسة وتتفاقم حالته الصحية، وعلى أساس أن المصرف لا يمتلك الدولارات. لكن فجأة، رأينا أنه يملك الدولار وعمد إلى استخدامه لدعم الليرة وخفض سعر الصرف في السوق السوداء، في وقت يفترض أن تكون صحة الناس خطاً أحمر".
يضيف عراجي: "كل أسبوعين، تؤكد لنا شركات الأدوية أنها ستأتي بالدواء. منذ أكثر من سنة ونحن نسمع الكلام نفسه والذريعة الأبرز مرتبطة بأن مصرف لبنان لا يعطي موافقة مسبقة، عدا عن الحاجة إلى الوقت لتوضيب الدواء في الخارج، بالإضافة إلى إجراءات أخرى تساهم في التأخير الحاصل. وهذه كلها مبررات لا تهم المريض الذي يريد أن يحصل على دوائه اليوم قبل الغد". ويشير إلى أننا "طالبنا برفع موازنة وزارة الصحة، إذ إن مبلغ 35 مليون دولار للدعم لا يكفي، 25 مليوناً منها للأدوية المستعصية والسرطانية و10 ملايين للمستلزمات الطبية". كما نشدد على السير بالبطاقة الدوائية سريعاً، لافتاً في المقابل إلى أن هذا المبلغ لم يغط الأمراض المستعصية بشكل كامل، ولا حتى السرطانية. أما أدوية الأمراض المزمنة، فباتت أسعارها خيالية ولا قدرة للمريض على تحمّلها".
وكان عراجي قد تحدث في جلسة لجنة الصحة عن خطورة الوضع الراهن، إذ إن هناك مرضى يشترون الأدوية في ظرف، وهناك من يوصي عليه من سورية أو أي دولة أخرى بسعر أرخص. وإذا بقينا نعتمد على الخلاف بين مصرف لبنان وشركات الدواء، فسنخسر الكثير من المرضى. وتحدث عن الفوضى في قطاع الدواء، وهناك أدوية كثيرة تباع في السوق السوداء، ولا تفتيش كما يجب، سواء التفتيش الصيدلي أو من قبل الوزارة. أما في موضوع المستشفيات فباب الاستشفاء للأغنياء فقط".