"مصالحة" أجيال الشمال السوري مع التعليم

17 اغسطس 2022
واقع مأساوي للتعليم في الشمال السوري (كرم المصري/ Getty)
+ الخط -

سلّط إحصاء أصدره فريق "منسقو استجابة سورية" في 5 أغسطس/آب الجاري، الضوء على واقع التعليم في منطقة الشمال السوري الخاضعة لسيطرة المعارضة. وكشف أن 930 مخيماً لا تحتوي على مراكز تعليم، وعدم تلقي 193.843 طالباً التعليم في المنطقة، وتسرّب 36.848 طالباً من الدراسة في المخيمات، ما يعكس الواقع المأساوي للتعليم في المنطقة التي يعاني سكانها من الفقر، ويعيشون أزمات وتهديدات مختلفة.
يؤكد المدّرس عبد الرزاق ماضي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الفقر سبب رئيس لانقطاع الطلاب عن التعليم وتسرّبهم، خاصة أولئك الذين يقيمون في المخيمات. وقد أفضت الأوضاع الاقتصادية السيئة للسكان وتردي المستوى المعيشي إلى حالات انقطاع وتسرّب كثيرة خاصة للطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و18 عاماً. وفعل أطفال ذلك من أجل إعالة ذويهم، وآخرون بسبب كلفة المراحل الثانوية والإعدادية البالغة نحو 500 دولار خلال شهور الدراسة، علماً أن كلفة بعض المدارس الخاصة تصل إلى نحو 900 دولار. لقد استنزفت قدرات الأهالي الذين لم يعد لديهم القدرة على إلحاق أطفالهم بالمدارس. وبالنسبة إلى المدارس العامة فشهدت حالات تسرّب وعزوف لمدرسين عن التعليم بسبب انقطاع الدعم، وتحوّلت غالبيتها إلى فرصة لحصول الطالب على بطاقة امتحان لا أكثر".
يتابع: "تخلق المنظمات المعنية بشؤون التعليم والتي تدعم فقط الدراسة في مرحلتي رياض الأطفال والابتدائية مشاكل إضافية، علماً أن التعليم الخاص بالمرحلتين الإعدادية والثانوية لا يمنح إلا دعماً شحيحاً جداً، والذي يصبح معدوماً في بعض المناطق، خاصة المخيمات التي يتسبب أيضاً وجودها الكثيف في أماكن بعيدة في مشاكل". 

طلاب وشباب
التحديثات الحية

ويعلّق ماضي على الوضع التعليمي الحالي بالقول: "لا يسير نحو الانهيار، لكن لا بدّ من إعادة تأهيله من خلال خطوات عدة، بينها تعزيز خدمات مبادرة مسارات التي ساهمت العام الماضي في تعليم نحو 2300 طالب، ووفرت خدمات لطلاب عبر المنصات الإلكترونية". 
وأشار إلى وجود حلول لتقليل التكاليف التي تعيق الحصول على التعليم، منها إيصال العلم من دون أجور وتعب، حتى لو وصل إلى نسبة قليلة من الطلاب، ما يساهم في القضاء على الجهل. 
ويصف مبادرة "مسارات" بأنها نموذج ناجح في قطاع التعليم بعدما ساهمت في تخرّج أكثر من 5 آلاف طالب، من خلال 15 مدرساً فقط. "فالمبادرة جمعت بين 300 أو 400 طالب في الحصة الدراسية الواحدة، وقد استخدمت التعليم عن بعد في شكل جيد، وأخضعته لتطوير دائم واكب الأساليب العالمية المعتمدة في الدول العربية والأوروبية. ويظل تعزيز التقنيات والأساليب هو الحل المثالي لمنع انهيار قطاع التعليم في إدلب تحديداً، والشمال السوري عموماً".

الصورة
تدعم منظمات التعليم في مرحلتي رياض الأطفال والابتدائية (محمد سعيد/ الأناضول)
تدعم منظمات فقط التعليم في مرحلتي رياض الأطفال والابتدائية (محمد سعيد/ الأناضول)

ويشير إلى أن "مبادرة مسارات تهدف إلى الوصول إلى 10 آلاف طالب، علماً أنها سجلت 9500 طالب في الصفين التاسع والبكالوريا، وسبب سعينا لهذا الرقم هو سهولة الوصول إلى المعرفة بمجرد وجود إنترنت وهاتف محمول. وسنبدأ التدقيق في قدرات الطلاب تمهيداً لإدخالهم في الصفوف الإلكترونية مع بداية العام الدراسي المقبل، كما نستهدف الفئات الأكثر تضرراً في المجتمع والمقيمين في المخيمات والمنقطعين عن التعليم وكبار السن، إضافة إلى الأطفال الأيتام الذين يقيمون في المخيمات، وتحديداً العشوائية التي يصعب الوصول إلى مدارس فيها خاصة في كلي وخربة الجوز".
وتستهدف مبادرة "مسارات" أيضاً المنخرطين في سوق العمل ويملكون رغبة في الحصول على تعليم "وقد حاولنا البحث عن هؤلاء تمهيداً لخدمتهم عن طريق ملء بيانات خاصة بهم، في خطوة ستستمر حتى نهاية سبتمبر/ أيلول المقبل، وكذلك إلى ذوي الاحتياجات الخاصة الذين نحاول أن نضع التعليم بين أيدهم بمجرد توفر الإنترنت لديهم والهاتف المحمول. ولا بدّ من الإشارة إلى أن جميع العاملين في المبادرة متطوعون يقيمون داخل سورية وخارجها، ويبذلون قصارى جهدهم لسدّ الفجوة التي أثرّت على التعليم، والمتمثلة في نقص الدعم الذي تسبب في عزوف 5 آلاف مدرس عن التعليم في إدلب".

ويتحدث مدير الامتحانات العامة في وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة فيصل قاضي لـ"العربي الجديد" عن أسباب غياب مراكز التعليم في المخيمات، ويعزوها إلى "قلة دعم التعليم الذي يكاد أن يكون شبه معدوم في بعض المناطق، خاصة تلك القريبة من نقاط التماس، وينعدم فيها الأمان، وواقع الاعتماد على المنظمات في شكل أساسي لدعم التعليم في حين أنها غير قادرة على تغطية العملية التعليمية بالكامل. ويضاف إلى ذلك نقص أعداد الكتاب المدرسي، وعدم وجود منشآت مدرسية كافية، بعد قصف عدد لا بأس به منها".
يتابع: "يجري العمل حالياً على إعادة الطلاب المتسربين من خلال تنفيذ الوزارة خطة لبناء 20 مدرسة في المخيمات التي لا يوجد فيها مدارس، والاستعداد لإطلاق مشروع المدرسة الإلكترونية بعد الانتهاء من امتحانات العام الحالي".

المساهمون