يوماً بعد يوم، يتأزم الوضع الصحي في مواجهة وباء فيروس كورونا الجديد في تونس، في ظلّ ارتفاع عدد الإصابات الذي تجاوز 400 ألف منذ ظهور الجائحة مطلع 2020، وظهور أكثر من متحوّر في بعض المناطق، ومن بينها متحوّر "دلتا" الذي زاد الوضع سوءاً في الفترة الأخيرة، بسبب سرعة انتشاره. يترافق ذلك مع تساهل كبير في تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي، سواء لدى المواطنين أو الإدارات الحكومية، التي اكتفت خلال الأشهر الأخيرة بفرض حظر تجول ليلي. أما عمليات التلقيح فتحصل ببطء شديد.
وتشهد غالبية مستشفيات تونس حالياً اكتظاظاً وارتفاعاً كبيراً في عدد الوافدين إلى أقسام علاج كورونا، وتلك الخاصة بالإنعاش التي تعاني من نقص كبير في عدد الأسرّة وأجهزة الأوكسجين التي تتناسب مع احتياجات المرضى، ما أجبر السلطات على فرض حجر صحي شامل في بعض المحافظات والمديريات لمحاولة الحد من انتشار الفيروس.
ودعت اللجنة العلمية، التي تُقدّم اقتراحات إلى الحكومة بشأن أساليب مكافحة كورونا، إلى تشديد إجراءات الوقاية، وبينها زيادة ساعات حظر التجول الليلي، وتنفيذ إغلاق شامل في محافظات يتسارع فيها انتشار الوباء، وتجميد كلّ النشاطات الرياضية والسياسية والثقافية "لأنّ وضع الوباء بات كارثياً لدرجة يمكن القول إنّ تسونامي خاصاً بكورونا يضرب تونس، مع الارتفاع الكبير في عدد الإصابات وامتلاء أقسام الإنعاش، إضافة إلى ارتفاع عدد الفحوص الموجبة اليومية بنحو 37 في المائة، وتجاوز عدد الوفيات المائة يومياً".
وفرضت السلطات حظر تجول شاملاً لمدة أسبوع في ست محافظات، هي سليانة والكاف والقيروان وجندوبة وبنزرت وسوسة، بعدما تجاوز معدل العدوى فيها ألف إصابة لكلّ 100 ألف شخص خلال الأسبوعين الأخيرين، خصوصاً في مديريات محافظة المنستير، التي سبقت الجميع في إقرار حظر التجول الأسبوع قبل الماضي، في حين أنّ النسبة القصوى محددة بـ400 إصابة لكل 100 ألف شخص. وطبق قرار منع الدخول والخروج من محافظات تونس الكبرى، وهي بن عروس ومنوبة وتونس وأريانة، مع فرض حظر تجول كامل فيها نهاية كلّ أسبوع.
وقد عقدت رئاسة الجمهورية أكثر من اجتماع طارئ لبحث الأزمة الصحية مع رئيس الحكومة هشام المشيشي وقيادات عسكرية ومسؤولين في قطاع الصحة، قبل أن يتخذ مجلس الوزراء مجموعة قرارات لتلبية الاحتياجات العاجلة لمواجهة فيروس كورونا، بينها صرف اعتماد عاجل وإضافي من ميزانية الدولة قيمته 100 مليون دولار، لتمويل شراء القطاع الصحي العام تجهيزات وأدوات طبية ومواد استهلاكية، وترخيص 840 عقداً إضافياً لإنشاء مستشفيات ميدانية، وتوقيع صفقة لجلب ألف جهاز أوكسجين، وأخرى للتزود بـ3.5 ملايين جرعة من لقاح "جونسون أند جونسون" الأميركي الذي يعطى بجرعة واحدة، خارج إطار منظومة "كوفاكس" التي تخضع لإشراف منظمة الصحة العالمية.
يشير طبيب في مستشفى "شارل نيكول" بتونس العاصمة، لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ وضع المستشفى صعب جداً مثل مستشفيات أخرى في العاصمة وباقي المحافظات، بسبب عدم القدرة على التعامل مع عدد المرضى الوافدين الكبير جداً، والذين يحتاجون في الوقت ذاته إلى إنعاش وأسرّة مجهزة بأجهزة أوكسجين، علماً أن لا قدرة لغالبية مستشفيات العاصمة على استيعاب أيّ مريض حالياً". يضيف: "توقعنا حصول انفراج في الوضع الصحي مع مطلع الصيف، لكنّ وصول المتحوّر دلتا فاقم الوضع خلال وقت قصير، مع تسارع انتشار الوباء. كما تأثر القطاع الخاص بعدم فرض السلطات حجراً صحياً شاملاً، بسبب المخاوف من الاحتجاجات والأزمة الاقتصادية. وتوقع الطبيب أن "يرتفع عدد الإصابات في الأيام المقبلة بتأثير عدم تقيّد الناس بالتباعد الاجتماعي، وعدم التزامهم بالكمامات، وفي ظلّ نقص أجهزة الأوكسجين في المستشفيات لن نستطيع إسعاف الجميع".
في المقابل، ظهرت مبادرات عدة من مكونات المجتمع المدني وأخرى فردية لجلب أجهزة أوكسجين وتوزيعها على مستشفيات ومراكز صحية، ومرضى في بيوتهم. كما وُجهت نداءات عبر مواقع التواصل للبحث عن متبرعين بأموال لشراء أجهزة أوكسجين ومنحها لمرضى. يتحدث الناشط في منظمة الهلال الأحمر التونسي عبد الرحمن بالضياف، لـ"العربي الجديد"، عن تجنيد كلّ فروع المنظمة خلال الفترة الأخيرة للمساعدة في مكافحة أزمة انتشار الوباء، وتكثيف البحث عن أجهزة أوكسجين وفرّها فعلاً بعض المتطوعين وجرى توزيعها على مراكز صحية، علماً أنّ نسبة المرضى الذين يحتاجون إلى أوكسجين تناهز 80 في المائة، ما يعني أنّ غالبيتهم مهددة بالموت في أيّ لحظة".
من جهته، يشير سيف الدين، وهو أحد المتطوعين لجمع تبرعات لعلاج مرضى كورونا، إلى تلقي اتصالات كثيرة من باحثين عن أجهزة أوكسجين، في ظلّ اكتظاظ المستشفيات ونقص الأجهزة في غالبيتها. ووفرّ متطوعون أموالاً جعلتنا نؤمن جهازين يومياً جرى توزيعها على مرضى، علماً أنّ الموجة السابقة من الفيروس شهدت اتصالات أكثر كثافة بسبب ارتفاع عدد المصابين".
ونظراً إلى اكتظاظ معظم المستشفيات، تضطر كوادر طبية إلى تأجيل العمليات الجراحية غير المستعجلة، مع تأجيل مواعيد لمرضى، خصوصاً أنّ أقساماً كثيرة تجنّدت لمعالجة المصابين بكورونا.