6 أشهر من الحرب على غزة: إسرائيل تتخبط بأزماتها

07 ابريل 2024
إسرائيلي متقمصاً شخصية نتنياهو بثياب السجن، مارس الماضي (عاطف صفدي/Epa)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بعد ستة أشهر من الحرب على غزة، لم تحقق إسرائيل أهدافها، حيث استمرت المقاومة الفلسطينية في الصمود وفشلت إسرائيل في الوصول إلى قادة حماس أو إعادة المحتجزين الإسرائيليين، مع ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات للقانون الدولي.
- داخلياً، تواجه إسرائيل اضطرابات وتظاهرات تطالب بإسقاط الحكومة وإجراء انتخابات جديدة، مع تزايد الانتقادات لإدارة نتنياهو للحرب وفشله في تحقيق أهدافها، مما يزيد الضغوط عليه.
- على الصعيد الإقليمي، فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها الاستراتيجية في غزة ومع لبنان، مع استمرار المعارك مع حزب الله وتزايد الضغوط الدولية، خاصة من الولايات المتحدة، لإنهاء الحرب والتوصل إلى حل.

فشلت إسرائيل في إخضاع المقاومة الفلسطينية والوصول إلى السنوار

اتساع الاحتجاجات ضد الحكومة وعودة التظاهرات الصاخبة إلى الشوارع

يُتهم نتنياهو بإفشال صفقة المحتجزين وإطالة أمد الحرب

ستة أشهر على حرب الإبادة والتجويع التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، من دون تحقيق أهدافها المرجوّة، إلا في الإمعان في القتل والإجرام، والتجويع والتهجير والتدمير، وارتكاب جرائم حرب، وانتهاك القانون الدولي، واستهداف مؤسسات وفرق الإغاثة والمستشفيات. إن كانت هذه "الإنجازات" التي تبحث عنها إسرائيل، فقد حققتها، ولكن لا شيء غيرها، وبالتأكيد ليس "النصر المطلق" الذي يردده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، في ظل فشلها في إخضاع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والوصول إلى رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار أو القيادي محمد الضيف، وهي التي لم تترك وسيلة في محاولة للوصول إليهما، بل أكثر من هذا، ما زالت الصواريخ تُطلق من غزة نحو مناطق الغلاف، كما لم تتمكن من إعادة المحتجزين الإسرائيليين رغم كل الضغط العسكري الذي مارسته.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد، إذ بدأ الاحتلال الإسرائيلي يعود تدريجياً إلى السادس من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مع اتساع الاحتجاجات ضد الحكومة وعودة التظاهرات الصاخبة إلى الشوارع، في الأيام الأخيرة، مطالبة بإجراء انتخابات برلمانية جديدة للكنيست، وإسقاط الحكومة الحالية، وإعادة المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة، وسط تقديرات إسرائيلية بأن معظمهم قُتل. وبعودة التظاهرات، بدأ نتنياهو يدّعي استشعاره خطراً على حياته، في محاولة لوصم المتظاهرين، فيما قد تهدد الاحتجاجات مخططاته لإطالة أمد الحرب بما يخدم بقاءه رئيساً للحكومة، ويؤجل محاسبته ومسؤولين آخرين عن إخفاقات الحرب والسابع من أكتوبر، فيما اعتبر رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار أن هناك اتجاهاً مقلقاً قد يؤدي إلى مستويات خطيرة لا تريد إسرائيل الوصول إليها.


بعودة التظاهرات، بدأ نتنياهو يدّعي استشعاره خطراً على حياته

كل هذا ولم يخرج اليهود المتزمتون دينياً (الحريديم) إلى الشوارع بعد، وإن كانوا يخططون لذلك في حال عدم التوصّل إلى صيغة متفق عليها بشأن قانون إعفائهم من التجنيد، وهم الذين يرفض سوادهم الأعظم الالتحاق بالجيش الإسرائيلي، الذي تعتبره قياداته الدينية والروحية مفسدة للأخلاق. كما تعارض هذه القيادات الكثير مما يحدث في صفوفه، وتصر على التمسك بتعليم التوراة واعتبار ذلك مساوياً للخدمة العسكرية، وهو ما ترفضه شرائح واسعة في المجتمع الإسرائيلي، التي تطالب بالمساواة بالعبء من خلال فرض التجنيد الإلزامي على الحريديم.

