استمع إلى الملخص
تحل الذكرى الرابعة لانفجار مرفأ بيروت دون أي قرار اتهامي، مع شلل تام في القضية. المحقق العدلي القاضي طارق البيطار مكفوف اليد، والنائب العام التمييزي الجديد القاضي جمال الحجار لم يحرك الملف بعد.
- **تدخلات سياسية وعوائق إدارية**
استأنف البيطار التحقيقات في يناير 2023، لكن القاضي غسان عويدات منع تنفيذ قراراته وأطلق سراح الموقوفين. العوائق الإدارية والسياسية تعرقل استكمال التحقيقات وإصدار القرار الاتهامي.
- **إصرار على العدالة ومطالبات دولية**
أهالي الضحايا والمجموعات الحقوقية يواصلون الضغط لاستكمال التحقيقات. منظمة العفو الدولية تطالب بتفعيل التحقيق المحلي ونزع الحصانات، وتدعو الأمم المتحدة لإنشاء بعثة دولية لتقصي الحقائق.
تحل اليوم الذكرى السنوية الرابعة على انفجار مرفأ بيروت فيما لم يصدر في القضية حتى اللحظة أي قرار يتهم ويدين المسؤولين عن "جريمة العصر"، رغم أن المنظمات الدولية وثقت إغفالات وأخطاء ارتكبها موظفون وسياسيون وأمنيون في إدارتهم لشحنة نترات الأمونيوم التي كانت مخزنة في مرفأ بيروت. ولم يتغير المشهد منذ فبراير/شباط من عام 2023 على صعيد الوقائع الإدارية والقضائية، إذ لا تزال قضية انفجار مرفأ بيروت في حالة شلل تام. فالمحقق العدلي القاضي طارق البيطار لا يزال "مكفوف اليد" ولم يحرّك النائب العام التمييزي الجديد القاضي جمال الحجار الملف، بعد ادعاء سلفه القاضي غسان عويدات على البيطار بتهمة اغتصاب السلطة، رغم أن تواصلاً حصل قبل مدة قصيرة بين الحجار والبيطار، تردّد صداه في الإعلام، في محاولة لخرق الجمود بتسوية رضائية تمثلت في تجزئة ملف انفجار مرفأ بيروت على أكثر من مرجعية، بيد أنها لم تصل إلى نتيجة في ظل إصرار البيطار على صلاحية المجلس العدلي في محاكمة المسؤولين الذين سيدرجون في القرار الاتهامي.
ماريان فاضوليان: إننا، أهالي الضحايا، نعاني منذ أربع سنوات للوصول إلى الحقيقة والعدالة والمحاسبة
وأتت خطوة عويدات رداً على استئناف البيطار التحقيقات في 23 يناير/كانون الثاني 2023، وقيامه بإخلاء سبيل خمسة موقوفين من أصل 17، والادعاء على ثمانية أشخاص جدد، من ضمنهم عويدات وقضاة وقادة أمنيون، وتعيين مواعيد لاستجواب مدعى عليهم آخرين، ضمنهم وزراء سابقون وضباط في الجيش، أضيفوا بالتالي إلى لائحة المدعى عليهم رئيس الحكومة الأسبق حسان دياب، والوزراء السابقين يوسف فنيانوس وغازي زعيتر وعلي حسن خليل.
وإثر ذلك، قرر عويدات منع جميع الأجهزة الأمنية من تنفيذ قرارات البيطار، وإطلاق سراح جميع الموقوفين، وإصدار قرار بمنع سفرهم، علماً أن أحدهم، وهو رئيس مصلحة الأمن والسلامة في مرفأ بيروت محمد زياد العوف الذي يحمل الجنسية الأميركية، غادر عبر مطار بيروت الدولي إلى الولايات المتحدة فور إخلاء سبيله.
كما ادعى النائب العام التمييزي السابق، الذي أحيل على التقاعد لاحقاً، على البيطار بتهمة اغتصاب السلطة ومنعه من السفر، علماً أن عويدات يُعد متجاوزاً قرارَ محكمة التمييز بقبول تنحيه عن القضية، بفعل صلة القرابة التي تربطه بالمدعى عليه الوزير السابق النائب غازي زعيتر (ينتمي إلى حركة أمل برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري).
