4 تحديات أمام كوبيتش بعد تعيينه مبعوثاً أممياً إلى ليبيا

19 يناير 2021
هل ينجح كوبيتش في مهمته الجديدة؟ (فرانس برس)
+ الخط -

تعقيدات خارجية مرتبطة بأطراف دولية قريبة من أطراف الصراع

صعوبات الدفع بالمسار الاقتصادي المرتبط بملف النفط

ملف المسار الدستوري والسياسي من الملفات الشائكة أمام كوبيتش

التغييرات المحلية الجديدة في الخارطة السياسية

يتسلم المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا السلوفاكي، يان كوبيتش، مهامه مطلع فبراير/ شباط المقبل، في الوقت الذي تسابق فيه المبعوثة الحالية بالإنابة، ستيفاني ويليامز، الزمن لإنجاز مهمتها قبل مغادرتها منصبها. 

وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ليل أمس الاثنين،  بدء مهام السلوفاكي يان كوبيتش، مبعوثاً خاصاً له إلى ليبيا ورئيساً للبعثة الأممية، اعتباراً من مطلع فبراير/ شباط المقبل. ووجه المتحدث باسم الأمين العام، ستيفان دوجاريك، خلال مؤتمر صحافي، الشكر والامتنان للممثلة الخاصة بالوكالة، ستيفاني ويليامز، في دفع العملية السياسية إلى الأمام في ليبيا". 

ولفت دوجاريك إلى أنّ كوبيتش "شغل منصب المنسق الخاص لشؤون لبنان، منذ عام 2019، مشيراً إلى أنه يتمتع بخبرة طويلة في الدبلوماسية وسياسة الأمن الخارجي والعلاقات الاقتصادية الدولية، على الصعيدين الدولي والمحلي في بلده"، بالإضافة إلى شغله مناصب أممية في العراق وأفغانستان. 

وفي الأثناء، يُنتظر أن تعلن البعثة الأممية خلال الساعات المقبلة نتائج التصويت على آلية اختيار شاغلي السلطة التنفيذية الجديدة، التي توافق حولها أعضاء اللجنة الاستشارية بملتقى الحوار السياسي، خلال جلستهم الماضية التي امتدت لأربعة أيام وانتهت السبت الماضي، وسط ترجيحات كبيرة بإمكانية تمرير الآلية. 

 

وتقول مصادر مقرّبة من أعضاء ملتقى الحوار السياسي إن نتائج التصويت، التي بدأت ظهر أمس الاثنين، وتنتهي ظهر اليوم الثلاثاء تميل لصالح مرور الآلية، كون مضمونها لبى مضمون كل الآليات المختلف حولها بين الأعضاء خلال جلسات ملتقى الحوار الماضية. وبحسب ذات المصادر، التي تحدثت لــ"العربي الجديد"، فمن الراجح أن تعلن ويليامز عن جلسة قريبة بمشاركة كل أعضاء الملتقى لاختيار السلطة الجديدة قبل مغادرتها منصبها. 

وهو ما أشارت إليه ويليامز، خلال حديثها عن مقترح الآلية الجديد ليل السبت الماضي، من أنها ستؤدي إلى اختيار حكومة انتقالية "في غضون عدة أسابيع"، كما تلفت المصادر إلى أن عوامل عرقلة إنجاز ملتقى الحوار السياسي للسلطة الجديدة لن تمنع تسجيل نتائجها لصالح المبعوثة الحالية، حتى وإن تأخرت إلى ما بعد تسلمها مهامها، فلن يكون بمقدور المبعوث الأممي الجدي تجاوز نتائج كل هذه المسارات، وبالتالي سيضطر لمواصلة مشوار ويليامز. 

ولا تبدو مهمة كوبيتش أقل تعقيداً من مهامه في بلدان الصراع التي عمل بها، في لبنان والعراق وأفغانستان، في ظل تزايد تعقيد الملف الليبي، خصوصاً على صعيده المحلي وسط صراعات مكتومة بين قادة البلاد الساعين للبقاء في المشهد وعدم مغادرته، لكن الباحث الليبي في العلاقات الدولية، مصطفى البرق، يلفت أيضاً إلى وجود تعقيد على المستوى الخارجي.

ويشير البرق، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ كوبيتش "وصل بعد 10 أشهر من الخلافات الكبيرة بين أعضاء مجلس الأمن حول تعيين مبعوث أممي جديد، فلم يتوافق أعضاء مجلس الأمن منذ تقديم غسان سلامة استقالته المفاجئة أوائل مارس/ آذار من العام الماضي". 

