"الطوطم" و"الفابولا"

23 مارس 2022
وليمة "طوطم" لحماية عشيرة في كينيا (طوني كارومبا/ فرانس برس)
+ الخط -

"الفابولا" أو القصة على لسان الحيوان حكاية ذات مغزى خُلُقي وتعليمي ترمي إلى تهذيب الأخلاق وتقويم السلوك، ونشر الآداب الراقية بأسلوب مؤثر وشيّق، وترتبط دائماً بالأساطير التي تفسّر الظواهر الطبيعية، وتعرض بعض تقاليد المجتمعات في طورها الأول القديم، مع اختلاف أصولها ومنابتها، تماماً مثلما يختلف البعض على وجود "الطوطمية"، وهي الديانة المركبة من الأفكار والرموز والطقوس، في العالم. لكنّ الأمرين يؤكدان الاتصال الوثيق بين الحيوان والإنسان.

تورد الدكتورة ليلى حسن سعد الدين في دراسة مميّزة أجرتها حول كتاب "كليلة ودمنة" عام 1989 أنّ "الخرافة أو الفابولا هي عند العرب كما الهند من بقايا الطوطمية، حين كان يرتبط الإنسان بالحيوان ارتباطاً يشبه ارتباطه بالجماد الذي أضفى عليه الحياة في مرحلة مبكرة. وتشير أسماء بعض القبائل إلى ذلك، فنجد كلب وكُليب وكلاب ونمير، وأسماء ليث وأسد...".
تعتمد "الطوطمية" على العلاقة بين جماعة إنسانية وموضوع طبيعي يسمى "الطوطم" الذي قد يكون حيواناً أو طائراً أو نباتاً، أو ظاهرة طبيعية. و"الطوطم" لدى الأفارقة لا يمثله حيوان معيّن، فهو الأب والروح التي تحمي العشيرة. ويقال إنّ "الطوطمية" لم تدخل قواميس الأنثروبولوجيين إلّا عام 1870 عبر العالم الاسكتلندي ج. مكلينين الذي أكد أنّها كانت موجودة لدى عرب الجاهلية، وخلعها فرويد على حيوان ألبسه روح أبنائه الذين قتلوه فأقاموا له الطقوس لتهدئة وطأة شعورهم بالذنب، وتكريم روح أبيهم المغدور. ومنذ ذلك الحين ظهرت وليمة "الطوطمية" التي تقدم فيها قرابين وأضحية حيوانية ونباتية.
و"الطوطم" هو أيّ كيان يمثل دور الرمز للقبيلة، ويُقدّس باعتباره المؤسس أو الحامي. أما الكلمة فمشتقة من لغة "الأبجوا" الأميركية الأصلية، وتنسب إلى أحد أجداد الشامان، إذ يُكلّف طبيب القبيلة وساحرها تنمية العلاقة بين الأفراد و"الطوطم". 

موقف
التحديثات الحية

وذكر الدكتور الطاهر عبد الجليل صاحب "أصنام المجتمع" أنّ بعض الشعوب الأفريقية ما زالت تمارس التقرّب إلى الطوطم لإرضائه، وإبعاد الشرّ عن القبيلة. وفي بعض المناسبات يرتدي الناس جلود حيوان "الطوطم" ويوشمون جلودهم بصورته للتبرك به، ومحاولة الحصول على حمايته.
وتؤكد مظاهر كثيرة عمق الارتباط بالحيوان، والاعتراف بدوره في الحياة الاجتماعية القديمة والحديثة. وتكشف تسميات المنتخبات الأفريقية لكرة القدم عن الأمر، إذ تجد الأفيال العاجية والأسود غير المروضة الكاميرونية، وصقور الجديان السودانية، والخيول البوركينية، والحمير الوحشية البوتسوانية، وطيور الخطاف البوروندية، ونسور قرطاج التونسية، والأسود المغربية... ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية ديفيد كيكانا أنّ "الأفارقة يحبون تمييز الأشياء عبر إطلاق أسماء تعني الكثير للمجتمع، وتكون عادة جزءاً من التراث أو البيئة أو الفولكلور". 
(متخصّص في شؤون البيئة)

المساهمون