لم يحظ تحالف "سائرون"، الذي توافق اليوم، الجمعة، الذكرى الثالثة لتأسيسه في العراق، عبر طرفيه الأساسيين المتناقضين في كل شيء: "التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر، والحزب الشيوعي العراقي، أقدم أحزاب البلاد السياسية، بالنجاح الذي كان يروج له الشيوعيون ضمن تنظيمات بغداد، والصدريون في النجف ومدن جنوب العراق. وعلى الرغم من انتهاء التحالف سياسياً، إلا أن أطرافاً منه تصفه بأنه "تجربة متميزة على الصعيد المجتمعي".
وبعد اجتماعات عدة بين الشيوعيين والصدريين، وُلد تحالف "سائرون" في منتصف يناير/ كانون الثاني 2018، وذلك بعد تجربة تشارك فيها الطرفان بتنظيم تظاهرات في بغداد ضدّ الفساد الذي اتهمت به حكومة حيدر العبادي، وللمطالبة بتحسين الخدمات، إلا أنها سرعان ما تلاشت قبيل انتخابات مايو/ أيار عام 2018 وتشكيل حكومة عادل عبد المهدي. وظلّ تحالف "سائرون"، على الرغم من كونه أبرز المؤسسين لتلك الحكومة بعد تصدره الانتخابات، يهدد باللجوء إلى المعارضة والاتكال على التظاهرات لتصحيح مسار الدولة.
تمثلت أولى شرارات انهيار "سائرون" بالخلاف بشأن قانون "سانت ليغو"
وتمثلت أولى شرارات انهيار "سائرون" بالخلاف بشأن قانون "سانت ليغو" المعدل (آلية لاحتساب أصوات الناخبين وتوزيع المقاعد)، الذي اعتمد قاسماً انتخابياً 1.9 في احتساب أصوات الناخبين وتوزيعها بين الكتل المتنافسة، والذي كان الحزب الشيوعي معارضاً له، لكن التيار الصدري أهمل رأي شريكه في التحالف واختار الموافقة عليه. وهو ما ساهم باحتقان داخل الحزب الشيوعي الذي رأى أنّ الصدريين لا يلتزمون بشروط الصّيغ التحالفية التي اتفق عليها الطرفان. غير أنّ السبب الذي أدى في النهاية إلى خروج الشيوعيين من التحالف هو المساندة الشيوعية لتظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول 2019، في حين كانت لزعيم التيار الصدري مواقف متذبذبة.
في السياق، قال السكرتير العام للحزب الشيوعي العراقي، رائد فهمي، إنّ "الحزب لم يعد ضمن التحالف بشكلٍ نهائي"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "حين دخلنا في التحالف مع حزب الاستقامة الذي كان يمثل التيار الصدري، كانت لدينا الأسباب الكافية لهذا الدخول، من بينها احترام الاستقلالية الفكرية والسياسية لكل طرف، بمعنى أنهم يعرفون توجهاتنا ويحترمونها، ونحن كذلك، ويتعاملون معنا ونتعامل معهم على هذا الأساس، وهو ما حصل بالفعل. وفي الحقيقة لم يكن الحزب الشيوعي والتيار الصدري وحدهما في التحالف، بل كانت هناك أربعة أطراف مدنية أخرى ضمنه".
وأشار فهمي إلى أنّ "الحزب الشيوعي كان يعتقد أنّ المشتركات هي التي ستوحد التحالف وتدفعه إلى الاستمرار، وهي تتلخص بالرؤية الإصلاحية للوضع السياسي والخدمي في العراق، إضافة إلى العمل المشترك خلال فترة الاحتجاجات، وتبني المصالح العامة ومحاربة الفساد". وأوضح أنّ "هذه الأجواء وفرت الأرضية للتحالف، كما أنّ التعامل الذي نشأ خلال فترة العمل السياسي في سائرون، كان يحظى بالاحترام من جميع الأطراف. لكن الذي حدث، وأدى إلى انسحابنا من التحالف، هو موقفنا من انتفاضة تشرين (أكتوبر/ تشرين الأول 2019)، ولا سيما بعدما طلب الشيوعي العراقي من البرلمان أن يؤدي دوره في مساءلة أو محاسبة المقصرين والمتهمين بقتل المتظاهرين أو أن يتخذ موقفاً مما حدث من أعمال عنف، وبالتالي شعرنا بأننا لن نستطيع المواصلة مع التيار الصدري الذي كان لم يصل بعد إلى ما وصلنا إليه من فكرة بخصوص الاحتجاجات".