تعقيدات خارجية

وحتى الآن، لم تعلن سوى إيطاليا وتركيا عن ترحيب بتعيين المبعوث الجديد، رغم أنّ الإعلان عن توليه منصبه الجديد مرت عليه عدة ساعات، أما داخلياً، فقد اعتبر محمد صوان، رئيس "حزب العدالة والبناء"، أنّ الدفع بتسليم كوبيتش مهامه في ليبيا في هذا التوقيت الحساس، الذي توشك فيه ويليامز على إنهاء المرحلة الأخيرة لمسار الحوار، "هو أمر مثير للاستغراب والتساؤل"، محذراً، في تصريحات لتلفزيون ليبي، من أنه "قد ينسف مسار التسوية برمته، ويعود بنا إلى نقطة الصفر". 

 

أما عضو اللجنة الاستشارية بملتقى الحوار السياسي، السيدة اليعقوبي، فقد وصفت تكليف مبعوث جديد بأنه جاء على خلفية "ضغوط دولية"، تمارسها أطراف على الأمم المتحدة، مطالبة بضرورة قطع الطريق أمام تلك الضغوط، و"الاستمرار في العمل مع المبعوثة الحالية حتى انتهاء الحوار السياسي"، في تصريحات صحافية اليوم الثلاثاء. 

ويتصل التحدي الخارجي، بحسب البرق، في حديثه لــ"العربي الجديد"، بالاتفاق العسكري الموقع بين الأطراف الليبية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي برعاية الأمم المتحدة، والذي لم تتوصل الأطراف إلى تنفيذه على أرض الواقع بشكل حقيقي حتى الآن. 

ويتصل شكل التعقيد بأطراف خارجية قريبة من ميدان القتال، لا سيما تركيا إلى جانب حكومة "الوفاق"، وروسيا ودول أخرى إلى جانب اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وسط مساعٍ إماراتية لتصعيد المشهد العسكري مجدداً من جانب حفتر تقف مصر ضده بشكل واضح. 

ويصف البرق مهمة كوبيتش بالمحافظة على اتفاق وقف إطلاق النار الهش بــ"الصعبة جداً" في ظل بقاء استمرار عودة القتال، لافتاً إلى أن أساس الصعوبة في ملف الاتفاق العسكري يتمثل في المقاتلين الأجانب الذي اعترفت ويليامز بتعقيده الشديد في اعترافها بوجود عشر قواعد أجنبية في مختلف أنحاء البلاد و20 ألف مقاتل أجنبي. 

المسار الاقتصادي وملف النفط

ولا تتوقّف تركة ويليامز عند ثقل تركة المسار العسكري، فالبرق يشير إلى صعوبات أخرى تتمثل في الدفع بالمسار الاقتصادي المرتبط حتماً بملف النفط؛ الورقة التي يسعى كل طرف لاستغلالها لصالح بقائه في المشهد، لافتاً إلى أن هذا المسار من أكثر المسارات حساسية، خصوصاً أن الاجتماعات الليبية بشأنه يكتنفها الغموض حتى الآن، فــ"لا أعضاء الاجتماعات معروفون، كما في المسارات الأخرى، ولا أسباب مشاركة دول أجنبية في اجتماعاته معروفة، علاوة على اتصال هذا المسار بواقع الحياة لدى الليبيين الذي يتجه إلى الانفجار بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية". 

 

ملف المسار الدستوري والسياسي

وفيما يبدأ ممثلو مجلسي النواب والدولة اجتماعات تشاورية، اليوم الثلاثاء، بمدينة الغردقة المصرية وتستمر لأربعة أيام، لمباحثة توصيات اللجنة القانونية بملتقى الحوار السياسي بشأن التوافق على قاعدة دستورية، تدار وفقها الانتخابات المقرر عقدها نهاية العام الجاري، لم يُكشف عن الأعضاء المشاركين فيها. ويبدو ملف المسار الدستوري من الملفات الشائكة أيضاً التي تنتظر المبعوث الجديد،  إذ إن الأمر لا يتوقف عند التوافق على التهيئة بمناخ مناسب للانتخابات. 

