تونس: الكتلة البرلمانية لـ"النداء" تنتفض... والبكوش خارج المنافسة الحكومية

04 يناير 2015
خلاف حول تعيين البكوش رئيساً للحكومة (فرانس برس)
+ الخط -
لم تتوصّل الهياكل الرسمية لحزب "نداء تونس"، بما فيها الهيئة التأسيسية، إلى حسم أمر مرشح رئاسة الحكومة التونسية، وتسبّبت الخلافات الداخلية في الحزب بتأجيل إعلان القرار الذي تنتظره الساحة السياسية التونسية بشغف كبير وتوتر أكبر إلى آخر لحظة من الآجال الدستورية، صبيحة يوم غد الإثنين. ولم تتمكّن هياكل الحزب من إخفاء أمر الخلافات طويلاً، وبرزت أجواء هذا الوضع نهاية الأسبوع جلية، لتعكس حقيقة الصراع بين موازين القوى داخل "النداء" حول محاور عديدة، أولها إعادة ترتيب البيت بعد خروج الرئيس الجديد الباجي قائد السبسي وعدد من القيادات إلى قصر قرطاج، والبحث عن ملء الشاغر الهام الذي خلّفه هذا الانتقال، وثانيها تموضع مختلف القوى استعداداً للمؤتمر المقبل، بما يعنيه من صراع لخلافة السبسي، وأخيراً الاستحقاق الحكومي الذي لم يعد يحتمل التأجيل، والذي عكس حالة من الاختلاف الواضحة بين فريقين: أحدهما يريد تعيين أحد أعضاء الحزب رئيساً للحكومة، وثانٍ يرى أن مصلحة الحزب تكمن في تعيين شخصية مستقلّة. ولا يتوقف الخلاف الحكومي داخل "النداء" عند هذا الحدّ، فهناك مجموعة من المطالبين بتعيين الأمين العام للحزب الطيب البكوش رئيساً للحكومة، في حين تدعو مجموعة أخرى إلى تعيين أحد غير البكوش ولكن من داخل الحزب أيضاً.

وعلمت "العربي الجديد" أن البكوش أعلن السبت، خلال اجتماع الهيئة التأسيسية، أنه "لم يعد معنياً برئاسة الحكومة"، واضعاً بذلك حدّاً للخلافات الكبيرة التي عاشها الحزب خلال اأايام الماضية، والتي لم تكن مقتصرة على هذا الأمر فقط.

هذه الخلافات دفعت بكتلة "نداء تونس" النيابية إلى عقد اجتماع طارئ أمس، يُستكمل اليوم الأحد في مدينة الحمامات، لتحديد هيكلة الحزب ووضع نظام داخلي للكتلة، يضمن تناسقها، إضافة إلى تحديد موقفها من النظام الداخلي لمجلس النواب من جهة، وحسم المسار الحكومي وتحديد الشخصية التي ستكلّف برئاسة الحكومة المقبلة، وهيكلة التركيبة الوزارية من جهة أخرى.

وتبدو المهام المنوطة بهذا الاجتماع عاجلة وفي غاية الأهمية، وقد تُحدِّد مستقبل هذا الحزب على الصعيد الداخلي، وفي علاقته بشركائه في الحكم وبالساحة السياسية عموماً. وتكشف مصادر من داخل "النداء" لـ"العربي الجديد" أن الكتلة البرلمانية للحزب لم تكن راضية عن تصريح مستشار السبسي الجديد ومدير حملته الانتخابية محسن مرزوق الذي أعلن أن الكتلة تفضّل شخصية مستقلّة لرئاسة الحكومة. ولفت بعض أعضاء الكتلة إلى أن هذا الأمر غير صحيح، وأن هناك اختلافاً حول هذا الموضوع، سيتمّ حسمه خلال الاجتماع. وتؤكد المصادر أن اجتماع الحمامات يأتي "إعلاناً عن الوجود"، وتأكيداً أن "الكتلة ليست مجرد بيادق يديرها الحزب من فوق".

ولم تخفِ بعض المصادر وجود خلاف إضافي حول هوية رئيس الكتلة، وحول طريقة تعيينه، وأن هذا الأمر أحدث تململاً بين النواب. وتعكس كل هذه الاختلافات صراع قوى حقيقياً، يقول أنصار السبسي داخل الحزب إن هناك خيوطاً داخلية تحرّكه بهدف فرض موقفها الحكومي و"استغلال الفرصة التاريخية التي قد لا تتكرّر" لبعض الشخصيات، وخصوصاً أن لهذا الموقف أنصاراً حقيقيين عبّروا عن عدم رضاهم تجاه قرار السبسي بعدم تعيين نواب "النداء" في الحكومة الجديدة، ويساندون بالتالي "حركة التمرّد النيابي"، كما سماها بعض "الندائيين".

وتبدو نهاية الأسبوع حاسمة "ندائياً" ووطنياً، فالمجموعة المجتمعة حالياً في الحمامات تبعث برسالة قوية إلى قيادات الحزب تفرض عدم المرور فوقها في أي قرار يتم اتخاذه، بل لا بدّ من المرور عبرها لمراجعته وتنقيحه وتغييره إذا لزم الأمر، وتريد أن تقطع مع ممارسات فوقية، تعتبر الكتلة النيابية أداة لتنفيذ قرارات رئاسة الحزب. ويهدف اجتماع الحمامات، وفق ما تكشف مصادر من "النداء" لـ"العربي الجديد"، إلى إقرار آليات واضحة تكرّس الديمقراطية داخل الحزب وتحدّد مهام كل مكوّناته، وتضع آليات تضمن المرونة بين الفريق الموجود في قرطاج والفريق الموجود في البرلمان والفريق الحكومي، بما يمنع تكريس العلاقات العمودية داخل الحزب بِكل مكوّناته.

ويأتي رد الفِعل هذا بعد سلسلة القرارات التي اتخذها السبسي بشكل أحادي، كما يبدو، وأهمها تعيين رئيس الكتلة النيابية فاضل عمران، وتعيين محمد الناصر رئيساً بالنيابة للحزب، وتوسعة الهيئة التأسيسية وانضمام نجل السبسي إليها. وتنبع أهمية اجتماع الحمامات أيضاً من ملء الشاغرين اللذين أحدثهما خروج كلّ من رضا بلحاج من منصبه كمدير تنفيذي، ومحسن مرزوق كمكلّف بالعلاقات الخارجية للتفرغ لمهامهما الجديدة في القصر الرئاسي، مع بقائهما في الهيئة التأسيسية للحزب، ما يعني إعادة هيكلة بعض الخطط الكبرى في الحزب.

ويُنتظر أن يخلص اجتماع الحمامات الذي لم يحضره رئيس البرلمان وبعض النواب، ويشارك فيه أكثر من 70 نائباً، إلى إصدار بيان يؤكّد تماسك الحزب من جهة، ولكنه يلمّح إلى مجمل هذه القضايا التي طرحتها الكتلة النيابية بشكل مستقلّ عن الحزب، على الرغم من امتعاض بعض الأطراف داخل "النداء".

المساهمون