موت سريري لقضية انفجار مرفأ بيروت
في مقابل "الموت السريري" المتعمد الذي أُدخلت فيه قضية انفجار مرفأ بيروت من قبل المنظومة الحاكمة، لا يزال الضوء مسلط على الملف بفعل إصرار أهالي الضحايا على رفع الصوت باتجاه استكمال التحقيقات، والدفع باتجاه استئنافها عبر التحركات التي يحرصون على تنفيذها كل فترة رغم التحديات التي تواجهها البلاد وتُشغل بال المواطنين، وتؤثر سلباً على المجريات وتؤخذ "ذريعة" من قبل المسؤولين لوضع ملف انفجار مرفأ بيروت في الدرج، سواء لناحية الأزمة الاقتصادية أو الفراغ الرئاسي أو لناحية الأحداث الأمنية التي تشهدها الجبهة اللبنانية منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعدما فتحها حزب الله إسناداً لغزة.
ويؤكد أهالي الضحايا، ومن ضمنهم ماريان فاضوليان، شقيقة الضحية غايا، التي تحدثت إلى "العربي الجديد"، أنهم لا يريدون حقيقة ناقصة ولا عدالة ناقصة، بل حقيقة كاملة وعدالة كاملة، ومن هنا يصرون على عدم الضغط على القاضي وتركه لمتابعة عمله وتحقيقاته حتى إصداره قراره الاتهامي. وتشير فاضوليان إلى أننا، أهالي الضحية، نعاني منذ أربع سنوات في الوصول إلى الحقيقة والعدالة والمحاسبة، ونحن نريد أن نحاسب المجرمين، فما حصل في 4 أغسطس/آب 2020 جريمة لا يجب أن تمر مرور الكرام، وهي ليست إهمالاً، إذ إن المسؤولين كانوا يعلمون بوجود النترات وتخزينها في قلب العاصمة بيروت، وبمدى خطورتها، ورغم ذلك تركوها في المرفأ. وشددت على دعوتهم المدعي العام التمييزي للرجوع عن قرار القاضي عويدات ليستكمل القاضي البيطار عمله ويصدر قراره الاتهامي، تمهيداً لإحالة المسؤولين إلى المجلس العدلي.
عائق إداري
في الإطار، يقول عضو مكتب الادعاء في نقابة المحامين عن انفجار مرفأ بيروت المحامي يوسف لحود، لـ"العربي الجديد"، إنّ العوائق القضائية في الملف لم تعد موجودة، لكننا أمام عائق إداري، إذ إنه لم يصدر أي قرار قضائي عن أي مرجعية قضائية يوقف البيطار عن متابعة عمله، لكن يوجد قرار إداري سبق أن اتخذه عويدات بمنع التعامل بين الضابطة العدلية التابعة للنيابة العامة التمييزية وقاضي التحقيق العدلي، فكانت النتيجة شل عمل الأخير بموجب هذا القرار الإداري غير القانوني.
وتؤكد نقابة المحامين ضرورة الرجوع عن قرار النيابة العامة التمييزية القاضي بعدم استلام أي قرار، أو تكليف أو تبليغ أو مذكرة أو أي مستند صادر عن المحقق العدلي، واعتباره منعدم الوجود، لأن المطلوب هو استمرار التحقيق بغية إصدار القرار الاتهامي، وقد تقدم مكتب الادعاء لدى النقابة بطلب الرجوع عن القرار إلى النيابة العامة التمييزية، والنقابة تطلب البت به من دون مزيد من الإبطاء تمهيداً لإحالة المسؤولين عن جريمة العصر إلى المجلس العدلي لمحاكمتهم وفقاً للأصول. ويوضح لحود أن هناك صعوبات تحول دون تنفيذ البيطار مهامه واستكمال تحقيقاته وتحديد جلسات واستدعاء المدعى عليهم لاستجوابهم، في ظل قرار النائب العام التمييزي السابق بحقه، وعدم اتخاذ خلفه أي قرار، سواء بالرجوع عنه أو تعديله، والسبب برأينا وجود ضغط معين، سياسي وأمني بتقديرنا، لا ضغطاً قانونياً.
