"بوليتيكن" الدنماركية: السيسي لا يستطيع إنقاذ السفينة من الغرق

06 أكتوبر 2019
قوة محمد علي كشفه الفساد من الداخل (العربي الجديد)
+ الخط -
أفردت صحيفة "بوليتيكن" الدنماركية مقالا، اليوم الأحد، للحديث عما اعتبرته ظاهرة الفنان والمقاول المصري، محمد علي، في مواجهة نظام عبد الفتاح السيسي، بعدما كشف على امتداد الأسابيع الأخيرة في سلسلة فيديوهات حجم الفساد المستشري في مصر بعد استيلاء السيسي على السلطة، وتوجت بخروج تظاهرات سببت هزة عميقة لأركان النظام المصري.

وقالت "بوليتيكن" إن "آلاف المصريين يتابعون دعوات محمد علي (45 سنة) للاحتجاج ضد رئيس البلد عبد الفتاح السيسي الذي واجه أكبر مظاهرات ضده ورد بحملة اعتقالات هي الأوسع منذ استيلائه على السلطة".
وبعنوان فرعي "حقائق"، أعادت الصحيفة للأذهان أن "السيسي انقلب في 2013 على الرئيس (الراحل) محمد مرسي وأصبح رئيسا للبلد"، مضيفة أن السيسي "وعد الشعب بتحسين الاقتصاد والأمن، وعود لم يتقيد بها، بل على العكس من ذلك فوضع مصر في السنوات الأخيرة ساء أكثر، وأصبح نظامه الأشد قسوة مقارنة بالماضي، حيث يسحق كل معارضة في البلد".
ونقلت "بوليتيكن" أنه "لا توجد شتيمة لم يوجهها محمد علي لرئيس مصر خلال أسابيع"، قائلة "من منفاه الإسباني، انتشر صوت المقاول المصري السابق في الجيش محمد علي كالفيروس في مجتمع مصر، فالرئيس فاسد وينفق موارد الدولة على نفسه وعائلته، من بين الاتهامات، التي تابعها أكثر من مليون إنسان في كل مرة".
"بوليتيكن"، واسعة الانتشار في الدنمارك، شددت على أن "السيسي أخذ الفساد إلى مستوى آخر، وفي فيديو آخر طالب (علي) المصريين بالخروج إلى الشوارع ورفع العلم المصري لإظهار رفضهم للرئيس ورغبتهم في رحيله". ومضت الصحيفة لتذكر بأنه بعد ثلاثة أسابيع من الفيديو الأول "وفي 20 سبتمبر/ أيلول، سار الآلاف عبر شوارع القاهرة والمدن المصرية الكبرى، مزقوا صور السيسي وداسوها، مرددين مطلبهم باستقالته، ومنذ ذلك الحين يتواصل عدد من التظاهرات".
وتناولت "بوليتيكن"، في السياق، وضع الحريات في مصر، موردة أنه "منذ نهاية 2013 جرى تبني قانون يقيد حرية الناس في تنظيم أنفسهم، وأصبح القانون يعرف باسم قانون مناهضة الاحتجاج. ومنذ حينه، وباستثناءات قليلة، لم يكن هناك احتجاجات ملحوظة في مصر، فالمصريون كانوا يخافون مما سيحدث لو تظاهروا ضد نظام يقمعهم".
ولشرح واقع مصر اليوم في عصر السيسي، أوردت الصحيفة تصريحات للمدير السابق لمعهد الحوار الدنماركي -المصري في القاهرة، راسموس بوسروب، الذي يشغل اليوم منصب مدير منظمة "يوروميد" الحقوقية. هذا الأخير قال إنه "حين وصل السيسي إلى السلطة وعد بأمرين: الأمن والتنمية الاقتصادية، وكانت الشكوك قائمة دائما بشأن قدرته على تحويل دفة السفينة ومنعها من الغرق".