ويرى الصحافي الليبي سالم الورفلي، من جانبه، أن التوافق في هذا المسار يتصل بشدة بالمسار السياسي الذي تمثله 75 شخصية ليبية في ملتقى الحوار السياسي لها انتماءاتها المناطقية والسياسية التي يمكن أن تؤثر في مسار التوافق على قاعدة دستورية. ويؤكد الورفلي أنّ هذا المسار من أكثر المسارات خطورة، متسائلاً "ما القدرات التي يملكها كوبيتش لفرض نتائج الملتقى بعد التوافق على السلطة وكيف يمكنه إبعاد تأثيرات الساعين للبقاء في السلطة عن الملتقى". 

ويضيف الورفلي، متحدثاً لــ"العربي الجديد"، "أعتقد أنّ مهمة اختيار شاغلي السلطة الجديدة أصعب المهام مقارنة بما مر به مسار ملتقى الحوار السياسي طيلة الشهرين الماضيين"، لافتاً إلى أن القادة على الأرض لم يتوقفوا عن الاتصالات خارجياً وداخلياً لبناء أحلاف لم يتضح شكلها حتى الآن. 

التغييرات المحلية الجديدة في الخارطة السياسية

وتكشف محاولة الانقلاب العسكري التي خطط لها أنصار النظام السابق داخل معسكر شرق ليبيا، لقلب الأوضاع وإقصاء اللواء المتقاعد خليفة حفتر، عن سعي أنصار هذا التيار للتموضع في خريطة الساحة السياسية الحالية، وفرض نفسها رقماً جديداً في المعادلة، من جانب، ومن جانب آخر تكشف عن حدة الخلافات بين قادة معسكر شرق ليبيا، بل وهشاشة أوضاع حفتر الذي كان يوصف إلى وقف قريب بــ"الرجل القوي"، بحسب تعبير الورفلي. 

وفي الطرف الآخر، تبدو صراعات قادة طرابلس على أشدها، فمقابل سعي وزير الداخلية فتحي باشاغا إلى إعلان "غرفة أمنية عليا"، بدعم "إقليمي"، تهدف إلى إقصاء خصومه، خصوصاً المجموعات المسلحة الخارجة عن سلطته تحت غطاء "عملية أمنية"، تمكن خصومه من انتزاع قرار بإنشاء جسم أمني جديد. 

 

وأعلن فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق"، عن إنشاء جهاز أمني جديد تحت مسمى "جهاز دعم الاستقرار"، وتكليف قائد كتيبة أبوسليم، القوية في طرابلس، عبد الغني الككلي، رئيساً له، كما عيّن ثلاثة نواب له، من بينهم آمر لواء ثوار طرابلس، أيوب أبو رأس.

وأوضح قرار تشكيل الجهاز، الذي أعلن عنه مساء أمس الاثنين، عن طبيعته الأمنية والاستخباراتية، بذمة مالية مستقلة، وبقوات تمثل خليطاً من عناصر الجيش والشرطة، في وقت تتزايد فيه الأنباء عن نية السراج الإعلان عن حكومة جديدة بالتنسيق مع حفتر "قريباً"، بحسب مصادر حكومية مقربة من السراج. 

وتكشف ذات المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد" أن السراج وحلفاءه انتهوا من بناء جسم حكومي جديد يتلخّص في بقاء المجلس الرئاسي، برئاسة السراج، وعودة ممثلي حفتر إلى عضويته، وهم علي القطراني وفتحي المجبري، مع إعلان حكومة موحدة منفصلة برئاسة وزير العدل الحالي محمد لملوم البرعضي، المنحدر من شرق ليبيا، مرشحاً عن حفتر. 

وبحسب الورفلي، فإن ذلك يعني أيضاً، إلى جانب تفاقم الصراع بين قادة طرابلس، أنّ "الحلف الجديد سيسعى بكل قوته لاستمرار خلافات أعضاء ملتقى الحوار السياسي وعرقلة وصولهم لمرحلة التواصل على سلطة جديدة، وبالتالي فالبديل، في الواقع، حلف التوافق الجديد بين السراج وحفتر". 

وفي ملخّص كل هذه التعقيدات، يرى الورفلي أن "كوبيتش لن يجد الطريق ممهدة أمامه لاستمرار العمل على ذات المسارات، سواء في تشكيل سلطة جديدة أو توحيد المؤسسات السيادية، مع وقوفه على عتبة مرحلة انتقالية محددة بزمن معين لا يتجاوز بضعة أشهر". 

المساهمون