اتسم التشكيل الوزاري المصري الجديد، برئاسة مصطفى مدبولي، بتصاعد نفوذ جهاز الأمن الوطني، بعد أن جاء رئيس الجهاز الحالي، اللواء محمود توفيق، في منصب وزير الداخلية، خلفاً للواء مجدي عبد الغفار، في حين تولى اللواء محمود شعراوي، رئيس الجهاز السابق منصب وزير التنمية المحلية، خلفاً للواء أبو بكر الجندي.
وتخرج توفيق من كلية الشرطة عام 1982، والتحق بقطاع الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً) بعده بعامين، وترقى في المناصب حتى وصل إلى منصب نائب رئيس جهاز الأمن الوطني، ثم رئيساً للجهاز، ومنه وزيراً للداخلية. وشغل قبل ثورة 25 يناير 2011 منصب نائب مدير إدارة أمن الدولة بمديرية أمن القليوبية، ومنصب نائب مدير قطاع الأمن الوطني بالقاهرة، خلفاً للواء سعيد حجازي.
كما تولى توفيق الإشراف على خطط تأمين المؤتمرات الكبرى، والشخصيات الأجنبية والمهمة خلال زيارتهم لمصر، وتطلق عليه الأذرع الإعلامية الموالية للنظام لقب "ثعلب الداخلية"، بدعوى دهائه في التعامل مع ملفات أمنية متعددة. وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أصدر عبد الغفار قراراً بترقيته رئيساً لجهاز الأمن الوطني على خلفية حادث الواحات.
وبدأ تجهيز توفيق لخلافة عبد الغفار في أعقاب المجزرة، التي أسفرت عن مقتل نحو 20 من قيادات قطاع الأمن الوطني ووزارة الداخلية بمحافظة الجيزة، من ضمن 52 قتيلاً لجهاز الشرطة، على يد إحدى المجموعات المتطرفة التي دخلت مصر عن طريق الحدود الغربية. ويعد توفيق مسؤولاً مباشراً عن عمليات التصفية الجسدية، والإخفاء القسري، التي يشرف عليها "الأمن الوطني" بحق المعارضين.
وصرح المتحدث باسم الرئاسة المصرية، بسام راضي، أن السيسي التقى بعبد الغفار، وأشاد بالجهود "الكبيرة" التي تمت خلال المرحلة الماضية، في إطار تعزيز حالة الأمن والاستقرار، وتوفير الحماية للمواطنين، مؤكداً تقديره للجهود التي وصفها بـ"المخلصة"، والتضحيات التي يقدمها رجال الشرطة من أجل الحفاظ على أمن الوطن. وأعرب كذلك عن تمنياته للوزير الجديد بالتوفيق والنجاح في أداء مهام منصبه.
وكانت مصادر مطلعة قد كشفت لـ"العربي الجديد" في مارس/ آذار الماضي، عن كواليس الإطاحة بعبد الغفار عقب انتهاء "مسرحية الرئاسيات" المنقضية، واستبداله بتوفيق، الذي تولى رئاسة جهاز الأمن الوطني في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2017، عقب عملية الواحات البحرية.
وأفادت المصادر بأن "رصيد عبد الغفار قد نفد داخل الوزارة بعد ثلاث سنوات من العمليات الإرهابية المتكررة، غير أن ملف الانتخابات الرئاسية هو من أبقاه في منصبه، كون أجهزة الوزارة، سواء الأمنية أو المعلوماتية، هي المسؤولة فعلياً عن إدارة المشهد الانتخابي على الأرض، وصناعة حالة الحشد في المؤسسات الحكومية لدفع المواطنين على التصويت للسيسي على غير إرادتهم".
ووفق ما صرّحت المصادر آنذاك، فإن "تغيير عبد الغفار سيكون ضمن تعديل حكومي لن يقل عن عشرة وزراء، بغرض توصيل رسالة للرأي العام في الداخل، بأنه تجديد للدماء داخل بعض الحقائب الوزارية الهامة، وليست إطاحة فردية، أو عقاباً على تقصير أمني"، متابعة "علاوة على كونها رسالة للخارج، في ضوء تصاعد وتيرة الهجوم على مصر مؤخراً، من جراء تردي أوضاع حقوق الإنسان داخل مقار الاحتجاز والسجون".
