تنخرط مجموعات شبابية في مدن جزائرية عدّة في مبادرة بيئي لإعادة تشجير الطرقات والمساحات التي يتراجع الأخضر فيها، إسهاماً منها في حماية البيئة ومنح المدن الجزائرية طابعاً جمالياً وحماية الطرقات من الانزلاق وتثبيت الرمال في المناطق الصحراوية. وينشط الجزائريون المعنيون تحت عنوانَين "الجزائر الخضراء" وكذلك "الطريق الأخضر"، والهدف غرس مليون ونصف مليون شجرة قبل الأوّل من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل تاريخ عيد ثورة الجزائر، كصدقة جارية عن أرواح شهداء الثورة.
في ولاية المسيلة الواقعة شرقي الجزائر، تنفّذ مجموعة من الشباب مبادرة تطوعية تحت اسم "الطريق الأخضر" تقوم على غرس أشجار الفيكس على عدد من الطرقات وعند المحاور في مدينة المسيلة بهدف إعادة إحياء المساحات الخضراء التي كانت تتميّز بها في السابق، وحماية هذه المساحات الخضراء من ناهبي العقارات. وفي المرحلة الأولى، غُرست أكثر من 400 شجرة، وساعدت السلطات هؤلاء الشباب المبادرين، خصوصاً المؤسسة التي تدير مراكز طمر النفايات في الولاية، عبر وضع العمّال وكذلك الآليات في تصرّفهم.
يقول الناشط البيئي أحمد حجاب لـ"العربي الجديد" إنّ "أحد الخبراء في المجال أفادنا بأنّ التشجير في الصيف جيّد بخلاف ما يُروَّج له، شريطة توفير الريّ، فالشجرة تقاوم درجة الحرارة عندما تتوفّر لها المياه. وقد جمعنا المال من أهل الخير لشراء الأشجار، الأمر الذي دفع إلى تحرّك السلطات المحلية ممثلة في مصالح دائرة المسيلة التي أُعجبت بالفكرة، فموّلتنا لإنجاز جزء ثانٍ وثالث. والأمر الرائع في المبادرة هو انخراط الجميع فيها، لا سيّما الشبان والأطفال".
"إذا أردت أن تسمع أصوات العصافير لا تشتر قفصاً بل اغرس شجرة". هذا هو الشعار الذي تبنّته مجموعة من الشباب ضمّت في البداية 20 شخصاً فقط من منطقة قصر البخاري بولاية المدية أقصى شمالي الجزائر. هؤلاء اتفقوا على تنفيذ مشروع غرس أكثر من 100 مليون شجرة على الطرقات الرابطة ما بين مدن الشمال وأقصى الجنوب، والهدف حماية البيئة ومكافحة التصحّر.
وكانت الفكرة قد انطلقت مع مجموعة صغيرة على موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي، لكنّ المشروع توسّع وصار يضمّ اليوم أكثر من ألف شخص من مختلف الولايات الجزائرية جمعتهم وسائل التواصل الاجتماعي التي أسهمت في تقديم الدعم وجمع تبرّعات المواطنين من مختلف الفئات لشراء فسائل الأشجار لغرسها وتحقيق الهدف المرجوّ.
ويوضح منير حنّان، وهو مهندس دولة في الهندسة المعمارية من منطقة قصر البخاري، لـ"العربي الجديد" إنّ "هذه المبادرة بدأت قبل سنتَين بفكرة حملات تشجير في منطقتي، وقد التفّ حولي الأصدقاء وأبناء الحيّ الذي أسكن فيه. وهكذا عرفت الخطوة الأولى استحسان كثيرين، ثمّ راح الأمر ينتشر في مناطق أخرى مثل ولايات عين الدفلى والشلف والبليدة والجلفة وبومرداس وسطيف وقسنطينة". يضيف حنّان أنّ "هذه المبادرة تستهدف استكمال غرس مليون ونصف مليون شجرة من أنواع مختلفة مع مراعاة خصوصية الأراضي والمناطق، وذلك قبل الاحتفالات بعيد الثورة التحريرية الجزائرية في الأوّل من نوفمبر المقبل. وقد اختيرت هذه المناسبة التاريخية لتحفيز المتطوّعين وكصدقة جارية عن أرواح شهدائنا الذين ضحّوا بالنفس والنفيس من أجل أن نعيش في حرية ونعيم".
