أجواء الحرب تبدّد آمال التمويل الكبير لمواجهة تغيّر المناخ

02 نوفمبر 2022
تحرّك احتجاجي من أجل المناخ (كينا بيتانكور/ فرانس برس)
+ الخط -

تتعرّض الشركات الكبرى لضغوط غير مسبوقة حتى توجّه التمويل اللازم للحدّ من تغيّر المناخ. وعلى الرغم من ذلك تتقلّص احتمالات أن تقدّم محادثات الأمم المتحدة الحافز الضروري بعد أن صارت الأولوية لحرب أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة والتوترات الجيوسياسية.

وفي مقابلات، عبّر أكثر من عشرة من قادة التمويل الأميركيين والأوروبيين عن تشاؤمهم بشأن مدى ما يمكن إحرازه من تقدّم واضح في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (كوب27) الذي تستضيفه مدينة شرم الشيخ المصرية ابتداءً من السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني وحتى 18 منه.

فقادة التمويل هؤلاء يريدون علامات على وتيرة لإصدار اللوائح التي تسمح لمجالس إدارات الشركات بوضع خطط لسياساتها المناخية. لكنّهم يخشون أن تتقاعس الحكومات عن تقديم أيّ التزامات رئيسية جديدة نظراً إلى استحواذ المستجدات الدولية بشكل كامل تقريباً على اهتمامات الدول.

يقول لوك ساسامز، وهو رئيس الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة والتمويل المستدام لأوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة "جيفريز" الدولية المُتخصصة في تقديم الخدمات المصرفية والاستثمارية، إنّ "العلاقات الجيوسياسية التي تذهب إلى مؤتمر كوب 27 بلغت واحدة من أسوأ الدرجات في التاريخ الحديث". يضيف أنّ "المعضلة القديمة لتمويل المناخ للتسهيل بين العالم المتقدّم والعالم النامي، سوف تصير بالتأكيد في وضع حرج. وأظنّ أنّنا سوف نكون مسرفين في التفاؤل بشأن الوفاء بقرارات كثيرة في هذا الصدد".

وكان تقرير للأمم المتحدة نُشر في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي قد شدّد على أهمية مشكلة المناخ وعلى ضرورة تقليص الانبعاثات بنسبة 43 في المائة مع نهاية هذا العقد، لمنع أسوأ الآثار المترتّبة على زيادة حرارة كوكب الأرض. والدول الأكثر تضرّراً من تأثيرات ارتفاع درجات الحرارة التي سجّلت مستويات قياسية هذا العام هي في الغالب أكثر الدول فقراً، ويُرجَّح أن تعلّق هذه الدول، في محادثات الأسبوع المقبل، أيّ وعود جديدة لخفض انبعاثاتها شريطة الحصول على مساعدات مالية من العالم الغني.

ويتطلع قادة التمويل إلى الحكومات لتقدّم مزيداً من الأموال، لكنّهم يقولون إنّه يتعيّن على القطاع الخاص كذلك تقديم تمويل للجزء الأكبر من الطاقة المتجدّدة وغيرها من مشروعات تقليص الانبعاثات ودرء تأثير تغيّر المناخ.

وربّما يكون الأمل الأفضل في هذا الإطار، منع التراجع عمّا تحقّق من تقدّم حتى الآن. ويقول بنديكت بكلي، وهو محلّل الأبحاث في شركة "كليربريدج إنفستمنتس"، إنّ "تفادي التراجع عن التعهدات والالتزامات الحالية... ربّما نستطيع أن نعدّه نجاحاً".

وقد تعهّدت شركات كثيرة بخفض الانبعاثات في العام الماضي، لكنّها مثل حكومات كثيرة لم تتوصّل بعد إلى كيفية تنفيذ هذه التعهّدات. وثمّة أكثر من 550 شركة مالية تنضوي في عضوية تحالف غلاسكو المالي من أجل صافي انبعاثات صفري، تهدف إلى تخفيض انبعاثاتها ودفع شركات تعتمد على تمويلها في الاقتصاد الحقيقي إلى أن تحذو حذوها، لكنّ وتيرة العمل بطيئة.

وبالنسبة إلى هورتنس بيوي، وهو المدير العالمي لبحوث الاستدامة في شركة "مورنينغ ستار" للخدمات المالية، فإنّ "العمل الشاق لم يأتِ بعد. الحقيقة هي أنّه لم يُصار إلى إنجاز ما يكفي في الأشهر الاثني عشر الماضية. وقد يجادل البعض بأنّنا تراجعنا". من جهته، يقول توماس هونا-سبابورث، وهو رئيس بحوث الاستدامة في شركة "لومبار أودييه" لإدارة الأصول، إنّ قسطاً صغيراً فحسب من الاستثمارات المحتملة سار بشكل معقول نحو هدف صافي انبعاثات صفري. يضيف: "لكي تنجح عملية الانتقال، يجب تعزيز هذا القسط كثيراً".

في السياق نفسه، يقول مارتي دوربين، وهو النائب البارز لرئيس غرفة التجارة الأميركية، وهي أكبر منظمة تجارية أميركية، إنّ الظروف الاقتصادية الحالية "غيّرت حيثيات الجدال" حول الطاقة النظيفة.

فمنذ محادثات المناخ في غلاسكو الاسكتلندية (في خلال مؤتمر كوب 26) في العام الماضي، تمثّل أكبر اضطراب في غزو أوكرانيا من قبل روسيا، وهي مصدر رئيسي للنفط والغاز. فاضطرت أوروبا تحديداً إلى إعادة النظر في اعتمادها السابق على الغاز الروسي والبحث عن بدائل. ويُعَدّ الفحم من بين هذه البدائل على المدى القصير، الأمر الذي يقوّض اتفاق مؤتمر الأمم المتحدة في غلاسكو للاستغناء التدريجي عن استخدام الفحم. وعلى المدى الطويل، قد يعني ذلك اللجوء إلى الطاقة النووية التي بلا انبعاثات والتي يلفت دوربين إلى أنّها خضعت لمناقشة مستفيضة كحلّ لمشكلة تغيّر المناخ مع تحسّن التكنولوجيا.

ومن المنطقي أن تحفّز أسعار الوقود الأحفوري المرتفعة الاستثمار في الطاقة المتجددة. ويقول هوبي ماينيكه، وهو المسؤول عن المناخ والاستدامة في "بوسطن كونسلتنغ غروب" التي تساعد في إدارة مؤتمر الأمم المتحدة (كوب 27) إنّه "من أسس الاقتصاد. كلّما ارتفع السعر، كلّما تزايدت الاستثمارات في ذلك المجال"، أي الطاقة المتجددة.

لكنّ هذا قد يكون أقلّ وضوحاً للبعض من أصحاب الأسهم، لأنّ ارتفاع أسعار النفط والغاز هذا العام كافأ منتجي الوقود الأحفوري. وتقول نازميرا مولا، وهي رئيسة الاستدامة في شركة "ناينتي وان" الأنغلو-جنوب أفريقية لإدارة الاستثمارات، إنّ الارتفاع الناتج عن هذا في التضخم وتكلفة المعيشة اليومية يهدّدان كذلك بوضع عقبة في صورة "ردّ فعل عنيف للناخبين إزاء التزامات المناخ".

(رويترز)

المساهمون