4 ملاحظات على فوز اليمين الفرنسي في انتخابات البرلمان الأوروبي

10 يونيو 2024
خلال التصويت للبرلمان الأوروبي في باريس، 9 يونيو 2024 (جيوفروي فادرهاسلت/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- انتخابات البرلمان الأوروبي شهدت صعودًا لليمين المتطرف، مع تأثير قضايا الهجرة والحرب على غزة على النقاش العام، وتقدم حزب التجمع الوطني في فرنسا بنسبة تتجاوز 32%.
- اليمين المتطرف والتقليدي حصدا معًا أكثر من 45% من الأصوات، مما يعكس تحولًا في الحياة السياسية الفرنسية والأوروبية، ويشير إلى تغير المزاج السياسي في القارة.
- رد الرئيس الفرنسي ماكرون بحل البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة، في محاولة لمواجهة صعود اليمين المتطرف، مما يعكس قلقًا من تأثيره على السياسة الفرنسية والأوروبية.

جولة انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت أمس الأحد، هي الأكثر أهمية من بين بقية الدورات السابقة، نظراً إلى حدة الاستقطاب السياسي، الذي يعود السبب فيه إلى تنامي حضور تيارات اليمين المتطرف على مستوى القارة. وهذا ما عكسته النتائج في عدة بلدان، خصوصاً فرنسا التي شهدت حملة انتخابية طويلة، تصدرتها مسألة الهجرة، أكثر من الأوضاع الاقتصادية الصعبة والبطالة والأزمات الاجتماعية. كما دخلت على الخط، بقوة، حرب إسرائيل على قطاع غزة.

لم تختلف نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي في فرنسا كثيراً عن تلك التي تنبأت بها استطلاعات الرأي منذ أكثر من شهر، والتي أعطت حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف الأفضلية على غيره من بقية الأحزاب بنسبة تتجاوز 32%، متقدماً بكثير من النقاط عن حزب النهضة الذي يقوده الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي حل في المرتبة الثانية بنسبة 15%.
ووفق النتائج، فإن اليمين المتطرف، بأحزابه المختلفة، بالإضافة إلى اليمين التقليدي، حصد نسبة تتجاوز 45% من الأصوات في انتخابات البرلمان الأوروبي، بينما لم تحز الأحزاب التي تقف في الجهة المقابلة نسبةَ 30%، وهي الاشتراكي (15%)، وفرنسا الأبية (9%)، والخضر (5%).

ينذر خطاب اليمين المتطرف بتوجه سياسي جديد

تعبر النتائج عن تطور مهم في الحياة السياسية في فرنسا، يتمثل بنهاية الشكل الذي ساد منذ الحرب العالمية الثانية، على أساس التنافس بين قوى تقليدية، يمثلها اليسار الاشتراكي والشيوعي من جهة، ومن الجهة المقابلة اليمين التقليدي ويمين الوسط، وبروز اليمين المتطرف بوصفه قوة رئيسية حصدت النسبة الأكبر من أصوات الناخبين. هناك إجماع على أن دور البرلمان الأوروبي محدود جداً في ما يتعلق بالقضايا الداخلية في كل بلد، ولا يمتلك سلطة فعلية كتلك التي تتمتع بها البرلمانات المحلية، ولذا فإن الفوز الذي حققه اليمين المتطرف، يبقى من دون تأثير مباشر على السياسات المحلية، وحتى العامة التي تخص الاتحاد الأوروبي، وهي التي تحتكرها المفوضية الأوروبية، التي تشكل حكومة أوروبية لها كل الصلاحيات، ولكن ضمن حدود لا تتعارض مع شؤون السيادة الخاصة بكل بلد.

ترجمة فوز اليمين في انتخابات البرلمان الأوروبي

يطمح اليمين المتطرف إلى ترجمة فوزه في انتخابات البرلمان الأوروبي على مستوى القارة في الإطار المحلي، ولذا دعا جوردان بارديلا، رئيس لائحة حزب التجمع الوطني الذي تتزعمه مارين لوبان، إلى حل البرلمان الفرنسي، وطالب بانتخابات تشريعية مبكرة. وما كان له أن يتجرأ على ذلك لو لم يعتبر أن نسبة التصويت التي حصل عليها حزبه هي مقياس حضوره الفعلي لدى الجمهور الفرنسي. وكون نسبة التصويت جاءت مختلفة عن الدورات السابقة، ولأن حزبه حلّ في الطليعة من حيث عدد الأصوات، فقد عدّ البرلمان المنتخب في العام 2022 خارج التمثيل الشرعي، وعليه أن يرحل قبل نهاية المهلة القانونية عام 2027، وهذا ما تجاوب معه ماكرون بأول ردّ فعل على نتائج الانتخابات الأوروبية، وأعلن حلّ البرلمان، وحدد نهاية الشهر الحالي موعداً للانتخابات التشريعية المبكرة.

