5 أسباب لخسارة اليمين المتطرف الفرنسي الانتخابات التشريعية

11 يوليو 2024
مارين لوبان وجوردان بارديلا بتجمع انتخابي شمال فرنسا، 24 مايو 2024 (آلان جوكار/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **خسارة اليمين المتطرف الفرنسي في الانتخابات التشريعية**: خسر حزب التجمع الوطني الفرنسي الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية، رغم تصدره في الدورة الأولى واستطلاعات الرأي. استقال المدير العام للحزب جيل بينيل بعد فشل "خطة ماتينيون"، مما أدى إلى تراجع الحزب سياسياً.

- **أخطاء بارديلا وتأثيرها على الحزب**: اعترف رئيس الحزب جوردان بارديلا بارتكاب أخطاء تتعلق بترشيح أشخاص معادين للسامية وعدم القيام بحملات ميدانية، مما أضر بحظوظ الحزب.

- **تأثير التحالفات السياسية والإعلامية**: واجه الحزب حملة قوية من تحالف اليسار ووسائل الإعلام، مما ساهم في تجييش الضواحي ضده وفشل في توقع التنسيق بين معسكري ماكرون واليسار.

خسر اليمين المتطرف الفرنسي ممثلاً بحزب التجمع الوطني الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية في فرنسا، التي أجريت الأحد الماضي، بعدما حلّ أولاً في الدورة الأولى، الأحد الذي سبقه، وكانت استطلاعات الرأي تمنحه أيضاً التصدر في الدورة الثانية، ولو بأغلبية ضئيلة. وجاءت الارتدادات الأولى لتراجع اليمين المتطرف في انتخابات فرنسا مع استقالة المدير العام لحزب التجمع الوطني جيل بينيل، الاثنين الماضي، بعد فشل ما كان يعرف بـ"خطة ماتينيون" التي وضعها، وأشرف على تنفيذها، من أجل الحصول على أغلبية ساحقة في البرلمان، تؤهل الحزب لتشكيل الحكومة الفرنسية. وجرى وفق الخطة، اختيار 577 مرشحاً من ذوي الكفاءة العالية لخوض الانتخابات التشريعية المبكرة. ولكن تبين بين الجولتين أن العشرات من هؤلاء كانوا عنصريين، أو معادين للسامية، أو كارهين للأجانب والمثليين.

بارديلا يرحّل إلى ستراسبورغ

ولم يتأخر الوقت حتى أدلى رئيس الحزب جوردان بارديلا، ومرشح الحزب لرئاسة الحكومة، وقائد الحملة الانتخابية لـ"التجمع الوطني"، بتصريحات للصحافة، تحدث فيها عن أخطاء تمّ ارتكابها، ساهمت في قطع الطريق على حزبه من أجل الحصول على الأكثرية. وحين طالبه الصحافيون بتقديم إيضاحات عن طبيعة الأخطاء، كشف أنها تتعلق بترشيح أشخاص على قائمة الحزب من المعادين للسامية، ولكنه لم يشر إلى العنصريين وكارهي الأجانب.

لم يتوقع فريق مارين لوبان أن يتحد اليسار وتيار ماكرون ضدّه

الهزيمة التي لحقت بحزب "التجمع الوطني" ثقيلة، وستترك آثارها على وضعه الراهن داخل الحياة السياسية الفرنسية، وعلى المستوى الأوروبي، كما أنها ستلقي بظلالها على مستقبله وحظوظه في الاستحقاقات المقبلة، ومنها الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2027، التي كانت تعدها زعيمة الحزب الفعلية مارين لوبان شبه مضمونة في حال وصول مرشحها بارديلا إلى رئاسة الحكومة.

اليمين المتطرف الفرنسي يمضغ الفشل

تصرفت لوبان من وحي الهزيمة، ولم تظهر على المسرح ليلة إعلان نتائج الانتخابات، مساء الأحد الماضي. وتحت وقع الصدمة، عدلت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي عن إلقاء خطابها، علماً أنها كانت تُحضر نفسها لكلمة الفوز، على غرار ما قامت به في الدورة الأولى، عندما سارعت هي إلى اعتلاء المنصة، ومن ثم جاء بارديلا بعدها.

في الجولة الثانية، تركت لوبان الهزيمة تسقط على ظهر بارديلا وحده، تركته يمضغ الفشل، وغابت عن مشهد الحفل، ولكنها سارعت إلى ترتيب البيت الداخلي، وكانت الخطوة الأولى إبعاد بارديلا إلى مدينة ستراسبورغ، ليمارس مهامه كنائب في البرلمان الأوروبي، ويقود مجموعة اليمين المتطرف (في البرلمان الأوروبي)، المعروفة باسم "وطنيون من أجل أوروبا". وهذه المجموعة أسّسها في يونيو/ حزيران الماضي كل من رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، وزعيم حزب الحرية اليميني في النمسا هربرت كيكل، وزعيم الحزب الشعبوي "أنو" أندريه بابيش. وهكذا سيرحل بارديلا حاملاً معه عبء الخسارة، وعلى عاتقه القسط الأكبر من مسؤولية فشل الحزب في الوصول إلى رئاسة الحكومة.