ويزيد القانون المذكور من تأزم المشهد الداخلي، ويمثل عودة بعض قوانين التشريعات القضائية التي سبقت السابع من أكتوبر، وعودة التظاهرات المناهضة لها. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن عمر الحكومة الحالية قصير جداً، فنتنياهو يواصل الصمود منذ ستة أشهر من الحرب رغم عدم تحقيق إنجازات تذكر، كما صمد أمام الاحتجاجات في الأشهر التي سبقتها. أما باقي مكوّنات حكومته التي كانت جزءاً منها قبل الحرب وشكلت معاً أغلبية 64 نائباً من أصل 120 في الكنيست، فلديها حساباتها واعتباراتها أيضاً، وهي التي تكاد تدرك يقيناً أنها لن تكون جزءاً من الحكومة المقبلة، على الأقل بموجب ما تشير إليه استطلاعات الرأي، ما قد يدفعها للحفاظ على الحكومة المتجانسة والبحث معاً عن مخارج لأزمة قانون التجنيد وغيرها من الأزمات.

تقارير دولية
التحديثات الحية

في المقابل، شهدت الفترة الأخيرة بدء تفكك حكومة الطوارئ بانسحاب الوزير جدعون ساعر، رئيس حزب أمل جديد، بسبب عدم ضمه إلى مجلس إدارة الحرب (كابينت الحرب) كما يريد، لاعتقاده أن الحرب تُدار بطريقة خاطئة، بعيداً عن الضغط العسكري اللازم، من أجل تحقيق أهدافها. وهدد الوزير بني غانتس بمغادرة الحكومة التي انضم إليها في بداية الحرب إن شرّعت قانون التجنيد على نحو غير متفق عليه، داعياً لإجراء انتخابات في سبتمبر/ أيلول المقبل.

مع هذا، لا يزال متمسّكاً بالبقاء في الحكومة، رغم محاولات نتنياهو تهميشه في بعض القرارات، والتوتر في علاقتهما، ومهاجمة نتنياهو له على خلفية زيارته البيت الأبيض. وبخلاف نتنياهو، ينادي غانتس بمنح أولوية لملف إعادة المحتجزين الإسرائيليين، لكنه يتفق معه على مواصلة الحرب. وقد يجد نفسه حائراً في البقاء داخل الحكومة أم مغازلة التظاهرات التي بدأت تعود إلى الشارع الإسرائيلي، خصوصاً أن عودة المحتجزين لم تتحقق، فيما تتهم أوساط إسرائيلية نتنياهو بعرقلة الصفقة المرتقبة مع حركة حماس.

ولكن يبدو أن غانتس الذي أطال عمر حكومة نتنياهو، لكنه استفاد من ناحية أخرى باعتباره المسؤول الذي وحّد الصفوف في حالة الطوارئ، لا يريد مغادرتها وتفويت فرصة أن يكون شريكاً في إعادة المحتجزين، في حال كانت هناك فرصة لذلك، مع ازدياد الضغوطات الخارجية الكبيرة على نتنياهو، تحديداً من قبل الولايات المتحدة، لكن التظاهرات وحدّتها ستؤثر عليه حتماً، فضلاً عن مطالبة عدة أصوات له بالانسحاب. وتتجاوز الخلافات بين مركبات الحكومة الإسرائيلية غانتس ونتنياهو إلى وزراء آخرين، وتفضح ذلك التسريبات المستمرة حول الجلسات المشحونة، بسبب قرارات تتعلق بغزة والحرب عليها وملف المحتجزين وغيرها.

إطالة أمد الحرب

يُتهم نتنياهو بإفشال صفقة المحتجزين، وإطالة أمد الحرب، من أجل تأخير اتساع رقعة التظاهرات المناهضة له، وفتح باب التحقيقات وإقامة لجنة تحقيق رسمية لفحص دور كل واحد من المسؤولين، وهو منهم، في إخفاقات والحرب، وبالأساس إخفاق السابع من أكتوبر، علماً أن نتنياهو لم يعلن بعد تحمله المسؤولية، بخلاف قادة آخرين في المؤسسة الأمنية والعسكرية وحتى وزراء. وينعكس حرص نتنياهو بالحفاظ على تركيبة حكومته الأصلية المكوّنة من 64 نائباً قبل الحرب في قراراته إضافة إلى حسابته الشخصية، إذ يلاقي خيار وقف الحرب وزيادة المساعدات الإنسانية وإبرام صفقة تضم عدداً من كبار الأسرى الفلسطينيين معارضة جزء من حلفائه، على رأسهم الوزيران إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، لكن نتنياهو يستخدمهما ذريعة أيضاً أمام الإدارة الأميركية حين لا يتجاوب مع طلباتها.


