بعد خمس سنوات على مقتل الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح تحاول قيادة حزبه المنقسم لملمة شتاتها في الساحل الغربي اليمني، في تحشيد لافت لقيادات حزب المؤتمر من خارج البلاد لأول مرة منذ سنوات، ضمن ما بات يعرف بمحاولة إعادة عائلة صالح إلى المشهد بزعامة عضو مجلس الرئاسة اليمني طارق صالح (نجل شقيق علي عبد الله صالح).
وخلال الأيام الماضية وصل إلى مدينة المخا (غرب اليمن) عدد من قيادات حزب المؤتمر، بعد أيام من إعلان تدشين هبوط أولى الرحلات الجوية إلى مطار المخا، كمنفذ جوي جديد للساحل الغربي، الذي يعدّ مقراً لقوات المقاومة الوطنية بزعامة طارق صالح.
ووصل العشرات من القيادات السياسية والحزبية والعسكرية والبرلمانيين من حزب المؤتمر إلى مدينة المخا، للمشاركة في إحياء الذكرى الخامسة لما سموها "انتفاضة ديسمبر" ضد جماعة الحوثي والتي اندلعت في صنعاء في 2 ديسمبر/ كانون الأول 2017، وانتهت بمقتل علي عبد الله صالح بعد يومين من بدء المعارك في شوارع وأحياء العاصمة.
ماجد المذحجي: التشظيات التي أصابت حزب المؤتمر مع بدء الحرب أدت إلى انقسامات كبيرة فيه
وقال عضو مجلس الرئاسة اليمني طارق صالح "ما زلنا في قلب معركتنا التي بدأناها في ديسمبر 2017"، مضيفاً: "استشهد زعيمنا ورفيقه الأمين (صالح والأمين العام لحزب المؤتمر عارف الزوكا) وعدد من أنبل الشجعان، ولكن ديسمبر لم ولن يتوقف حتى النصر"، وفق تغريدة على حسابه في "تويتر".
بالتزامن مع ذلك وصل إلى مدينة تعز عبر مطار المخا، رئيس مجلس النواب اليمني سلطان البركاني، لأول مرة منذ اندلاع الحرب قبل ثماني سنوات، وهو يعد من أبرز القيادات في حزب المؤتمر.
وقال إن "الزيارة بهذه اللحظة تأتي والبلد يمر بظرف خطير تتكالب عليه القوى من كل جانب، ولذلك نراهن اليوم على تعز في الدرجة الأولى بأن تكون عامل الالتقاء والاتحاد على الثوابت الوطنية وليس عاملاً للفرقة".
5 سنوات على مقتل صالح في صنعاء
مرت 5 سنوات على مقتل صالح على يد حلفائه الحوثيين بعد ثلاث سنوات من إسقاط الدولة وسيطرتهما على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، بعد أن دعا أنصاره إلى انتفاضة مسلحة ضد الحوثيين في صنعاء والمحافظات اليمنية، إثر توتر العلاقات بينهما.
واندلعت معارك عنيفة في عدد من أحياء العاصمة اليمنية صنعاء بين قوات موالية لصالح، وجماعة الحوثي، انتهت بإعلان مقتل صالح من قبل الحوثيين بعد وصولهم إلى منزله في 4 ديسمبر 2017، وكان حينها طارق صالح قائد قواته في تلك المعارك لكنه نجا بعد فراره من قبضة الحوثيين.
حينها أعلن الحوثيون انتصارهم على قوات صالح وقالوا إنهم قضوا على "الفتنة"، وشنوا حملة اعتقالات بحق قيادات موالية لصالح، بينهم أفراد عائلته، ومصادرة ممتلكاتهم. بالإضافة إلى ذلك استطاعوا الإبقاء على قيادات من حزب صالح موالين لهم في صنعاء وأعلنوا أنهم قيادة جديدة للحزب، ضمن سلسلة التفكك التي جرت للحزب الذي حكم البلاد أكثر من ثلاثة عقود، قبل أن تطيحه ثورة الشباب في 11 فبراير/ شباط 2011.
وخلال السنوات الماضية من الحرب، شهد حزب المؤتمر أكبر عملية انقسام في قياداته، وما زال منقسماً إلى الآن على الرغم من محاولات عديدة لتوحيد صفوفهم. ويوجد جناح يتبع الحوثيين في صنعاء، وآخر انضم إلى صفوف الحكومة اليمنية في وقت مبكر بقيادة الرئيس السابق عبد ربه منصور وقيادات أخرى، وبعد مقتل صالح انقسم جناح نجله أحمد المقيم في الإمارات.