تقارير دولية
التحديثات الحية

يجري النظر إلى خطاب اليمين المتطرف على أنه يُعبر عن شراهة للسلطة، لكنه في الوقت نفسه ينذر بتوجه سياسي جديد، ولذلك لم يتأخر في إعلان أنه سيخطو نصف خطوة للخروج من الاتحاد الأوروبي، وسيعمل على تجميد العمل بـ"اتفاقية شينغن" التي تختص بحرية تنقل الأفراد والبضائع داخل الاتحاد الأوروبي. كما أنه يعد انتخابات البرلمان الأوروبي بمثابة استفتاء على الهجرة. وعلى هذا فإن السبيل إلى ذلك هو الوصول إلى السلطة. وجاءت مفاجأة ماكرون لتضعه أمام هذا الاحتمال بقوة.

ومهما يكن من أمر، فإن رد فعل ماكرون بحل البرلمان أربك كل القوى السياسية الفرنسية. وبينما اعتبره البعض غير مدروس بما فيه الكفاية، وقفزة في الهواء الطلق، دافع عنه مقربون منه. ويرى السياسي المخضرم فرانسوا بايرو الذي يعد أحد مستشاري ماكرون، في تصريح صحافي، أن رئيس الدولة يطمح إلى انتخاب برلمان مختلف، أكثر قدرة على ممارسة المسؤولية. وضرب مثالاً على ذلك ما يشهده البرلمان الحالي من مشاحنات داخلية واستقطابات سياسية. ويقول إن ماكرون فوجئ بغياب كتلتي حزبي فرنسا الأبية والتجمع الوطني خلال خطاب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمام البرلمان الفرنسي، الاسبوع الماضي.

هدف ماكرون من حلّ البرلمان

ويرجح مراقبون أن الهدف الرئيسي لماكرون من حل البرلمان التعجيل بمواجهة مع اليمين المتطرف قبل العام 2027 الموعد الدستوري للانتخابات المقبلة. وبادر بعض وزرائه ومستشاريه بتوجيه دعوات ورسائل من وحي خطابه، الذي ركز على أن مسألة "صعود القوميين والديماغوجيين يشكل خطراً على أمتنا". 

ومن المؤكد أن ماكرون لا يستطيع كسب الرهان بالاعتماد على حزبه فقط، وسيحتاج إلى تحالف واسع يُمكنه وقف زحف مد اليمين المتطرف، وعليه أن يشكل جبهة من القوى السياسية التي تقف في المعسكر الآخر، وهي أحزاب الاشتراكي وفرنسا الأبية والخضر والشيوعيين، وحتى حزب الجمهوريين من اليمين التقليدي. غير أن طريق هذا التحالف يعترضه عدد من الحواجز، أهمها عدم الانسجام بين مكوناته، وتنافسها على تركة ماكرون، خاصة الحزبين الاشتراكي وفرنسا الأبية، الذي يضع كل منهما عينه على كرسي الرئاسة.
يقوم رهان ماكرون لهزيمة اليمين المتطرف، على اختلاف اتجاه التصويت بين المحلي والأوروبي، وفي حسابه أن نسبة كبيرة من المصوتين لحزب التجمع الوطني في انتخابات البرلمان الأوروبي لن يصوتوا له في الانتخابات التشريعية. ولكنْ هناك احتمال قوي جداً أن يكسب "التجمع الوطني" الجولة بوجه ماكرون، الذي سيجد نفسه مجبراً على تشكيل حكومة تعايش بين القوى التي تسانده و"التجمع الوطني". وسيكون بارديلا مرشح حزبه اليميني المتطرف لمنصب رئيس الوزراء في فرنسا، على ما أعلن نائبه سيباستيان شونو، في تصريح لإذاعة "إر تي أل" اليوم الاثنين. وفي هذه الحالة، ستشهد فرنسا حالة صراع مفتوح داخل مؤسسات الدولة، وعلى كل طرف أن يثبت قدرته على تقديم الأفضل من أجل خوض الانتخابات الرئاسية في العام 2027. 