يخشى الشاباك تدهور الأمور في إسرائيل إلى مستويات خطيرة 

كما يُتهم نتنياهو بالتخلي عن المحتجزين، والإصرار على "النصر المطلق"، الذي لم ولن يتحقق حتى برأي مراقبين إسرائيليين، وترويج أنه القائد الذي لا يرضخ للضغوطات، مع أجل بقائه. لكن تغيّر لهجة الرئيس الأميركي جو بايدن وتلويحه بالتوقف عن دعم إسرائيل بالسلاح، والمحادثة المشحونة بينهما (الخميس الماضي)، قد تغيّر من سلوك نتنياهو وحكومته، بعد أشهر استكبر فيها على طلبات الإدارة الأميركية.

وتتهم أوساط إسرائيلية نتنياهو وحكومته بدفع العلاقات مع الولايات المتحدة إلى التدهور على نحو خطير، وحمّلته مسؤولية الوصول إلى وضع لا تستخدم فيه واشنطن حق النقض (الفيتو) ضد قرار مجلس الأمن الوقف الفوري لإطلاق النار. يضاف إلى ذلك غياب رؤية إسرائيلية واضحة لما يُسمى "اليوم التالي" للحرب، فضلاً عن رفضها دوراً للسلطة الفلسطينية في غزة، فيما تروّج الأصوات الوحيدة القادمة من حكومة الاحتلال من خلال عدة وزراء لتهجير الفلسطينيين والاستيطان في غزة، عدا عن تصريحاتهم الدموية.

وتشكل تصريحات الوزراء وسلوكيات الجنود خسارة أخرى لإسرائيل أمام الرأي العام العالمي، وقد يُوظَّف بعضها في المحكمة الدولية في لاهاي. كما ينظر الإسرائيليون عموماً بقلق إلى اتساع النشاطات الشعبية حول العالم الداعمة لغزة ووقف الحرب، رغم المبالغ الطائلة التي استثمرتها إسرائيل ولا تزال في ترويج روايتها.

فشل استراتيجي

فشلت إسرائيل في تحقيق أهداف استراتيجية في الحرب الحالية، لا في غزة ولا على الجبهة الشمالية، التي لا تزال المعارك فيها مستمرة مع حزب الله في لبنان. وعلى الرغم من توسيع إسرائيل دائرة القصف في الفترة الأخيرة داخل لبنان، إلا أنها في المقابل لم تتمكن حتى اليوم من إعادة عشرات الآلاف من سكان المنطقة الشمالية، الذين أخلوا مستوطناتهم منذ ستة أشهر، وبات العديد منهم يعتبر أن إسرائيل خسرت الحرب بعدم تمكّنها من إعادتهم وتوفير الأمن والأمان لهم. هذا فضلاً عن تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية لسكان تلك المناطق، سواء من آثروا البقاء فيها وهم قلة، أو الموجودين في الفنادق.

وأشارت معطيات جديدة نشرتها جمعية "عيران" للدعم النفسي إلى ارتفاع ملحوظ، في الأشهر الستة الأخيرة، في توجه الرجال الإسرائيليين عموماً، وليس في البلدات الحدودية وحدها، فضلاً عن الجنود والمجندات والشباب، إلى مراكز الدعم النفسي الهاتفي. ومع استمرار الحرب، طرأ ارتفاع بشأن التوجهات المتعلقة بالقلق، والاكتئاب، والعزلة، والضائقة النفسية، فيما ارتفع الشعور بالصدمة والهلع بنسبة 950 في المائة.

وعلى الرغم من استمرار جيش الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب المجازر في قطاع غزة بغارات وقصف، فضلاً عن تدمير المستشفيات والمؤسسات الحيوية، ورغم التصريحات المتتالية بشأن المصادقة على خطط اجتياح رفح ترفضها الولايات المتحدة، فإن القوات الإسرائيلية تراوح مكانها داخل غزة، وتكون عرضة للاستهداف من قبل المقاومة، التي تعمّق خسائر جيش الاحتلال الذي بلغ عدد قتلاه 600 قتيل على الأقل منذ بداية الحرب، بينهم 256 على الأقل قُتلوا منذ الاجتياح البري، فضلاً عن أكثر من 3188 مصاباً اعترف الجيش بهم رسمياً، نحو 1550 منهم منذ بداية الحرب البرية في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

