استمع إلى الملخص
- قصص النازحين ومعاناتهم: النازحون يفتقرون إلى خطة طوارئ ومساعدات إغاثية، ويعانون من نقص المياه والطعام والمأوى الكريم، مع قصص مؤلمة عن الأطفال والعائلات التي تفترش الأرصفة والسيارات.
- الظروف الصعبة والبحث عن الأمان: النازحون يعبرون عن معاناتهم بالبكاء والدموع، ويشكون من غياب الدولة والمساعدات، مع قصص عن العائلات التي نسيت الأدوية والطعام أثناء الهروب.
دفع الرعب الناتج عن الغارات الإسرائيلية المدمّرة ليل الجمعة الكثير من سكان الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية إلى الشوارع والكنائس والجوامع والكورنيش البحري ومختلف الأماكن العامة في بيروت.
توافد المئات من النازحين على الأماكن الآمنة أو الأقل خطراً في العاصمة اللبنانية بيروت، على إثر الغارات العنيفة المتواصلة التي عصفت بالضاحية الجنوبية ليل الجمعة، من بينهم لبنانيون ولاجئون فلسطينيون وسوريون وعمّال أجانب، يجمعهم البؤس والهلع الواضح على وجوههم.
مشاعر مختلطة من الضياع والتخبط والحزن والغضب يعبّر عنها النازحون الذين افترشوا الخط الساحلي في بيروت، حيث يمكن ملاحظة قصص موجعة تتناثر من كورنيش الرملة البيضاء مروراً بالروشة والمنارة وعين المريسة إلى "الزيتونة باي" وساحة الشهداء ووسط العاصمة، وقد بلغ عدد النازحين إلى مدارس بيروت حتى ظهر أمس السبت، 23,904 نازحين، وفق المسؤول الإعلامي لخلية الأزمة في بيروت، فادي بغدادي.
على بساط صغير، يحتضن أحد الآباء طفلته محاولاً تبديد مخاوفها، وإطعامها ما تيسّر من بسكويت قدّمه أحد الخيّرين، في حين يغفو أطفال آخرون في أحضان أمهاتهم، ويتمدد غيرهم على الأرصفة وداخل السيارات، من دون أي خطة طوارئ ملموسة، أو مساعدات إغاثية عاجلة، أو مأوى كريم ينقذهم من البقاء في الشوارع.
داخل ساحة كلية الإعلام التابعة للجامعة اللبنانية بمنطقة الأونيسكو، يصيح مسنّ من على كرسيّه المتحرك: "أعيدوني إلى بيتي في الضاحية، أريد أن أموت عزيزاً كريماً، لا أن أعيش الإذلال في مأوى لا يوفّر لي أدنى مقومات الحياة. تكفيني آلامي منذ أن بُترت قدمي، ولا أريد مزيداً من القهر والعذاب".
يسأل النازحون اللبنانيون عن المياه والطعام ودورات المياه وعن خطة الطوارئ
بدورها، تقف ندى جبّور بجانب سيارتها أمام الكلية ذاتها، وتسرد لـ"العربي الجديد"، كيف هرعت ليلة الجمعة رفقة أولادها الأربعة، من منزلها في منطقة دوحة عرمون المحاذية لمطار بيروت. تقول: "ضربوا الضاحية الجنوبية، ثم مدينة الشويفات، فشعرت كأن الغارات فوق منزلنا بسبب ما أحدثته من وهج كبير، ومن رائحة بارود ملأت المنزل حتى كدنا نختنق. كنت أستضيف نازحين من بلدة أنصار (جنوب)، من بينهم سيدة خضعت قبل أيام لعملية جراحية، ونزحنا جميعاً".