وبعد ثلاثة أشهر فقط من تولي عبد الغفار لمنصبه، اغتيل النائب العام السابق، هشام بركات، بتفجير سيارة مفخخة في محيط منزله بضاحية "مصر الجديدة"، التي يتواجد بها العديد من المنشآت السيادية، ثم سرعان ما تمكن تنظيم "ولاية سيناء" من تفجير طائرة روسية بوسط سيناء، أسفر عن مقتل 224 شخصاً، وتوقف حركة السياحة الروسية إلى مصر لقرابة الثلاث سنوات.
في المقابل، تخرج وزير التنمية المحلية الجديد، اللواء محمود شعراوي، من كلية الشرطة عام 1980، والتحق مباشرة بقطاع "أمن الدولة"، وتدرج في المناصب حتى أصبح مسؤولاً عن إدارة مكافحة النشاط المتطرف في القطاع، إلى أن نُقل حديثاً إلى قطاع الأمن الاقتصادي في "الأمن الوطني"، وكان ترتيبه الرابع في التسلسل الوظيفي داخل الجهاز، قبل توليه منصب مساعد الوزير لجهاز الأمن الوطني.
وشعراوي هو قائد عملية "عرب شركس"، التي شاركت فيها قوات من الجيش والشرطة في اعتقال بعض المتهمين (ثبت براءتهم فيما بعد) في محافظة القليوبية، بدعوى تورطهم في قتل ضباط، وهو ما مهد لتنفيذ حكم الإعدام على 6 منهم في مايو/أيار 2015، بعد رفض المحكمة العسكرية الطعون المقدمة من دفاعهم، في حين قضت محكمة القضاء الإداري بإعادة فتح باب المرافعة أمام الدفاع بعد تنفيذ حكم إعدامهم.
وكان عددٌ من أعضاء البرلمان قد طالبوا بإقالة الوزير أبو بكر الجندي، الذي تولى حقيبة التنمية المحلية في يناير/ كانون الثاني الماضي، بعد 13 عاماً من توليه رئاسة الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، رداً على توجيهه إهانات متكررة لأعضاء البرلمان، وتصريحه تارة بأن قدوم أبناء الصعيد إلى العاصمة القاهرة وراء انتشار العشوائيات بها، وتارة أخرى بأنه "يلقي توصيات النواب وطلباتهم في الزبالة (القمامة)".
وبحسب رواية سابقة لوكيل لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان، سلامة الجوهري، فإنه توجه إلى مكتب الجندي لإبلاغه عن إسناد وظائف في الحكومة بالأمر المباشر، من دون حصول أصحابها على الدورة التدريبية للمتقدمين للوظائف بأكاديمية "ناصر" العسكرية، مقدماً المستندات التي تفيد ذلك، وهو ما قابله الوزير السابق بالنفي، والقول له بعد خلع حذائه: "أي حد هايقول كده، هاضربه بالجزمة".
يشار إلى أن السيسي شكل حكومتين، وأجرى خمسة تعديلات وزارية، خلال فترة ولايته الأولى، إذ كانت الحكومة الأولى برئاسة إبراهيم محلب في 17 يونيو/حزيران 2014، وضمت 34 وزيراً، إلى أن أجرى محلب تعديلاً محدوداً عليها في 5 مارس/آذار 2015، بتعيين 8 وزراء جدد، كان من أبرزهم عبد الغفار، الذي شهدته فترة ولايته أكبر عدد من العمليات المسلحة ضد ضباط وأفراد الشرطة.
وجاءت الحكومة الثانية في عهد السيسي، برئاسة رئيس الوزراء المستقيل، شريف إسماعيل، في 19 سبتمبر/أيلول 2015، وكانت من أشهر ملامحها دمج وزارة السكان مع الصحة، ووزارة التعليم الفني مع التربية والتعليم، ووزارة البحث العلمي مع التعليم العالي، بينما أجرى إسماعيل 4 تعديلات محدودة على حكومته، من دون التعرض للحقائب السيادية، ممثلة في وزارات الدفاع والداخلية والخارجية.