خسرت إسرائيل الحرب بغض النظر عن أي نتائج مستقبلية، بعدم تمكنها منذ ستة أشهر من إخضاع فصائل محاصرة منذ سنوات، وصغيرة جداً في عدد القوات والإمكانيات، مقارنة بما تملكه هي المدعومة بالعتاد والسلاح، والمدرعات والبوارج والطائرات، من أقوى دولة في العالم. كما خسرت الرأي العام العالمي الذي تعاطف في جزء كبير منه معها في بداية الحرب، بسبب الإبادة التي ترتكبها في غزة. ومن شأن استهداف إسرائيل موظفي "المطبخ المركزي العالمي" في غزة، الاثنين الماضي، واستشهادهم، تقييد العمليات العسكرية الإسرائيلية، بعد إبداء أكبر الدول الداعمة لتل أبيب سخطها عليها. كما قد يدفع المزيد من الضغط على إسرائيل إلى فرض وقف لإطلاق النار عليها. ولا يعني هذا بأي حال أن المقاومة الفلسطينية لم تتلق ضربة قوية وربما فقدت الآلاف من عناصرها، ولكنها لم تستسلم، ما يثير غضب إسرائيل، التي تخشى إعادة المقاومة ترتيب أوراقها وتنظيم صفوفها في حال توقّفت الحرب.


فشلت إسرائيل في تحقيق أهداف استراتيجية في غزة وعلى الجبهة الشمالية

في المقابل، تزداد الأصوات الإسرائيلية التي ترى أن القضاء على "حماس" وقدراتها العسكرية والسلطوية كان طموحاً يفوق المعقول، وورط إسرائيل في حرب لا تعرف كيف تنهيها، بينما كان عليها تحديد أهداف واقعية. وإلى جانب فشل نظرية استعادة المحتجزين بالتجويع وزيادة الضغط العسكري، فشلت دولة الاحتلال أيضاً في محاولة دق الأسافين والفتن في القطاع، التي بدأتها منذ بداية الحرب، وانعكست أكثر في الشهر السادس منها، برفض عائلات وعشائر غزة التوجه الإسرائيلي إليها لحكم القطاع وتولي بعض المهام.

حرب في لبنان

لو كانت دولة الاحتلال قادرة فعلاً على خوض حرب شاملة مع حزب الله على جبهة لبنان بموازاة حربها على غزة لفعلت ذلك، خصوصاً أنها لا تزال تتكبد خسائر فادحة، بشرية ومادية، ويبدو أنها تفضل في الوقت الراهن توسيع ضرباتها في لبنان تدريجياً والتصويب نحو أهداف إيرانية في سورية، لكن أحداً لا يمكنه توقع متى تخرج المعارك من الإطار المرسوم لها. وعدم توسيع الحرب على نحو لافت لا يعني أن حرباً كهذه لن تقوم، وربما أقرب مما يعتقد البعض، وليس الأمر مرتبطاً بالتهديدات المتكررة التي يطلقها وزير الأمن يوآف غالانت، بقدر ما هو مرتبط بمطالب سكان المناطق الحدودية، في ظل فشل الجهود الدبلوماسية حتى الآن، وربط حزب الله جبهة لبنان بجبهة غزة. كما تحاول إسرائيل رد الاعتبار والردع المفقود على الجبهة الشمالية أيضاً.

في الوقت نفسه، تدرك إسرائيل أن حرباً كهذه لن تكون نزهة، بعد أن فضحت جبهة غزة هشاشة جنودها، وقتلت المئات منهم وأرسلت الآلاف إلى المستشفيات وإعادة التأهيل، فضلاً عمّن سيبقون مع إعاقات مستدامة. يحاول الجيش الإسرائيلي لملمة نفسه، وتعزيز قواته، التي أخرج معظمها من غزة وأرسلها إلى الحدود الشمالية والضفة الغربية، التي تشهد تصعيداً في العمليات ضد أهداف إسرائيلية. كما تسعى الجبهة الداخلية الإسرائيلية لتعزيز قدراتها وإمكانياتها، وتحضير الإسرائيليين لحرب قادمة لن تكون سهلة وفق التقديرات، ويبقى توقيتها مجهولاً في الوقت الراهن.

وعلى الرغم من مرور ستة أشهر على الحرب والإخفاق الإسرائيلي الكبير، لا يزال نتنياهو رئيساً للحكومة، ويبدو أنه سيستمر في ذلك في الأشهر المقبلة، إلا إن ازداد الضغط في الشارع الإسرائيلي على نحو لا يمكن احتماله، وتطوّرت التظاهرات المناهضة لحكومته إلى حد حصول أحداث عنف واسعة، أكبر من تلك التي سبقت السابع من أكتوبر. لكن حتى ذلك الحين، يواصل نتنياهو التفكير في مخرج من هذه الأزمة وأزمات أخرى مقبلة، من أجل بقائه، ربما حتى لو كان الثمن فتح جبهة جديدة أو حرب متعددة الجبهات، في حال تمكنت إسرائيل من تسريع الحصول على أسلحة أميركية.