تضيف جبّور: "هرب كذلك أخي وزوجته وأطفاله الثلاثة من منزلهم بالقرب من السفارة الكويتية القريبة من الضاحية، إضافة إلى شقيقي الآخر وعائلته. قصدنا جميعاً منطقة عين المريسة، حيث جرى تفجير جسم مشبوه من دون أن يتم الإبلاغ عن ذلك، ما خلف رعباً إضافيّاً بين أطفالنا، فغادرنا إلى منطقة الضبية (شرق)، قبل أن نعود صباح السبت إلى بيروت. عددنا 14 شخصاً، وأصبحنا في حكم المشرّدين، فالكلية لا تصلح مأوى. أين الفرش والوسادات؟ أين المياه والطعام ودورات المياه المؤهلة؟ أين أبسط مقومات الحياة؟ وأين هي خطة الطوارئ؟ تركونا في الشارع، وما من مسؤول أو جهة سألت عن أحوالنا، فنحن همّهم الأخير".
وتروي السبعينية سهام حيدر لـ"العربي الجديد" بغصة وحرقة، كيف نزحت بما ترتديه من ثياب، وتتحسر على نسيان أدويتها الخاصة بمرض الربو. تقول: "هرعت مع أولادي وأحفادي من منزلنا الكائن على طريق المطار باتجاه بيروت، بحثاً عن ملاذ آمن، فوصلنا إلى كلية الإعلام، لكن الوضع مزرٍ هنا، ولا نطلب سوى اللطف والرحمة".
بالبكاء والدموع تعبّر نسرين طهماز، النازحة من منطقة حي السلم في الضاحية الجنوبية، عن حجم المعاناة. وتقول لـ"العربي الجديد": "لم ترحمنا الغارات، وكانت الصواريخ تمر فوق رؤوسنا، ولوهلة شعرت بقلبي يكاد أن يتوقف، وصرت أصرخ باسم ابني حمزة، وهو طفلي الوحيد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره. في البداية لم نتمكن من مغادرة المنزل كوننا لا نملك سيارة، فبقينا عالقين نسمع أصوات الصواريخ، وابني ينبطح أرضاً اعتقاداً منه أنه سينجو بذلك، لكن الرعب لم يفارقنا، إلى أن نجحت اتصالاتنا بالعثور على سائق وافق أن يقلّنا تحت القصف".
افترش الآلاف من النازحين الخط الساحلي في العاصمة بيروت
قضت نسرين وعائلتها ليلة الجمعة على كورنيش عين المريسة، وغفا طفلها حمزة على الأرض، واستفاق على أشعة الشمس صباحاً، فما كان منها إلا أن قصدت كلية الإعلام، علّ وطأة النزوح تكون أرحم. تقول: "لا يمكنني العودة إلى منزلي، فهو لم يعد آمناً، والدولة غائبة كليّاً عن أحوالنا، فلا مساعدات ولا فرش ولا طعام. ما زلنا تائهين، ولا نعرف إلى أين نذهب، وأين سننام هذه الليلة، وليس أمامنا سوى مواصلة الدعاء باستقرار الأوضاع. نريد الأمن والسلام لا أكثر، فالشعب اللبناني يستحق الحياة".
كان علي قعون، الأب لثلاثة أولاد، في الدوام بمطار رفيق الحريري الدولي عندما وقعت الغارات العنيفة على الضاحية الجنوبية، فهرع إلى إنقاذ عائلته المقيمة في منطقة حي السلم، رفقة زميله على دراجة نارية. يقول لـ"العربي الجديد": "عدت إلى المنزل، وحملت أفراد أسرتي في السيارة، وتحركنا باتجاه منطقة الروشة، ثم إلى كلية التربية التابعة للجامعة اللبنانية في منطقة الأونيسكو. فرشنا الأرض بأغطية كانت معي في السيارة، لكننا لم نستطع النوم، وأولادي لا يمكنهم نسيان ما جرى، وأتمنى أن تتوقف الحرب سريعاً كي نعود إلى بيوتنا".
بدورها، تتحسر إكرام زعيتر على حال والدتها وخالتها المسنّتين اللتين تعانيان أمراضاً مزمنة. وتقول: "نزحنا من بيتنا في منطقة حي السلم إلى كورنيش الروشة، وقد نسينا الأدوية، ولم نحمل معنا المال أو الطعام، قضينا الليل على الرصيف، ولا نعرف شيئاً عن بقية أفراد عائلتي، فقد انطفأ هاتفي بعد أن فرغت بطاريته".
