فصول جديدة من مهزلة التفاوض حول مصير العسكريين اللبنانيين

16 ديسمبر 2014
يتلاعب الخاطفون بمشاعر الأهالي (حسين بيضون)
+ الخط -
... ولمهزلة التفاوض لإطلاق العسكريين اللبنانيين المخطوفين فصول جديدة. لم يعد الأمر صراعاً بين الأجهزة الأمنيّة والقوى السياسيّة فقط، بل تحوّل إلى لعب رخيص بمصير العسكريين ومشاعر أهلهم. ليل الأحد- الاثنين، أوقف حاجز للجيش اللبناني، الشيخ حسام الغالي، وهو عضو في هيئة العلماء المسلمين ورئيس اتحاد الجمعيات الإغاثية، في طريقه إلى جرد عرسال (شرق لبنان) للقاء الخاطفين والحصول على تعهّد خطي منهم بعدم إعدام أي عسكري إضافي. قال الجيش في بيان له، إنه تم العثور على أسلحة في السيارة، وإن أحد المشايخ السوريين الموجودين في السيارة كان يحمل حزاماً ناسفاً.

في المبدأ، يُفترض بزيارة الغالي إلى الجرد أن تأتي على خلفية اتفاق بين هيئة العلماء ووزير الداخليّة نهاد المشنوق، الذي اشترط حصوله على تعهّد خطي بعدم قتل أي عسكري، وبعد ثلاثة أيام يُطلق سراح النساء والأطفال (سجى الدليمي وعلا العقيلي وأطفالهما). وقد قال الغالي، بعد إطلاق سراحه، إن زيارته منسقة مع المشنوق ومع الأمن العام اللبناني. إذا كانت زيارة الغالي جزءاً من اتفاق، فلماذا أوقفه حاجز الجيش اللبناني؟ إلا إذا كان التنسيق بين الأجهزة اللبنانية غير موجود. وإذا لم يكن هناك اتفاق، فلماذا يذهب الغالي إلى الجرد؟ في الحالتين ثمة استخفاف بملف التفاوض. ففي ظلّ وضع حسّاس كهذا، يذهب شيخ إلى الجرد، وفي سيارته سلاح، ويوقف من قبل الجيش.

لم يقف الأمر عند هذا الحدّ؛ فبعد توقيف الغالي، انتشر بيان نُسب إلى جبهة النصرة، يُكلّف وسام المصري، بملف التفاوض. وسام المصري المعروف بهادي المصري، داعية إسلامي من مدينة طرابلس شمال لبنان، يمارس الدعوة من دون أن يكون شيخاً معمماً. عمل لفترة مع جماعة "أهل الدعوة"، وهم مجموعة إسلامية صوفية، قبل أن ينضم إلى جماعة الشيخ صفوان الزعبي وهو شيخ سلفي، سبق له أن وقع وثيقة تفاهم مع حزب الله باسم السلفيين (عام 2008). يلقي المصري خطب الجمعة ودروس الدين في مختلف مساجد منطقة أبو سمرا، حيث يمتلك فرناً للمعجنات. أثار خبر تكليفه بالوساطة استغراباً لدى الأوساط الإسلامية في المدينة، إذ لم يسبق أن عرف بأي نشاط سياسي. يقول المصري لـ"العربي الجديد" إنه لم يتواصل مع جبهة النصرة ولم يزر جرد عرسال "فأنا لا أزور الجرد من دون إذن من الحكومة"، وأن الحكومة اللبنانيّة لم تتواصل معه، "لذلك لا قيمة لهذا التكليف إلا بموافقة الحكومة". وأشار المصري إلى أن مدير عام الأمن العام عباس إبراهيم، هو الوحيد الذي تواصل معه بعد البيان وأبدى اهتماماً بالأمر.

لكن رجال دين على اتصال مع جبهة النصرة، يؤكّدون لـ"العربي الجديد" أن البيان الذي نُسب للجبهة غير صحيح، وهذا ما يؤكّده الشيخ مصطفى الحجيري في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد". ويُضيف الحجيري أنه لا يستطيع تأكيد أو نفي تكليف المصري، لكنه يجزم بأن البيان المنسوب لـ"النصرة" غير صحيح. واللافت أن حساب "مراسل القلمون" التابع لجبهة النصرة، لم يأتِ على ذكر هذا البيان، على الرغم من نشره عادةً كل ما تعلنه الجبهة.

وتتهم مصادر في هيئة العلماء المسلمين، أحد الأجهزة الأمنيّة القريبة من حزب الله بالوقوف خلف هذا البيان، والتكليف الشكلي للمصري، وذلك في إطار ضرب مبادرتها، خصوصاً أنه جاء بالتزامن مع توقيف الغالي. لكن المصري ينفي أن يكون عمله يهدف إلى ضرب الهيئة. والأكثر غرابة هو تهديد تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش) أهالي العسكريين بإعدام المزيد من أبنائهم، على الرغم من قول المصري إنه حصل على تعهّد من الخاطفين بعدم قتل أي عسكري.

لم تعد التفاصيل في ملف التفاوض بين الحكومة اللبنانية مهمّة جداً. فجميعها تصبّ في تأكيد ما بات مؤكّداً لدى الكثير من الجهات، وهو عدّم جدية "الأطراف اللبنانية" في التفاوض، إذ إن الحديث عن وجود طرف لبناني، بات نوعاً من الادعاء غير الصحيح. وفي هذا الإطار قال الحجيري لـ"العربي الجديد": "نترك لوليد بيك أن يقول ما يعرفه عن العراقيل التي وُضعت أمام جهودنا المشتركة".