تعد الاعترافات التي قدّمها بارديلا للإعلام بعد الهزيمة ضبابية، وغير صريحة بما فيه الكفاية بصدد المرشحين المعادين للسامية الذين أضروا بحظوظ حزب "التجمع الوطني"، بل حاول الدفاع عنهم تحت مبرر ضعف الخبرة، في حين أن هناك قرابة 45 دعوة قضائية مرفوعة ضد مرشحين من حزبه بسبب معاداة السامية والعنصرية. وبدلاً من أن يعقد مؤتمراً صحافياً يتحدث فيه عن الأسباب التي أوصلت حزبه إلى نتيجة غير التي اعتمدها في حساباته، أدلى بتصريح سريع، واكتفى بمقابلة على إحدى القنوات التلفزيونية، لم تكن موفقة، في وقت كان فيه الرأي العام ينتظر منه تقديم صورة كاملة.

تهرّب حزب التجمع الوطني من تقديم جردة حساب حول الانتخابات. لم يمنع وسائل الإعلام من الخوض في هذه المسألة، بما فيها تلك التي روّجت له، وعملت عدة أعوام على تنظيف صورته، وتزيينها للرأي العام، ومثال ذلك قناة "سي نيوز" المملوكة لرجل الأعمال فانسان بولوريه، والتي تعد أبرز المروجين لدعاة العنصرية والإسلاموفوبيا، على غرار زعيم حزب "الاسترداد" إريك زيمور، الذي لم يفز حزبه بأي مقعد في البرلمان، رغم أنه قدّم أكثر من 300 مرشح.

هناك العديد من أسباب الفشل لليمين المتطرف الفرنسي التي يجري تداولها في وسائل الإعلام، منها شخصية بارديلا نفسه، الشاب الذي لم يبلغ الثلاثين عاماً بعد، ولا يحمل شهادة جامعية، أو يمارس مهنة معينة، ويفتقر إلى الخبرة والتجربة في إدارة المؤسسات. وجرى النظر إليه من قبل سياسيين وإعلاميين ومثقفين على أن هذا المنصب الرفيع كبيرٌ عليه، ويحتاج من يشغله للمرة الأولى إلى مؤهلات محددة، أقلها تجربة حكومية، ونضجاً سياسياً.

يعد ترشيح جوردان بارديلا لرئاسة الحكومة خطأ مارين لوبان ومستشاريها

ويعد تقديم بارديلا إلى هذا الموقع خطأ مارين لوبان ومستشاريها، الذين كانوا واثقين من فوز حزبهم، إلى حدّ أنهم أغمضوا عيونهم عن رؤية الواقع من كافة زواياه. ومن بين المآخذ التي جرى تسجيلها على بارديلا عدم قيامه بحملات انتخابية ميدانية، يزور فيها أنحاء فرنسا كي يلتقي الناخبين، على عكس الشخصيات الأساسية في التحالفات المنافسة، مثل رئيس الوزراء غابريال أتال، قائد حملة التحالف الرئاسي، وجان لوك ميلانشون، زعيم تحالف الجبهة الشعبية الجديدة، التي تضمّ أطياف اليسار والبيئيين وزعيم حزب فرنسا الأبية. وبقي بارديلا يدير حملة انتخابات اليمين المتطرف الفرنسي عن طريق تطبيق تيك توك، ومن على منصات التلفزة، وحتى هنا لم يكن موفقاً بما فيه الكفاية، وتعرض لأسئلة محرجة، قدّم عنها إجابات متناقضة حول سن التقاعد، والقدرة الشرائية، والحد الأدنى للأجور، أفقدته الطلاء الخارجي.

وظهر بارديلا على صورته المباشرة من دون معرفة دقيقة بالاقتصاد، والحلول الخاصة بالبطالة والتضخم والتنافسية والحمائية والأمن، وبدا في لغة الجسد جامداً مغروراً، يثير نفور فئات واسعة، كونه يفتقر إلى خفة الظل وسرعة البديهة، وعلى قدر شديد من التصنع، بوجه جامد يخلو من التعابير، وبابتسامة متكلفة.

السبب الثاني لفشل اليمين المتطرف الفرنسي في الانتخابات، شخّصه خبراء مختصون باستمرار حالة الرفض لهذا الحزب من قبل أوساط واسعة من الفرنسيين، ولا يزال يثير المخاوف بسبب ماضيه العنصري. ونقلت بعض القنوات التلفزيونية تصريحات لبعض الذين صوّتوا لهذا الحزب في الانتخابات الأوروبية، وامتنعوا عن ذلك في التشريعية. والتبرير هو أنهم صوتوا له في الانتخابات الأوروبية كنوعٍ من إبداء الاحتجاج، لكنهم يعارضون أن يحكم فرنسا.