فهمي: التحالف تحوّل إلى جهة منفذة لتغريدات الصدر
وتابع فهمي أن "التحالف (سائرون) كان قد تحوّل شيئاً فشيئاً إلى جهة منفذة وصاغية لتغريدات السيد مقتدى الصدر، وبات يعمل على تنفيذ كل ما يرد في حسابات الصدر على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا الأمر لم يكن يتناسب مع الصيغ التحالفية في سائرون".
وكان الصدر قد وصف، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، المدنيين والشيوعيين بـ"الخونة". وذكر في تغريدة عبر "تويتر"، عقب دعوته لإعادة ترميم "البيت الشيعي"، أنه "أول من سارع سابقاً إلى جمع الفسيفساء العراقية من خلال ضم الأقليات التي وجدت ملجأ سياسياً آخر، فلم يعودوا يحتاجون للتيار الصدري"، مضيفاً "نحن أول من أسس للتعاون المدني الإسلامي من خلال التعاون السياسي والانتخابي مع المدنيين والشيوعيين، وما أسرع خيانتهم لنا وإعلان العداء لنا وإلى يومنا هذا".
وعن هذا الوصف، قال فهمي إن "خروج الحزب الشيوعي من تحالف سائرون ليس خيانة لأحد، لأن مبررات خروجنا لم تكن خفية على أي جهة، بل إننا احترمنا تعهداتنا لجماهيرنا، واخترنا التضامن مع الانتفاضة، وبالتالي لا توجد هناك تحالفات أبدية، كما لا يوجد لدينا أي عداء مع التيار الصدري". وأوضح في الوقت نفسه أن "تجربة سائرون كانت مميزة من حيث التجربة المجتمعية، ولكنها لم تحقق كل ما كتب في برنامجها السياسي، ومن حسناتها أنها فتحت الأبواب أمام القوى السياسية للتحالف مع الآخرين وكسر الأنماط الطائفية في التحالف، وأدت إلى إشاعة مفهوم قبول الآخر".
قيادي بالتيار الصدري: المرحلة المقبلة لن تشهد أي تحالف بين الصدريين وأي جهة مدنية أو شيوعية
من جهته، قال قيادي في التيار الصدري، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "تحالف سائرون بات صدرياً بالكامل، بعد انسحاب جميع الأطراف المدنية والشيوعية منه". وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم ذكر هويته، أنّ "مقتدى الصدر لم يعد يثق بالمدنيين، وبات يعتبرهم شخصيات لعوبة تسعى للحصول على المكاسب على حساب التيار الصدري، ولذلك فإنّ المرحلة المقبلة لن تشهد أي تحالف بين الصدريين وأي جهة مدنية أو شيوعية أخرى".
من جانبه، أكد الناشط المدني من بغداد قاسم الكناني، أنّ "تجربة سائرون كانت مرعبة للأحزاب التي ظلّت تؤمن بالتحالفات الطائفية، لأنها جمعت التيار الصدري الإسلامي، والذي يُصنف في الأوساط المدنية والعلمانية بأنه من أبرز التيارات الراديكالية في العراق، مع الحزب الشيوعي. ولكن التحالف فشل في النهاية، ليس بسبب الشيوعي، بل بسبب التيار الصدري الذي لا يملك أي منهج للعمل السياسي، بل يخضع للصدر كشخص واحد يحكم شريحة كبيرة". وأوضح الكناني في حديث مع "العربي الجديد"، أنه في "المرحلة المقبلة قد نشهد تحالفات مميزة بين جهات إسلامية وأخرى مدنية وشيوعية، ولكن لن يجتمع الشيوعي والصدري في تحالف واحد مرة جديدة".