الحوار على الطريقة اللبنانية: الاقتصاد للحريري والأمن لحزب الله

29 نوفمبر 2014
تنازل الحريري عن الكثير من أوراق قوته (فرانس برس)
+ الخط -
أعلن رئيس تيار المستقبل، سعد الحريري، عزمه على السير بحوار سياسي مع حزب الله. قال الحريري في مقابلة تلفزيونيّة إن أجندة هذا الحوار ستوضع مع الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، ولم يلبث أن حدّد هذه العناوين عندما أعلن أنه "جدي في طروحاتي أريد انتخاب رئيس، وأريد أن يقوم الاقتصاد". إذاً، وضع الحريري أجندة الحوار، واستثنى منها كلّ النقاط الخلافية مع حزب الله، مثل سلاحه، ومشاركته في القتال إلى جانب النظام السوري والموقف من المحكمة الدولية وغيرها من العناوين، التي أشعلت البلد منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في فبراير/شباط 2005.

في الشكل، لا يُمكن لأي لبناني أن يكون معارضا لحوار بين المكونات الأساسيّة للبلد. في الشكل أيضاً، يُمكن القول إن هذا الحوار تأخّر كثيراً. كان يجب على "المستقبل" وحزب الله، خوضه منذ انطلاقة الثورة السورية لوضع تصوّر لكيفيّة إدارة البلاد في الحرب المشتعلة في الجوار. تأخّر الحوار، فمُددت ولاية المجلس النيابي، ولم يُنتخب رئيس للجمهوريّة، ولم توضع خطة وطنية لإدارة ملف اللاجئين السوريين.

تأتي الدعوة للحوار اليوم، بعد أن تم دفع ثمن عدم قدرة مكوناته على التلاقي. والأهم من ذلك، يأتي الحريري ليقول للبنانيين أن لا بديل عن الحوار، لكنّه لم يشرح الأسباب التي منعت حصول هذا الحوار مسبقاً، وما هي موجبات حصوله اليوم.
 

قبل إطلالة الحريري، كانت "أجنحة" تيار المستقبل قد اتفقت فيما بينها على أن لا معنى لأي حوار لا يؤدي إلى انتخاب رئيس للجمهوريّة. ترى هذه "الأجنحة" أن حوارا لا يحمل نتائج ملموسة سيكون نكسة لتيار المستقبل. فجمهور "المستقبل" سيرى في الأمر تنازلات إضافية تُقدّم لحزب الله.
في الواقع، إن أي بحث حول الحوار يجب أن ينطلق من المعطيات الموجودة. فالحريري بدأ هذا الحوار عبر تشكيل حكومة الرئيس، تمام سلام، التي تضمّ وزراء لمختلف الكتل السياسيّة من فريقي 8 و14 مارس/آذار، ما عدا حزب القوات اللبنانية. فما هو دور هذه الحكومة، إذا لم تستطع القيام بحوار من هذا النوع؟

إضافة إلى ذلك، فإن هذه الحكومة شهدت إطلاق خطّة أمنية، بالتنسيق والاتفاق مع حزب الله. واستناداً لهذه الخطة وبهدف إنجاحها برر وزير الداخلية، نهاد المشنوق، (تيار المستقبل) مشاركة مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله، وفيق صفا، في أحد اجتماعات رؤساء الأجهزة الأمنيّة في وزارة الداخلية. لاحقاً، خرج المشنوق ليقول إن حزب الله لم يُنفذ الجزء المتعلّق به من هذه الخطة. وقد كرّر الحريري هذا الكلام.

كما أن وزراء تيّار المستقبل يشتكون من أنهم مكبلون في الحكومة، "ونحن لا نستطيع تمرير المشاريع التي نعتقد أنها أساسيّة لتحريك العجلة الاقتصادية في مناطق تنحو باتجاه الإسلاميين المتشددين"، بحسب أحد المسؤولين في تيار المستقبل ممن يُتابعون ملف الحكومة. كذلك هو الأمر بالنسبة لملف الموقوفين الإسلاميين، إذ لا تزال المحاكمات معلّقة، من دون أن ننسى الفشل في إقرار خطة وطنية لإدارة ملف اللاجئين السوريين تتضمن إقامة مخيمات للاجئين، واقتصر الأمر على خطة أمنية، بعدما تخلى وزراء حزب الله عن دعم وزراء المستقبل في وجه تعنّت الوزراء العونيين.

انحصر عمل الحكومة لمواجهة "الإرهاب السني". وفي هذه النقطة، لم يُعطَ المشنوق حتى اللحظة الثمن الذي طلبه في الجلسات الأولى للحكومة، وهو تحويل فرع المعلومات التابع لقوى الأمن الداخلي إلى شعبة. أمّا في ملف رئاسة الجمهورية، فقد خاض الحريري حواراً مطولاً مع رئيس تكتل التغيير والإصلاح، ميشال عون، وصهره الوزير، جبران باسيل، من دون الوصول إلى نتيجة تُذكر في ملف الرئاسة. فما جدوى الحوار مع حزب الله؟ خصوصاً إذا أخذنا في عين الاعتبار أن الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، قال علناً وفي الجلسات المغلقة، إن أي حوار حول الرئاسة يجري مع عون حصراً. وقد سمع كل مَن زار نصرالله هذا الكلام بوضوح. وهنا، تجدر الإشارة إلى ان الحريري يدخل هذا الحوار وقد تخلّى عن أوراق قوته، عبر إعلانه القبول بأي مرشح توافقي (غير سمير جعجع وأمين الجميّل) من دون أن يقبض ثمن هذا التنازل.

إذاً، لماذا يذهب الحريري باتجاه حوار جديد، نتائجه غير واضحة أبداً، وأي فشل له سيُشكّل نكسة لشعبيته المتدهورة أصلاً؟ ألا يرى الحريري ما يراه جمهوره لجهة أن حزب الله أحكم السيطرة على مفاصل البلد؟ ألا يُدرك الحريري أن من شروط نجاح أي حوار، أن يمتلك المتحاورون عوامل قوة؟ وإذا ما أدرك ذلك، ألم ينتبه لكونه لا يملك هذه العوامل، إن سياسياً أم شعبياً، حيث يعيش تياره أسوأ أيامه؟

قد تكون عبارة الحريري في المقابلة التلفزيونيّة: "أريد انتخاب رئيس وأريد ان يقوم الاقتصاد" عبارة مفتاحيّة. يبدو أن الحريري يُريد العودة إلى إدارة اقتصاد البلد وترك الأمن لغيره. في السنتين الماضيتين، أعطى حزب الله شيئاً وحيداً للحريري: المساهمة بضرب هيئة التنسيق النقابية، وعدم إقرار سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام.
المساهمون