عجزت المنظمات الدولية العاملة في اليمن عن معرفة أي تفاصيل عن الحريق المروع الذي نشب في مركز احتجاز لمئات المهاجرين الأفارقة بصنعاء، وذلك بعد فرض السلطات الحوثية طوقاً أمنياً صارماً على مسرح الحادثة أو المرافق الصحية التي نُقل إليها مئات الجرحى.
ومساء الأحد الماضي، شبّ حريق غامض في مركز احتجاز يديره الحوثيون في صنعاء، وكان يكتظ بداخله نحو 900 مهاجر أفريقي، غالبيتهم من الجنسية الإثيوبية، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة.
وأعلنت المنظمة الدولية بعد ساعات من الحادثة مصرع مهاجرين وإصابة 170، وقالت إن 90 بالمائة منهم يعانون من إصابات خطيرة، وطوال 24 ساعة ماضية عجزت منظمة الهجرة عن تحديث الأرقام جراء التكتم الحوثي والتشديدات الأمنية العالية.
وعادت منظمة الهجرة اليوم في بيان جديد دعت فيه إلى إتاحة الوصول العاجل لتقديم المساعدات الإنسانية للمهاجرين المصابين جراء الحريق، وكذا إطلاق سراح جميع المهاجرين المحتجزين في البلاد، وتجديد التزام توفير خيارات تنقّل آمنة ومُنظَّمة للمهاجرين.
ووفق بيان المنظمة الدولية، "كان موظفو المنظمة الدولية للهجرة موجودين في الموقع عندما اندلع الحريق في هنغار مجاور للمبنى الرئيسي. وفي أثناء نشوب الحريق، كان هناك قرابة 900 مهاجر، معظمهم من الإثيوبيين، في مرفق الاحتجاز المكتظ. وكانت منطقة الهنغار تضم أكثر من 350 مهاجراً".
وأوضحت المنظمة أنها "نشرت على الفور فرقها من العاملين الصحيين وسيارات الإسعاف، وأكثر من 23,000 مادة من المواد الطبية التي شملت السوائل الوريدية، ومواد علاج الجروح والإصابات، وغيرها من المستلزمات، وإرسلتها إلى المرافق والمستشفيات الرئيسية لتقديم المساعدات العاجلة المنقذة للحياة إلى جانب وزارة الصحة العامة والسكان".
وحاول عدد من المنظمات المعنية بشؤون المهاجرين، خلال الـ24 ساعة الماضية، إقناع الحوثيين بتمكينها من معاينة مسرح الكارثة، لكنها قوبلت برفض تام من قبل السلطات الأمنية، وهو ما جعلها تكتفي بإرسال المستلزمات الطبية الإسعافية إلى المرافق الصحية.
وقال مصدر أممي، طلب عدم الكشف عن هويته، لكونه غير مخوّل بالحديث لوسائل الإعلام، لـ"العربي الجديد" إن المؤشرات تؤكد وقوع حادث مأساوي، وإن "عدد الضحايا قد يتجاوز 200 على أقل تقدير".
وأضاف المصدر: "كان هناك عدد كبير من اللاجئين محتجزين في غرفة واحدة، ولم يكن أمامهم أي مكان للفرار عند نشوب الحريق. لذلك، كانت الخسائر فادحة في مكان يوجد داخله المئات "
معلومات تفيد بقيام السلطات الحوثية بدفن غالبية الجثث المتفحمة أمس الإثنين بشكل جماعي
ووفقاً لمصادر متطابقة، مُنعَت المنظمات الأممية من النزول إلى مكان الحادث الواقع في مصلحة الحجرة والجوازات بشارع خولان لمعاينة الأضرار، أو اللقاء بأيٍّ من المصابين أو الناجين لسماع أقوالهم في أسباب الحادثة.
وتداول ناشطون يمنيون، أمس الاثنين، لقطات مصورة مروعة نشرتها وسائل إعلام إثيوبية، وأظهرت مسرح الحريق وهو ممتلئ بالجثث المتفحمة.
ومن المرجح أن أحد المهاجرين كان قد تمكن من التقاطها عبر هاتف محمول قبل وصول قوات مكافحة الشغب الحوثية التي فرضت بعد ذلك تشديدات أمنية صارمة على الموقع ومنعت التقاط أي صور، كذلك فرضت طوقاً على قسم الحريق في المستشفى الجمهوري وعدد من المرافق الصحية، ومنعت اللقاء بأي مصاب، حسب مصدر خاص لـ"العربي الجديد".
وأشار المصدر إلى أن توجيهات عليا صدرت بتكليف قوات مكافحة الشغب فقط تولي مسؤولية ملف الحريق الغامض، حيث مُنعت سلطات أمنية أصغر، بما فيها قسم الشرطة القريب من التدخل الذي وقع الحادث في نطاق اختصاصه، من معاينة الأضرار أو الحصول على أية معلومات.
وأشار مصدر على اطلاع بالواقعة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن هناك معلومات عن دفن السلطات الحوثية غالبية الجثث المتفحمة أمس الاثنين بشكل جماعي، لافتاً إلى أن السبب وراء ذلك قد يكون " إخفاء الرقم الحقيقي لعدد القتلى".
وألمحت المنظمة الدولية للهجرة في بيانها الأخير، إلى شيء من هذا القبيل، عندما قالت إن "مجتمع المهاجرين في صنعاء يحتاج إلى أن يُتاح لهم مجال لرثاء مفقوديهم بشكل لائق ودفنهم بطريقة كريمة".
وبعد مرور أكثر من 24 ساعة على وقوع الحادثة، لا يزال سبب الحريق غامضاً جراء التعتيم الحوثي.
ويشير الارتباك والتعتيم الحوثي ومحاولة طمس ملامح الجريمة وإخفاء السجلات الرسمية عن المنظمات الدولية، إلى إمكانية ضلوع سلطاتها في حادث متعمد، أو نشوب أحداث شغب داخل مكان الاحتجاز، وخصوصاً إذا ما كان المحتجزون يطالبون بالإفراج عنهم من أماكن غير ملائمة وإعادتهم إلى بلدهم، وذلك بدليل إسناد الحوثيين مهام الحماية لقوات من مكافحة الشغب.
وتواجه جماعة الحوثيين اتهامات باحتجاز مئات المهاجرين الأفارقة في أماكن غير ملائمة بالعاصمة صنعاء وعدد من مناطق نفوذها. ويقول ناشطون يمنيون إن سلطات الجماعة، تُجبر عدداً منهم على التوجه إلى جبهات الحرب والقتال ضمن صفوفها ضد القوات الحكومية، لكن البعض منهم يرفضون، وهو ما يجعلهم عرضة للتعذيب.
وأقرت وزارة الداخلية الحوثية في بيان صحافي أمس الاثنين، بأنها وفرت مركز إيواء مؤقتاً هو مكتظ بالمهاجرين، وحمّلت المنظمة الدولية للهجرة المسؤولية الكاملة للحادث، لأنها لم توفر لهم ملاجئ خاصة، وأشارت إلى أن التحقيقات ما زالت جارية لمعرفة أسباب الحريق.