سحر مندور: بعد أربع سنوات من الانفجار، هناك تراجع كبير وتام بالملف
ويشير إلى صعوبة إصدار البيطار القرار الاتهامي باعتبار أن هناك نقاطاً قانونية يجب المرور بها، منها استكمال التحقيق والاستجوابات وغيرها من الخطوات التي يتعذّر عليه القيام بها، خصوصاً أن قاضي التحقيق لا يمكنه إصدار قرار كهذا من دون عرض ملف انفجار مرفأ بيروت على النيابة العامة لإبداء المطالعة النهائية بالأساس، بينما هي ترفض اليوم التعاون معه ولا تستلم منه أي ورقة وتعتبره مكفوف اليد، لذلك، فإن الأمور عالقة بعنق الزجاجة، لكننا في مكتب الادعاء لن نمل ولن نكلّ مهما كلفنا ذلك من جهد أو عرضنا لمخاطر حتى متابعة الدعوى والوصول إلى خواتيم فيها.
ويلفت لحود إلى أن دعاوى الرد والمخاصمة واغتصاب السلطة انهالت على البيطار من قبل المدعى عليهم، وهناك دعوى تفرعت وطاولت قضاة آخرين، أصبح مطلوباً ردهم أو مخاصمتهم، ما شلّ القضاء والعدلية والمرفق العام، مشيراً إلى أن عدد المدعى عليهم والمطلوب الاستماع إليهم يفوق الثلاثين تقريباً. ويتوقف لحود عند أهمية القرار الاتهامي الذي وحده يفرج عن الكثير من التساؤلات، ويعطي الأجوبة المطلوبة، لا سيما لناحية من فجّر، وكيف تفجرت المواد، وما هي الوسائل التي تسببت بذلك، وهل كان الحريق متعمداً، أو الضربة خارجية، وغير ذلك من النقاط التي لا تزال غامضة، لكن من الواضح أنه عندما بدأ المحقق العدلي السابق القاضي فادي صوان، قبل كف يده عن الدعوى، وتبعه البيطار، بتحديد المسؤولين على مستوى رؤساء ووزراء ومدراء عامين وكبار الموظفين، جرت عرقلة الملف، وهذا الوحيد المحسوم حتى الآن.
مسؤولو لبنان عصيّون على المساءلة
من جهتها، تقول سحر مندور، الباحثة في الشؤون اللبنانية في منظمة العفو الدولية، لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد أربع سنوات من الانفجار، هناك تراجع كبير وتام في الملف، خصوصاً مقارنة بما وعد به الشعب اللبناني يوم 5 أغسطس 2020 بإجراء تحقيق خلال أيام، وتوجيه المسؤوليات فيه، علماً أن ما حصل هو العكس في ظل استخدام السلطات كل السبل لتقويض التحقيق وعرقلته وحماية نفسها من المسؤولية. وتلفت إلى أننا باعتبارنا منظمة دولية نندد دائماً بالتدخل السياسي السافر للسلطات في التحقيق المحلي، ونضم صوتنا إلى الأهالي والمجموعات الحقوقية الدولية والمحلية التي تطالب بتفعيل التحقيق المحلي والسماح للقاضي بالعمل ونزع الحصانات عن المسؤولين، كما نطالب الأمم المتحدة بإنشاء بعثة دولية لتقصي الحقائق للتحقيق في أسباب الانفجار وتحديد هوية المسؤولين، كي يكون هناك بديل في ظل الشلل الحاصل.
وتشير مندور إلى أن "الجمود التام يسيطر على الملف منذ قرابة عامين، واليوم نقرأ في الإعلام عن تواصل بين البيطار والمدعي العام الجديد، لكنه تواصل لا نعرف أفقه، لكنه قد يكون شخصياً في وقت كل المفاعيل القانونية جُمّدت كأنها لم تكن". وتبعاً لكل ما يشهده ملف انفجار مرفأ بيروت، ترى مندور أن الرسالة الأبرز التي تجسدت بقضية الانفجار أو المعادلة التي بنتها ووُجِّهت إلى الشعب والمجتمع الدولي تتمثل في أن الفريق السياسي الإداري للدولة اللبنانية، بشكل عام، بمختلف أطيافه، عصي على المحاسبة، لا بل عصي على المساءلة مهما كان كبر المأساة.