ثمّ كانت فكرة تشكيل "شريط أخضر" على امتداد طرقات المدن الصحراوية، فكانت حملات على وسائل التواصل الاجتماعي للمساهمة في نشر الوعي البيئي وحثّ المواطنين على مبادرات فردية ذات صلة، للمساعدة في منع زحف الرمال ولإنجاح مشروع "الجزائر الخضراء". وقد انتقل هذا المشروع من حيّزه البيئي الضيّق إلى "مشاريع زراعية كأوقاف" من خلال غرس أشجار مثمرة مثل الزيتون والنخل على أن تذهب عائداتها المادية لدعم الأسر الفقيرة وتمويل حملات خيرية في مناسبات عديدة.
وتشير بيانات رسمية إلى أنّ الجزائر فقدت في السنوات الأخيرة أكثر من 40 في المائة من غطاءها النباتي، وذلك إمّا بسبب الحرائق التي التهمت آلاف الهكتارات من الأراضي الغابية والزراعية، وإمّا بسبب الاستغلال الكبير للأراضي في المجال العقاري فتنامى البناء على حساب الغطاء الأخضر.
وفي هذا السياق، يقول وليد بن عبد الرحمان من منطقة عين التين، الناشط في جمعية "بيئة نظيفة" في ولاية ميلة شمال شرقي الجزائر، لـ"العربي الجديد"، إنّ "غرس الأشجار لا يكفي لاستعادة الأراضي الخضراء ولتجديد الغطاء الغابي"، مشدّداً على ضرورة أن "يترافق التشجير مع تمكين دوائر حكومية عدّة المتطوّعين من تنفيذ مشروعات تفيد البيئة والمناخ وتحسّن الهواء". يضيف بن عبد الرحمان أنّه "تتعيّن على السلطات المساعدة في توفير شتول من أشجار الصنوبر الحلبي والأوكاليبتوس والبندق التي يستفيد منها الجميع، سواءً على المستوى البيئي أو الاقتصادي"، لافتاً إلى أنّ "زحف الإسمنت والعمران على الأراضي الغابية والزراعية من شأنه أن يحاصر مدن عديدة بالتصحّر ونقص المياه".
وتستعين جمعيات بيئية بخبراء في الزراعة والغابات من أجل تحديد المناطق الأكثر صلاحية لغرس الأشجار، لتكون ذات قيمة على مستويات عدّة، منها ما هو اجتماعي إذ إنّ إقبال الشباب على مثل هذه المبادرات يأتي في إطار الوعي والتحلّي بروح المسؤولية، ومنها ما هو اقتصادي فالغطاء النباتي الكثيف يشجّع على فتح مشاريع خاصة بتربية النحل وتقطير الأعشاب الطبية فضلاً عن ترك مساحات لرعي الأغنام وتدوير إنتاج الثورة الحيوانية. بالإضافة إلى ذلك، لا يخلو الأمر من بُعد جمالي، اذ يُعَدّ مشروع "الجزائر الخضراء" باباً لتجميل المحيط وغرس أشجار الزينة مثل ستيكيليا وجاكرندا والخرّوب، إذ تدخل من ضمن المشروع إعادة تزيين واجهة مختلف مداخل الطرقات العابرة للمدن من الشمال إلى الجنوب.
ويرى الخبير الزراعي عز الدين عليوة أنّ "العملية مبنية على أطر علمية وزراعية"، شارحاً لـ"العربي الجديد" أنّ "الأشجار هي مكيّف هواء طبيعي وترطّب الجو وتلطّفه، كذلك تساعد في رفع نسبة هطول الأمطار، وتخفّف من سرعة الرياح إذ تعمل كمصدّات لها". ويتابع عليوة أنّ "المبادرة تعمل على تغيير واجهات المدن التي صارت تقسيمات حمراء بسبب المباني غير المكتملة وزحف الإسمنت"، معبرّاً عن أمله في أن تتحوّل إلى امتداد طبيعي قوامه اللون الأخضر".