أنهت تركيا، أمس الأحد، استحقاقها الانتخابي الرئاسي والبرلماني بعد يوم طويل حفل بمفاجآت ومظاهر عديدة، منها تصدر الرئيس رجب طيب أردوغان الانتخابات الرئاسية، دون النجاح بحسم الاستحقاق من الجولة الأولى، وتحقيق المرشح الرئاسي سنان أوغان تقدماً مفاجئاً ساهم بالتأثير على نتائج الانتخابات، فيما عجزت المعارضة، على الرغم من رص صفوفها، بتحقيق الأغلبية البرلمانية.
وتنافس في الانتخابات الرئاسية كل من الرئيس رجب طيب أردوغان وزعيم المعارضة كمال كلجدار أوغلو والمرشح سنان أوغان، فيما تنافس في البرلمان 24 حزباً، شكل بعضهم 5 تحالفات، و151 مرشحاً مستقلاً. ووفق النتائج غير النهائية، فإن البلاد ستتوجه إلى جولة ثانية بين أردوغان وكلجدار أوغلو في 28 مايو/أيار الحالي، فيما حُسمت الانتخابات البرلمانية لصالح التحالف الجمهوري الذي يضم حزب العدالة والتنمية، والحركة القومية، والرفاه من جديد، والاتحاد الكبير.
ويمكن التوقف عند سبعة علامات فارقة يمكن وصفها حتى بالمفاجئة، جعلت من هذه الجولة الانتخابية مختلفة ربما عن أي انتخابات شهدتها تركيا من قبل.
المشاركة الكثيفة
من البارز في هذه الانتخابات كثافة المشاركة فيها، إذ شهدت صناديق الاقتراع إقبالا غير مسبوق للناخبين تجاوز 90%، وهو ما دفع أردوغان وكلجدار أوغلو للإشادة بالنسبة المرتفعة جدا قياسا بالانتخابات السابقة.
وخلال جولة "العربي الجديد" في مراكز الاقتراع، كانت واضحة خلال يوم الأحد الطوابير الطويلة للناخبين الذين توافدوا منذ الصباح الباكر إلى مراكز الاقتراع. كما ظهرت المشاركة الكثيفة في محاضر الانتخابات، إذ وصلت نسبة المشاركة في بعض المراكز إلى قرابة 98%.
أردوغان يخالف التوقعات
كانت عوامل عديدة تشكك بنجاح أردوغان في تصدّر الانتخابات الرئاسية، منها استطلاعات الرأي التي خلص عدد منها إلى خسارته، مقابل نشاط المعارضة الكبير، وتجمع 6 أحزاب ضمن تحالف الشعب المعارض، والذي حصل أيضاً على دعم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي. وعلى الرغم من أن أردوغان لم يحسم الانتخابات من الجولة الأولى، إلا أن النتائج أظهرت احتفاظه بتفوق الدعم الشعبي.
خيبة كلجدار أوغلو
تعرض زعيم المعارضة رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو لخيبة أمل، على الرغم من نجاحه بالتأهل إلى جولة ثانية من المعركة الرئاسية، إذ فشل في تخطي أردوغان بل وفي الحصول على مزيد من الأصوات قياسا بالانتخابات السابقة. وكان واضحاً أن ما رفع أرقامه هو تحالفه مع الحزب الجيد، وحزب اليسار الأخضر الكردي (الذي يمثل حزب الشعوب الديمقراطي).
وركز كلجدار أوغلو على أن تحالف المعارضة منع أردوغان من الحصول على الأغلبية للفوز، وأنه سيعمل للحصول على الأغلبية في الجولة الثانية من الانتخابات.
مفاجأة أوغان
المرشح الرئاسي سنان أوغان حقق أبرز المفاجآت وتحول إلى لاعب مهم في الجولة الثانية، إذ حقق 5.2% من الأصوات بحسب النتائج. وسارع المتنافسان الآخران في الانتخابات الرئاسية كلجدار أوغلو وأردوغان للتواصل معه في محاولة للحصول على دعمه بالجولة الثانية.