عسكرياً برز طارق صالح (نجل شقيق علي عبد الله صالح) والذي كان قائداً لقوات الحرس الخاص بعمه، والذي بدأ تشكيل قوات في العاصمة المؤقتة عدن وانتقل إلى مناطق الساحل الغربي اليمني (مناطق في محافظتي تعز والحديدة). وخلال السنوات الماضية شكّل مركزاً سياسياً وعسكرياً، وأدار قوات باسم "المقاومة الوطنية" إلى جانب قوات أخرى يطلق عليها "القوات المشتركة".
ورأى المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات ماجد المذحجي أن "التشظيات التي أصابت حزب المؤتمر مع بدء الحرب أدت إلى انقسامات كبيرة فيه، وصولاً إلى مقتل صالح الذي أسفر عن الانقسام الأكبر في الكتلة الكبيرة للحزب التي كانت بالداخل وكان صالح يحافظ على تماسكها، أما الآن فالحوثيون مسيطرون عليها فعلياً".
وأضاف في حديث مع "العربي الجديد" أنه من الواضح أن حزب المؤتمر يمر بموت سريري، لكن لم يتجرأ أحد على إعلان وفاته. وقال المذحجي: "أعتقد أن طارق صالح يستفيد من حدث رمزية الثاني من ديسمبر لضخ مزيد من الدماء الجديدة في الكيان السياسي الذي أنشأه، وهي خطوة في تقديري ذكية للاستفادة من هذا الكيان المبعثر بعيداً عن الاحتماء بلافتة حزب المؤتمر".
مازن عقلان: محاولة إعادة عائلة صالح لقيادة البلد مستقبلاً ستكون محل رفض شعبي
وخلال عامي 2018 و2019، حاولت قيادات حزب المؤتمر في مدينتي القاهرة المصرية وجدة السعودية إعادة ترتيب صفوف الحزب من دون جدوى، فقياداته منقسمة على نفسها بشكل عميق، وبالتالي ساهم هذا الانقسام في إضعاف الحزب الذي مُنع في صنعاء وتعز في أغسطس/ آب الماضي من إقامة احتفالية بالذكرى الـ40 لتأسيسه.
وفي مارس/ آذار 2021 أعلن طارق صالح عن إشهار المكتب السياسي لقواته المدعومة من الإمارات، في محاولة للخروج من عباءة حزب المؤتمر من خلال كيان جديد وفرض نفسه في المعادلة السياسية المقبلة. وقال في بيان الإشهار: "إن المكتب ليس بديلاً عن حزب المؤتمر، ولكنه امتداد للانتفاضة المسلحة، وملتزم بكل وصايا الرئيس صالح".
واستطاع طارق صالح أن ينال ثقة من قبل الشرعية اليمنية وتحالف السعودية والإمارات، وتعيينه عضواً في مجلس الرئاسة اليمني في إبريل/ نيسان الماضي، ونال دعماً كبيراً من الإمارات آخرها تمويل إنشاء مطار في مدينة المخا، بالإضافة إلى عدد من المشاريع الأخرى في ذات المدينة.
وبالتزامن مع اشتداد الصراع بين الشرعية اليمنية وجماعة الحوثي، وحالة الانقسامات في الرئاسي اليمني، يواصل طارق صالح تهيئة نفوذه بالساحل الغربي مستغلاً إرث عمه صالح وحزبه، والدعم الإماراتي لفرض معادلة جديدة بعودة عائلة صالح إلى الواجهة السياسية من جديد، من بوابة النضال المفترض ضد الحوثي واستعادة صنعاء.
محاولة إحياء عائلة صالح
من جانبه، رأى الناشط السياسي مازن عقلان أن "2 ديسمبر في صنعاء هو ذكرى غدر الحوثيين بحليفهم الرئيس اليمني الأسبق صالح ونقضهم لاتفاق التحالف الانقلابي بينهما، بعد أن عملا مجتمعين على إسقاط الدولة ونشر هذا الخراب الذي نعيشه، وإنهاء حلم اليمنيين بالتغيير".
وأضاف عقلان في حديث مع "العربي الجديد": "بادرت جماعة الحوثي بخطوات متسارعة لتصفية صالح ونهب ممتلكاته والسيطرة على حزبه السياسي الذي ما يزال يخدم مشروع الجماعة، ولم تكن هناك أي انتفاضة لصالح وأنصاره حتى تحتفل عائلته بها".
وقال عقلان إن "محاولة إعادة عائلة صالح لقيادة البلد مستقبلاً بعيداً عن إرادة الشعب وضمن اهداف إقليمية بحتة، ستكون محل رفض شعبي، وبقائهم ضمن الشرعية ليست بطولة بحد ذاتها، ربما هي احتياج في الأساس للثأر لمقتل زعيمهم".