وأثار قرار توقيف القروي جدلاً واسعاً في تونس، بين مرحّب به ورافض له. ولكنّ هذا القرار يطرح العديد من التساؤلات، خصوصاً أنه يأتي في توقيت حساس ويتزامن مع حملة انتخابية لمرشحي الانتخابات الرئاسية التي ستنطلق في 2 سبتمبر/أيلول المقبل، ويُفترض أن تكون فيها حظوظ جميع المرشحين متساوية. كما أنّ البعض وصف ما حصل بمحاولة لتصفية الخصوم السياسيين، لا سيما أنّ الكثير من نتائج استطلاعات الرأي أظهرت تصدّر القروي السباق الرئاسي.
وفي هذا السياق، أكدت حركة "النهضة" "حرصها الشديد على استقلال القضاء والنأي به عن المناكفات السياسية وعن كل شبهة توظيف تمسّ مصداقيته واستقلاليته". ودعت الحركة في بيان بعد توقيف القروي، الجهات المعنية، إلى "تقديم التوضيحات الضرورية لإنارة الرأي العام حول مبررات الإجراء المتخذ وخلفياته". كما عبّرت عن خشيتها من "اختلاط الزمن القضائي مع الزمن السياسي، مما يشوش على العملية الانتخابية".
من جهته، قال عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، عادل البرينصي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "القروي لا يزال مرشحاً رئاسياً، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته، طالما لم يصدر حكم نهائي بحقه"، موضحاً أنّ "منع الترشح للانتخابات الرئاسية يكون إثر حكم باتّ يسلبه حقوقه المدنية والسياسية، ولكن حتى اليوم يوجد فقط إيقاف تحفظي".
ولفت البرينصي إلى أنّ الفصل 27 من الدستور التونسي يؤكّد أنّ "القروي مرشّح ويتمتع بصفة الناخب حتى تثبت إدانته، ولا بدّ من احترام الناخب الذي سيختار ترشيحه من عدمه"، مشيراً إلى أنه "سيتم النظر إذا ما كان الإيقاف التحفظي سيتواصل إلى حين الحملة أم سيُطلَق سراحه. ولكن إذا تواصل الإيقاف، قد يجد المرشح نفسه يخوض الانتخابات من داخل السجن". وشدّد على أنّ "الموضوع حالياً بيد القضاء، ولكن لا بدّ من تنقية المناخ الانتخابي، وعلى جميع المرشحين الالتزام بقانون اللعبة وتهدئة النفوس، فالأجواء المشحونة تشوش على الانتخابات ولن تفيد أي مرشح، بل قد تساهم في إرباك الناخب".
بدوره، رأى المختصّ في القانون الدستوري عبد المجيد العبدلي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الإشكال سياسي وليس قانونياً طالما لم يصدر حكم جزائي باتّ ضدّ القروي"، معتبراً أنّه "يمكن أن تدار الحملة الانتخابية من وراء القضبان، ولا مانع قانونياً في ذلك، وقد تتم العملية عن طريق مديري حملة القروي". وأضاف أنّ "المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ولكن على الناخب التونسي أن يكون واعياً".
وأوضح العبدلي أنّه إذا صدر حكم بات بحقّ رئيس حزب "قلب تونس"، حينها سيُمنع من مواصلة السباق الانتخابي، مؤكداً أنّ محاميّ القروي يمكنهم أن يعقبوا على قرار دائرة الاتهام. وأشار المتحدّث نفسه إلى أنه من الناحية القانونية، "الإجراءات سليمة، ودائرة الاتهام، باعتبارها دائرة استئنافية، قررت إصدار بطاقة إيداع بالسجن، وبإمكان المعني بالأمر الاستئناف"، مؤكداً أنّ "الترشّح للرئاسيات لا يمنع صدور أحكام ضدّ المرشح وهو ليس فوق القانون، فالقضية المتهم بها القروي يعود تاريخها إلى عام 2017 ودائرة الاتهام مرتبطة بآجال، وبالتالي لا مجال للحديث والقول لماذا صدر القرار اليوم، فالقضية قانونية تزامنت مع حملة انتخابية، وهذا لا يمنع أن يؤدي القضاء دوره".
أمّا أشرف العوادي، المدير التنفيذي لمنظمة "أنا يقظ" (التي رفعت القضية ضدّ الأخوين قروي)، فقال في حديث مع "العربي الجديد"، إنّهم فوجئوا أيضاً بصدور القرار القضائي وببطاقة الإيداع بالسجن ضدّ القروي، على الرغم من تأكدهم من جدية الملف المودع للقضاء، مضيفاً أنهم لم يتوقعوا صدور الحكم الآن.
وأوضح العوادي أنّ لديهم ثقة في المسار القضائي "ولا بدّ من النأي به عن الشأن العام، فالقضاء عندما رأى ضرورة إصدار قرار بالسجن كان ذلك"، وتابع "ولكن في مثل هذه الوضعية، قد يجد القضاء نفسه في معركة لإثبات استقلاليته، إذ برز حديث عن ضغوط حكومية عليه للتسريع بإصدار الحكم"، مشيراً إلى أنّ المنظمة لديها أيضاً قضايا ضدّ رئيس الحكومة يوسف الشاهد وهي محلّ نظر استعجالي للبت فيها كذلك. وأضاف العوادي أنّ السؤال اليوم هو التالي: "إذا كان يوجد مرشح للانتخابات متهم بقضايا، فهل يجب أن يبقى مرشحاً؟".