أوغان الذي ينتمي إلى التيارات القومية المتطرفة، يبدو أقرب لتحالف المعارضة، لكنه وضع شرطاً صعباً أمام كلجدار أوغلو وهو وقف تعاونه مع حزب الشعوب الديمقراطي المتهم بعلاقة عضوية مع حزب العمال الكردستاني، وهذا يعني خسارة كلجدار أوغلو لنحو 10% من الأصوات.
وفي الوقت نفسه يطالب أوغان وتحالف "أتا" (أي الأجداد) بترحيل السوريين من تركيا، وهي نقطة خلافية مع التحالف الجمهوري الحاكم.
ويرى مراقبون أن جزءا من أصوات أوغان التي جاءت من القوميين قد تصب لصالح أردوغان، فيما أصوات الشباب قد تذهب لصالح كلجدار أوغلو.
واتصل كلجدار أوغلو بداية بأوغان وهنأه بالنتيجة التي حققها في مؤشر إلى بدء المفاوضات معه، كما اتصل نائب الرئيس في حزب العدالة والتنمية بن علي يلدريم بأوغان.
صورة البرلمان الجديد
التركيبة البرلمانية الجديدة كانت لصالح التحالف الجمهوري الذي حافظ على أغلبيته، ولكن وفق ترتيبات جديدة، إذ تراجعت مقاعد وأصوات حزب العدالة والتنمية من 42 في المائة إلى 36 في المائة، فيما ارتفعت أصوات حزب الحركة القومية إلى 10 في المائة، وقاربت حصة حزب الرفاه من جديد الـ3 في المائة، فيما لم يحقق تحالف الشعب الأغلبية المطلوبة، وبقي حزب الشعب الجمهوري عند 25 في المائة، وانخفضت أصوات الحزب الجيد إلى 9 في المائة.
وفي حال فاز كلجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية فسيكون أمام برلمان معارض قد يعرقل عمله ويمنع تحقيق أبرز وعوده وهو العودة للنظام البرلماني.
ووجّه أردوغان، أمس، رسائل بأهمية الفوز في الجولة الثانية من الرئاسية، لـ"إبقاء الاستقرار في البلاد" بعد الفوز في البرلمان.
عدم دقة استطلاعات الرأي
أظهرت جولة الانتخابات أن استطلاعات الرأي في تركيا غير قادرة على تقديم نتائج حاسمة، لأن أغلبها كان يتوقع فوز أحد المرشحَين الرئيسيَين (أردوغان وكلجدار أوغلو) من الجولة الأولى، وقلة كانت تتنبأ بالجولة الثانية، كما أن معظم استطلاعات الرأي كانت تعطي نسباً أعلى لزعيم المعارضة. ويزيد فشل الاستطلاعات من الشكوك حولها والنتائج التي تُصدرها.
جيل الشباب والعامل الاقتصادي
يرى مراقبون أن السبب الأساسي في النتائج الحالية بالانتخابات الرئاسية هو أصوات جيل الشباب التي بلغت قرابة 7 في المائة، في ظل توقعات بأن القسم الأكبر منها ذهب لأوغان وكلجدار أوغلو. كما أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر فيها البلاد كانت عاملاً حاسماً في التوجهات الانتخابية.
ومن مؤشرات العامل الاقتصادي أصوات المدن الكبرى التي لا تتعامل بالعاطفة مع الأزمات الاقتصادية، ففشل أردوغان في أنقرة وإسطنبول وإزمير، على الرغم من تقارب الأصوات بينه وبين كلجدار أوغلو في أول مدينتين.
وأمام هذا المشهد يبدو أن الأتراك أجّلوا حسم مستقبل بلادهم السياسي إلى نهاية الشهر الجاري، وهو ما سيحوّل الأنظار لهذا الموعد الهام في تركيا، مع تحقيق الحكومة نصف نصر في البرلمان، على أمل إكماله في الرئاسة، فيما تحاول المعارضة تحقيق التعادل عبر الرئاسة.