فوز اليمين المتطرف بانتخابات فرنسا سيؤدي إلى احتقان داخلي تكون له نتائج سلبية على مستوى الاندماج

السؤال الذي يبحث أغلبية المراقبين عن إجابة شافية له يتعلق بالصعود السريع لليمين المتطرف في فرنسا خلال العامين الماضيين. ورغم أن المؤشر العام كان يذهب في هذا الاتجاه، لكن ما حصل في انتخابات البرلمان الأوروبي يعد أكثر من مفاجأة، وبمثابة انفجار سياسي خارج عن الحسابات. وما بين الانتخابات التشريعية في فرنسا في إبريل/نيسان 2022، ودورة الانتخابات الأوروبية، ضاعف من رصيده عدة مرات من الأصوات الانتخابية، وتجاوز بذلك الأحزاب التقليدية لليمين واليسار معاً. 

ملاحظات على فوز اليمين المتطرف

وعلى ضوء الفوز الكاسح لليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي هناك عدة ملاحظات مهمة، يمكن أن ترسم ملامح المرحلة السياسية المقبلة في فرنسا، التي كانت تعد نفسها عصية أمام اليمين المتطرف. الأولى هي أن اليمين المتطرف بات في مركز الحياة السياسية والحكم، وما حققه في انتخابات البرلمان الأوروبي سينعكس على المستوى المحلي إلى حد كبير. ولذلك يراهن على الفوز بالبرلمان الفرنسي، وفي أسوأ الأحوال سوف يكون شريكاً أساسياً له حصة مهمة في الحكم والقرارات.

والملاحظة الثانية هي أن فرنسا مرشحة، وفقاً لهذا التطور المهم، لوجه جديد ذي ملامح مختلفة، له سياسات لا تشبه تلك التي درجت عليها في العهود الأخيرة. وهذا التحول لن يقتصر على الشؤون الداخلية فقط، بل ستكون له تداعيات على مستوى السياسة الخارجية، في ما يختص بالقضايا العربية، والحرب على أوكرانيا والعلاقة مع اوروبا والولايات المتحدة. وثمة مسألة محسومة، وهي العلاقة الوطيدة مع إسرائيل، وهذا يفسر الاهتمام الشديد بالحرب على غزة، وتحولها إلى عنوان رئيسي في الحملة الانتخابية. وقد كان واضحاً دعم إسرائيل السياسي والإعلامي لهذا التيار، رغم أن مصادره العقائدية تعود إلى الفكر النازي.

الملاحظة الثالثة هي أن هذا التحول سوف يؤدي إلى احتقان داخلي تكون له نتائج سلبية على مستوى الاندماج. وقد كشفت الحملات الانتخابية لليمين المتطرف عن مستوى متقدم من خطاب عدائي وتحريضي ضد المهاجرين، خاصة الجاليات العربية والمسلمة. وقد أصبحت هناك منابر إعلامية تلعب هذا الدور، ومنها بالخصوص قناة "سي نيوز" المملوكة لرجل الأعمال فانسان بولوريه. ويعد حصولها على المركز الأول بين القنوات الإخبارية الأكثر مشاهدة، خلال مايو/أيار الماضي، مؤشراً على مدى شعبية الخطاب العنصري.

أما النقطة الرابعة فهي أنه ليس من المستبعد حصول عمليات ترحيل واسعة لمهاجرين من بلدان المغرب العربي وأفريقيا في مرحلة أولى، على طريق الاستحقاق الدستوري الأهم في 2027. وبرز في حملة مرشحي اليمين المتطرف إلى انتخابات البرلمان الأوروبي أن القاسم المشترك هو التحريض السافر والعدائية المفرطة للأجانب من أصول غير أوروبية، لكن التركيز الأساسي تم على العرب والمسلمين. ويعود السبب المباشر وراء ذلك، إلى سهولة صياغة خطاب دعائي ضد الإسلام، انطلاقاً من الصور النمطية المسبقة، التي تشكلت نتيجة لما عاشته بلدان العالم الإسلامي في العقود الأخيرة، وبروز ظاهرة الإرهاب، التي ولدت منها مسألة حرب الحضارات. وفي جميع الأحوال هناك مادة غنية من أجل صناعة الخوف يمكن توظيفها انتخابياً، تتمثل في ارتفاع نسب البطالة والجريمة والهجرة غير المنظمة.

المساهمون