نزح العشريني محمد شرارة رفقة عائلته من الضاحية الجنوبية، ويقول: "كنت في المنزل لحظة وقوع الغارات، وشعرت أن الدنيا تهتزّ من حولي، وعندما هدّدت إسرائيل بإخلاء المنازل، غادرنا وسط مشاهد الدمار والموت والرعب، ولم يتوقف شقيقي الصغير عن البكاء. قصدنا بداية منطقة الحمراء، ولم نجد أي مكان شاغر، فقد اكتظت كل الأماكن العامة بالنازحين، وانتهى بنا المطاف في كلية التربية بعد منتصف الليل، ولم تغمض لنا عين حتى الساعة، فمنازلنا تدمرت، وأصبحنا مشرّدين".
تقف الخمسينية هدى طعمة في ملعب كلية التربية، والدموع في عينيها، وهي التي نزحت للمرة الثانية، لكنها هذه المرة نسيت أدوية السكري والضغط. تقول لـ"العربي الجديد": "نزحتُ بداية من بلدة كونين (جنوب) إلى الضاحية الجنوبية، وليلة أمس هرعتُ إلى كلية التربية رفقة إخوتي وأطفالهم، بعد أن جلنا على أكثر من مدرسة في بيروت، ولم نجد مكاناً لنا، كما لم نحظَ ببيت أو شقة تؤوينا. غفونا بصعوبة على الأرض، لكن أصوات القصف لم تفارق مخيّلتي، كما انتابني القلق على أولاد أخي وأطفالهم الذين هربوا من الضاحية الجنوبية إلى مدينة الشويفات، والتي قُصفت بدورها".
فقدت الشابة ماريانا كساب وعيها على إثر الغارات العنيفة على الضاحية الجنوبية، وتقول لـ"العربي الجديد": "كنت جالسة مع أهلي وخالاتي في منزلنا على طريق المطار، قبل أن يدوّي صوت قوي، فهرعنا بثيابنا إلى الشارع على وقع الصراخ والبكاء والدخان الكثيف، فأصبت بانهيار عصبي وفقدت الوعي. بعد إفاقتي توجهنا إلى إحدى مدارس بيروت، لكننا لم نجد مكاناً، فحاولنا العودة إلى الضاحية، لكن الضربات والغارات لم تتوقف، فسارعنا إلى الكورنيش البحري. لم ننم منذ ليل الجمعة، ولم نتناول حتى كسرة خبز، ووضعنا صعب جدّاً، نفسيّاً ومعنويّاً". كما نزح الأربعيني حسين من منطقة بئر حسن، ويسرد كيف قضى ليلته مع أطفاله الثلاثة داخل السيارة في بيروت، وسط صراخ الصغار وخوفهم الشديد".
من جانبها، تفترش اللاجئة السورية فاطمة نحاس، الأرض رفقة زوجها وولديها، وتحكي كيف نزحوا من منطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية سيراً على الأقدام. تقول لـ"العربي الجديد": "حظينا بفاعل خير أقلّنا إلى كورنيش الرملة البيضاء، وما زلنا من دون مأوى ولا طعام ولا مياه ولا مال، وننتظر الفرج في العراء".
بدورها، تستعد اللاجئة الفلسطينية المقيمة بمخيم برج البراجنة، لما خليل، للمغادرة باتجاه سورية، رفقة طفليها وبقية أفراد عائلتها، وكانوا ينتظرون على كورنيش عين المريسة وصول الحافلة المقرر أن تقلّهم إلى دمشق. لم تخف خليل خشيتها من أن يقضوا ليلة أخرى على الرصيف، في حال لم يجرؤ السائق على المجيء بسبب الأوضاع الأمنية المقلقة، وتصف ليلة الجمعة بأنها "ليلة رعب بامتياز".