وذكرت الصحيفة أنه من بين 100 مليون مواطن، إجمالي عدد سكان مصر، فإن 3 من كل 10 "يعيشون بدولار ونصف الدولار في اليوم. فالسيسي لم يستطع حل أزمة المياه المتفاقمة والبنية التحتية المتداعية، وفوق ذلك قام بقمع جميع المعارضين السياسيين منذ استيلائه على السلطة".
ووصف بوسروب الواقع الذي عاشه المصريون خلال سنوات حكم السيسي بأنه "برميل بارود ينتظر من يدفعه لينفجر"، مضيفا "يبدو أن محمد علي قام بتلك الدفعة، فهو يتحدث مع الناس عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وعن الفساد بين مالكي السلطة. هو يقول إن السيسي على رأس الفساد، وإن الجيش في الواقع مؤسسة جيدة، لكن السيسي يوظف رجاله داخلها للفساد ".
ولم يخفَ على "بوليتيكن" التذكير أيضا بأن محمد علي "ليس شخصا نزيها وبريئا، فخلال 15 سنة تربح الملايين من عقود مع الجيش المصري، وهو يعترف بذلك، لكنه وفي نفس الوقت يتحدث عن أن السيسي شخصيا مدين له بما يقابل لدينا 90 مليون كرونه (15 مليون دولار) ورأى بعينيه تبذير السيسي أموال الشعب".
ونقلت "بوليتيكن" بعض ما جاء في فيديوهات علي بخصوص قيامه ببناء قصور و5 فلل للسيسي في قاعدة عسكرية بالقاهرة، لتؤكد مصداقية علي بالنسبة للمصريين "إنه رجل من داخل الحلقة"، وهو ما يؤكده بوسروب بالقول إنه "صوت قوي لأنه كان واحدا من الفاسدين وهو الآن يقوم بمهمة فضح الفساد، وذلك ما يمنحه مشروعية ومصداقية في الشارع".
إلى ذلك، كشف مقال "بوليتيكن" عن تأثير علي على السيسي شخصيا فقد "أدخله في تخبط عبر وسائل إعلامه الممسك بها بشدة"، موضحا أنها "ربطته بجماعة الإخوان المسلمين، وحين لم ينجح الأمر حاولوا رسم صورة عنه بأنه زير نساء، ولكن حتى تلك لم تنجح، وبالتالي يستمر تأثير محمد علي عبر وسائل التواصل وصناعة هاشتاغات (وسوم) مختلفة تلقى انتشارا ودعما واسعين".


وعن السيسي شخصيا، قالت "بوليتيكن" إنه حاول التصدي بعد 14 سبتمبر/ أيلول الماضي، إثر انتشار الفيديوهات كالفيروس، فقط من خلال قوله "أقسم بالله أن ذلك كذب وافتراء"، ولم يفند مطلقا قصة بناء القصور، بل اعترف بأنه شيد قصورا وأنه سيبني المزيد، قبل أن يقول إن  "القصور ليست لي، بل لمصر".

معتقلات مكتظة

وعن حملات الاعتقالات، وصفت "بوليتيكن" حالة السيسي بأنه "رغم الردود تلك لا يبدو الرئيس مرتاحا ومطمئنا لما يحدث في الوقت الراهن، ففي حين تعاطت وسائل إعلامه بلا مبالاة مع المظاهرات، فإنه يحاول خنق التمرد بإشاعة الخوف. فأثناء وبعد التحركات في الشارع انتشر رجال ملثمون من الشرطة والجيش ليحتلوا أماكن حساسة، وهؤلاء لا يترددون في استخدام القوة المميتة".
وذكرت "بوليتيكن" بحالات الاعتقالات التي شهدتها مصر خلال الأيام السابقة "فحتى الآن، ووفقا لإحصاء منظمة العفو الدولية (أمنستي) أُعتقل 2300 شخص، بينهم 111 قاصرا بين 11 و17 سنة، وهي أكبر حملة اعتقالات جماعية منذ إمساك السيسي بالسلطة". وهي اعتقالات تراها "أمنستي" ممنهجة لسحق أقل إشارة معارضة أو منتقدة لنظامه، وطاولت الاعتقالات حتى من لم يشارك بالاحتجاجات، وهذا يعني أنها رسالة واضحة تقول: إن كل تصرف من أي شخص يعتبر تهديدا لنظام السيسي سيجري سحقه، بحسب بيان "أمنستي" الأربعاء الماضي.

ونقلت الصحيفة عن كبير مستشاري البرامج في مؤسسة "ديغنتي" (كرامة)، جورجيو كاراتشيولو دي برينزا، المتخصص بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، قوله إن ما تقوم به السلطة العسكرية في مصر من اعتقالات هدفه إخافة الناس. هذا الأخير مضى قائلا إن السلطات الأمنية "تقوم باعتقالات وزج في سجون بالأصل مكتظة، وعادة ما نقول إن سجون مصر تعيش كارثة إنسانية، لا تختلف عن مثيلاتها في مناطق الحروب في سورية وليبيا، الناس في هذه المعتقلات يعيشون أمراضا ولا يقدم لهم حتى أقل رعاية بسيطة، ببساطة يتركون للموت".