ويمكن تفسير ذلك على أنه فشل لعملية التطبيع مع الرأي العام الفرنسي، التي قامت بها مارين لوبان منذ أسّست الحزب في عام 2018، الذي ولد من رحم "الجبهة الوطنية" التي أسّسها والدها جان ماري لوبان في عام 1972، وقد ابتعدت عنه وطردته من الحزب، في محاولة للقطع مع ماضيه المعادي للسامية والمتأثر بالأفكار النازية. ووفق قراءات عدة، فإن الحزب أساء التقدير حول صورته في عيون الأغلبية الفرنسية، وكانت الحملة الانتخابية مناسبة لفحص مدى تخلصه من تبعات ماضيه لجهة العداء لليهود والأجانب. وتؤكد النتائج أنه لم يتجاوز هذا الامتحان كلياً.

السبب الثالث يتمثل في الحملة السياسية والإعلامية التي واجهت اليمين المتطرف الفرنسي من قبل القوى السياسية وبعض وسائل الإعلام. وتصدر المواجهة تحالف اليسار ضمن إطار الجبهة الشعبية الجديدة، الذي لعب ورقة دور محاربة العنصرية وعداء الأجانب بقوة، وقد أدى ذلك إلى نتيجة إيجابية صبّت في رصيده الانتخابي، ونجح على هذا الأساس في تجييش نسبي للضواحي التي تسكنها أغلبية من الجاليات المغاربية، التي لم تكن منخرطة بعملية التصويت في المناسبات السابقة. وكان لافتاً تشديد زعيم حزب فرنسا الأبية جان لوك ميلانشون على هذه النقطة، في خطابه الذي تلا إعلان النتائج، عندما قال: "لديّ تقدير خاص هذا المساء للضواحي الشعبية، التي أنقذت فرنسا". وتفيد قراءات متقاطعة بأن الضواحي صوّتت ضد اليمين المتطرف بسبب برنامجه الانتخابي.

أما في ما يخص وسائل الإعلام، فإن هناك مخاوف جدية لدى الأوساط الإعلامية على مستقبل الإعلام الحكومي والليبرالي والمستقل في حال وصول حزب التجمع الوطني للحكم، وذلك على ضوء تصريحات صدرت عن بارديلا بإعادة النظر بوضع هذا القطاع، ومن ذلك إغلاق بعض إذاعات القطاع العام. وسبق أن حصلت مناوشات بينه وبين "راديو فرانس" وإذاعة "فرانس إنفو"، ودعا صحافيون في القطاع العام إلى المشاركة في حملة إقامة حاجز بوجه اليمين المتطرف، وأثار ذلك ضجة سياسية كبيرة.

تعهد التجمع الوطني بمنع الفرنسيين ثنائيي الجنسية من إشغال وظائف مهمة وحسّاسة في الإدارة، أدى إلى استنفار أوساط الهجرة

السبب الرابع، هو البرنامج الخاص بالهجرة وثنائية الجنسية وإلغاء "حق التراب" الذي يخول كل أجنبي يولد على الأراضي الفرنسية الحصول على الجنسية حينما يبلغ سن الرشد (18 عاماً). وطرح حزب التجمع الوطني أنه سيمنع الفرنسيين ثنائيي الجنسية من إشغال وظائف مهمة وحسّاسة في الإدارة، وهو الأمر الذي استقبلته أوساط الفرنسيين من أصول أجنبية بقلق وانزعاج شديدين، كونه يضعهم في درجة ثانية للمواطنة. وأدى ذلك إلى استنفار في أوساط الهجرة. وتفيد تقديرات خبراء بأن هذا الأمر ألحق ضرراً كبيراً باليمين المتطرف الفرنسي بين الدورتين الانتخابيتين، لأنه رفع نسبة التصويت لتحالف الجبهة الشعبية الجديدة. وظهر على نحو جلي أن هذه الأطروحات لم تكن مدروسة جيداً، فهي من جهة تجذب اليمين العنصري، لكنها تحرك الشارع الآخر، والوسط الفرنسي، الذي يدرك أن الهجرة دخلت في النسيج العام، وحتى بارديلا نفسه يتحدر من عائلة إيطالية مهاجرة، وجدة والده جزائرية.

السبب الخامس لخسارة اليمين المتطرف الفرنسي الانتخابات غياب الرؤية لما يمكن أن يحصل من تغييرات في الخريطة الانتخابية. ولم يخمن مستشارو مارين لوبان إمكانية حدوث انسحابات من بعض الدوائر بين معسكري الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون واليسار، بل على العكس، كان التقدير السائد هو أن الاختلافات بين الطرفين ستحول دون أي تنسيق، والقناعة الراسخة لدى لوبان وفريقها هي أن حزبهم هو الوحيد المنسجم، والذي يتمتع بانضباط داخلي كبير، في حين أن التحالفات الأخرى هشّة ووقتية، ولكن تبين أن هذا الاستنتاج ليس دقيقاً، وكلّفهم خسارة الكثير من المقاعد.