قبل أن تنجح البشرية في التخلص من وباء كورونا بنسخته "القديمة"- دلتا، برز تفشي الوباء بنسخة أخرى له متمثلة بالمتحور "أوميكرون". ويبدو أن الاحتمالات مفتوحة على ظهور المزيد من المتحورات في المستقبل القريب، والتي تجهد مراكز الأبحاث العلمية للاستعداد لها، والعمل على إيجاد حلول للقضاء عليها. علماً أن أدوات المواجهة غير متكافئة بين دول العالم المتقدمة وتلك النامية، بدليل أنه في أفريقيا والكثير من الدول الآسيوية لم ترتفع نسبة التلقيح عن 7 في المائة ما يجعل نسبة 93 في المائة من السكان في مهب العاصفة الأكبر والأسرع انتشاراً، ما يحول دون توفر الحد الأدنى من العدالة الصحية في مواجهة موجة الوباء الزاحفة، واستمرار تأثيره على سائر الدول، بما فيها الأكثر جهوزية وتأهيلاً لمواردها البشرية ومقوماتها على صعيد البنية الصحية.
إذن ما زالت المجتمعات البشرية في عين العاصفة، وهو ما يترك تأثيره على سائر المجالات الاقتصادية والاجتماعية والمهنية، ويصيب في الصميم قطاع التعليم بمختلف مراحله ومستويات أدائه. لكن تأثير هذه العاصفة يختلف بين دولة وأخرى لجهة التفاعل مع التحديات التي يطرحها على السلطات والمؤسسات المعنية والمجتمع برمته في هذه المواجهة غير المتكافئة.
والواقع أنه منذ شهر فبراير/ شباط من العام 2019 انطلقت أجراس الإنذار تدق على المستوى العالمي، للتحذير من تزايد تفشي فيروس كورونا الجديد، وتأثيره على مجمل الحياة على سطح الكوكب. لكن في بداية ظهور الوباء لم يكن هناك سوى الصين وعدد قليل من البلدان المتضررة الأخرى، التي تفرض إجراءات صارمة من ضمنها التباعد الاجتماعي من خلال إغلاق المدارس. وبعد أكثر من أسبوعين، أغلق 120 بلداً المدارس، ما أثَّر على نحو مليار طالب في جميع أنحاء العالم رأوا مدارسهم تغلق لفترات زمنية مختلفة. ثم اتسعت دائرة الدول التي طاولها الوباء لتشمل كل دول العالم تقريباً مع استثناءات نادرة، وغادرت أعداد إضافية من التلامذة والطلاب والمعلمين والأساتذة مدارسهم وجامعاتهم وأقامت في منازل الحجر الأسرية.
بالطبع يمكن القول إن هذه الإضافة النوعية التي فرضها تفشي الوباء جاءت على أساس متزعزع، يعاني أصلاً من اختلالات عميقة عديدة. فالتأثير على التعليم كان أكثر تدميراً في البلدان التي تنخفض فيها مخرجات التعلم، وترتفع فيها معدلات التسرب من صفوفه، وتضعف فيها القدرة على الصمود في وجه الصدمات على أنواعها. وبدا أن إغلاق المدارس يمثل حلاً منطقياً لفرض التباعد الاجتماعي داخل المجتمعات المحلية، والمحاذرة من وضع أعداد كبرى من التلامذة والطلاب داخل صفوفهم، ونقلهم العدوى إلى محيطهم العائلي ورفاقهم، باعتبار أنها كانت دوماً حاضنة لإنتشار أنواع متعددة من الفيروسات والميكروبات ونقلها. ودون أن نحصر هذا التوسع في نشر الوباء عليها، اذ يمكن الإشارة إلى أن المطارات والمحطات والملاعب الرياضية وحركة التنقل والانتقال والتبادل العولمي للبشر والبضائع... وكل هذه وسواها عوامل مسرِّعة لتفشي الوباء، وعودته إلى فرض هيمنته على الكرة الأرضية ومن فيها.
ولا شك أن إغلاق المدارس والجامعات لمدد طويلة كما حدث في أنحاء العالم خلال عامين، كانت له نتائجه الفادحة على فئات الطلاب الأكثر تضرراً، خصوصاً أولئك الذين لديهم فرص أقل للتعلم المنزلي لألف سبب وسبب. ومن بينها فقدانهم وسائل الاتصال والتجهيزات الإلكترونية وسلاسة التعامل معها، وثقافة الأهل المتدنية في التعاطي مع التكنولوجيا، وعدم تعود الدراسة عن بُعد. ويضاف إلى ذلك اضطرار ذويهم لمغادرة المنازل إلى العمل، وبقاء أبنائهم وحيدين في المنازل في ظل عدم توافر رعايتهم لفترة طويلة، أو حتى توفير الطعام الكافي، نظراً لشمول الإقفال هذا القطاع كما سواه.
(باحث وأكاديمي)