إدوار فيليب رئيساً للحكومة الفرنسية: إيمانويل ماكرون و"الجمهوريون" بين التفجير والاحتواء
ولكن المعنيين بالأمر غير متفقين على موقف معين من هذا التعيين، فقد رأى فيه البعض لفتة إيجابية يجب دعمها، فيما رأى فيه آخرون محاولة تفجير ما تبقى من وحدة الحزب، وتعميق نزيفه وإفراغه من معظم طاقاته، ثم استدراج ناخبيه إلى تكتل جديد يريده ماكرون لأغلبيته.
وإذا كان فرانسوا باروان، المكلف بإدارة حملة الانتخابات التشريعية، بعد استقالة فرانسوا فيون، لا يزال يُمنّي نفسه بإنجاز كبير لحزبه "الجمهوريون"، أي تحقيق أغلبية برلمانية ترغم ماكرون على التعايُش، وقال باروان بخصوص قبول فيليب تعيينه رئيسا للحكومة الجديدة بأنه "فضّل خيارا ليس خيارَنا" وإن ما يقترحه ماكرون: "هو تفجير (حزب الجمهوريون)، وليس إعادة تشكيل سياسي".
لكن موقف باروان ليس هو الموقف الوحيد والجامع للحزب اليميني، فمباشرة بعد تعيين رئيس الحكومة الجديد، نشر نحو 26 نائبا وقياديا من اليمين والوسط، من أنصار ألان جوبيه وبرونو لومير، بيانا يرون فيه أن من واجب حزبي اليمين (الجمهوريون والاتحاد الديمقراطي المستقل) أن يردا بإيجابية على اليد الممدودة من قبل ماكرون.
ومن بين الذين طالبوا قياداتهم بأن "تكون في مستوى وضعية البلد وانتظارات الفرنسيين، الذين ينتظرون منا، عشية فوز ماكرون، أن نكون على موعد مع الصالح العام"، نجد بونوا أبارو وتيري سولير (الذي تميَّز بموقف إيجابي من ماكرون، حين صرّح: مثل كل جمهوري، أفضّل دائما بلدي على الحزب، ولن أكون في المعارضة لهذه الحكومة، وسأصوّت على كل ما يسير في الاتجاه الصحيح)، وفابيان كيلر وجيرار دارمانين وكريستيان إيستروزي وناتالي كوسيسكو موريزي. في حين أن جان-لويس بورلو، مؤسس حزب "الاتحاد الديمقراطي المستقل"، وعد بنشر بيان تأييد لرئيس الحكومة الجديد.
ويرى هؤلاء النواب اليمينيون، الذين سيكون بعضهم حاضرا في التشكيلة الحكومية التي سيعلن عنها الأربعاء، وخلافاً لموقف الأمين العام لحزب الجمهوريون، برنار أكويير، الذي اعتبر تعيين إدوار فيليب رئيسا للحكومة "قرارا فرديا"، أن "تركيز اليمين على خط سياسي هوياتي ومحافظ، حصريا، سيؤدي إلى حائط مسدود"، وطالبوا بالعودة إلى "حمل قِيَم الحرية والمسؤولية وسلطة الدولة، وأيضا التعلق بأوروبا"، وهو ما يعني أن ثمة قواسم مشتركة مع الرئيس الجديد ماكرون، وبالتالي يجب العمل معه.
والحقيقة أن لا أحد، لحد الآن، يدرك مدى الزلزال الذي سيضرب بيت "الجمهوريون"، نظرا للمستجدات التي لا تتوقف، والتي سيكون لها تأثيرها، فحسب أحدث استطلاع للرأي، يرى 73 في المائة من أنصار ماكرون أن تعيين فيليب رئيسا للحكومة، "شيء جيد"، في حين أن 47 في المائة من المتعاطفين مع حزب "الجمهوريون" يرون الموقف نفسه.
كما عبّر 71 في المائة عن رغبتهم في دخول شخصيات من الوسط في حكومة إدوار فيليب، كما يطالب 63 في المائة بإدخال وزراء من اليمين، ويأمُلُ 62 في المائة رؤية وزراء يساريين في الحكومة الجديدة، ولا يخفي 38 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع خشيتهم من أن يؤدي تعيين إدوار فيليب رئيسا للحكومة إلى إضعاف حزب "الجمهوريون".
ولهذا فإن رؤية وزراء يمينيين في حكومة إدوار فيليب ستزيد من نزيف حزب "الجمهوريون"، وتدفع كثيرا من ناخبيه للتصويت لـ"الأغلبية الرئاسية"، مباشرة، دون المرور بالحزب.
وأخيراً، وهذا ما لا يستطيع أحد الإجابة عنه، ماذا لو أن نوابا جرى انتخابُهُم على لائحة "الجمهوريون" ثم قرروا الاندماج في الأغلبية الرئاسية، كما يتعهد بذلك كثير من الاشتراكيين والاشتراكيين السابقين، كمانويل فالس مثلا؟
وهذا ما يعنيه قرار حركة "الجمهورية، إلى الأمام"، عدم الإعلان عن القائمة الأخيرة من مرشحيها، والتي تتضمن خمسين اسماً، في انتظار صفقة سياسية تعقب الإعلان عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة، تتضمن، بالضرورة، أسماء يمينية فيها. صفقة يتم بموجبها منح التزكية لأسماء قادمة من اليمين، أو سحب مرشحي الحركة من أمامهم حتى يسهل عليهم الفوز، أو وضع مرشحين ضعاف في مواجهتهم، يحتاج فوزهم إلى معجزة.
وكان الرئيس إيمانويل ماكرون وفيليب قد أجلا الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة التي ستكون أهدافها جمع مختلف الأطياف السياسية والتجديد، إلى الأربعاء. وجاء في بيان صادر عن الرئاسة الفرنسية، الثلاثاء، أن ماكرون الذي تعهد الارتقاء "بأخلاقيات الحياة العامة"، "تمنى تخصيص وقت للتحقق" من "الوضع الضريبي" للشخصيات التي ستنضم إلى الحكومة، ومن احتمال وجود "تضارب مصالح".
وأوضح أن أول اجتماع لمجلس الوزراء في ولاية ماكرون سيعقد صباح الخميس وليس الأربعاء. وطوال حملته الرئاسية وعد ماكرون بعرض مشروع قانون يربط بين القيم الأخلاقية والحياة السياسية "قبل الانتخابات التشريعية" في 11 و18 نيسان/إبريل، يشمل خصوصا "منع المحاباة للبرلمانيين الذين لن يتمكنوا من توظيف أي فرد من عائلاتهم". وهذه إشارة مبطنة إلى الفضيحة التي طاولت المرشح اليميني فرنسوا فيون بخصوص قضية وظائف وهمية مفترضة استفادت منها زوجته واثنان من أولاده.