3 سنوات على تطبيع المغرب وإسرائيل: هل توقف حرب غزّة الاتفاق؟

09 ديسمبر 2023
مطالبات شعبية مغربية بوقف كل اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل (العربي الجديد)
+ الخط -

يدخل تطبيع المغرب وإسرائيل، يوم غد الأحد، عامه الرابع في ظل تحديات تحيط بمساره ومستقبله، وترتبط أساسا بقدرة الرباط على إيجاد توازن بين تحالفها مع تل أبيب والتزامها بدعم القضية الفلسطينية، لا سيما في ظل تصاعد مطالب الشارع والهيئات المناهضة للتطبيع وعدد من الأحزاب السياسية بإلغاء اتفاق التطبيع وإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي.

وبقدر ما كان تطبيع المغرب مع إسرائيل، عبر التوقيع على جملة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في كثير من المجالات والزيارات المتوالية لمسؤولي البلدين خلال السنوات الثلاث الماضية، دليلا على تقارب ملحوظ في العلاقات بين الرباط وتل أبيب، إلا أن الثابت وسط مرحلة التوتر الذي أحدثه العدوان الإسرائيلي المستمر منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على قطاع غزة، هو أن المرحلة الحالية تعتبر بحق منعطفا مفصليا وامتحانا لمستقبل وآفاق العلاقات بين البلدين.

ومع تواصل جرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، عاد السؤال ليطرح حول ما إذا كان سيناريو إغلاق السلطات المغربية لمكتب الاتصال الإسرائيلي في سنة 2000 إثر الانتفاضة الفلسطينية الثانية سيتكرر مرة ثانية.

يسير تطبيع المغرب وإسرائيل منذ إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول 2020، عن استئناف العلاقات بينهما، في منحى تصاعدي، توج خلال السنة الماضية بالعمل على تسريع تعاونهما على الصعد العسكرية والأمنية والتجارية والسياحية.

وفي السياق، شكل التعاون في المجال العسكري أكثر الجوانب نشاطا في 2023، حيث تلقى المغرب أول أنظمة الدفاع الجوي (باراك إم إكس المصنعة من قبل شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية IAI). كما اختارت الرباط مجموعة إسرائيلية من أجل صناعة قمر يستخدم في أغراض المراقبة.
في حين، كان لافتا خلال مناورات "الأسد الأفريقي 2023" بالمغرب في نسختها الـ19 التي جرت في يونيو/ حزيران الماضي، مشاركة ولأول مرة مجموعة تتكون من 12 عنصرا من لواء جولاني الإسرائيلي، إلى جانب جنود ينتمون لـ18 دولة من ضمنها الولايات المتحدة الأميركية.

وشهد المغرب في النصف الأول من العام 2023 زيارات لمسؤولين إسرائيليين شملت 4 وزراء ( الداخلية، النقل، الصحة، التعليم العالي) و3 مسؤولين عسكريين كبار ورئيس الكنيست، تخللها توقيع اتفاقيات تعاون في القطاعات "العسكرية والاقتصادية والصحية والزراعية والنقل والتعليم العالي والشأن البرلماني والسياسي". 

ويبقى الحدث الأبرز في السنة الثالثة من التطبيع بين المغرب وإسرائيل، إعلان تل أبيب، في 17 يوليو الماضي، الاعتراف بسيادة الرباط على إقليم الصحراء، في خطوة عكست تحولا في التعاطي مع هذا الملف، وذلك بعد التردد والغموض الذي طبع المواقف الإسرائيلية من القضية، وما اعتبر "ابتزازا" من قبلها للجانب المغربي.

وفي وقت كانت تتجه فيه الأنظار إلى الخطوة المغربية المقبلة، وإن كانت الرباط ستقدم على الموافقة على ترقية التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى مرتبة سفارة، عوض مكتب الاتصال، ألقت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بظلالها على مسار قطار التطبيع، وأدت إلى تعليق زيارة (رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو) إلى الرباط، واجتماع الدورة الثانية من قمة النقب، إضافة إلى تعليق زيارات مسؤولين إسرائيليين آخرين إلى المغرب.

ومنذ انطلاق معركة "طوفان الأقصى"، تصاعدت تحركات ومطالب مناهضي التطبيع، وزاد ضغطهم على السلطات بفضل موجة تضامن وتأييد لفلسطين وإدانة ورفض لجرائم إسرائيل في غزة لدى الأوساط الشعبية المغربية، امتدت إلى مختلف الهيئات المدنية.

وفي السياق، أطلقت شخصيات مغربية رفيعة في 22 نوفمبر الماضي عريضة، تطالب الدولة بإلغاء كل اتفاقيات تطبيع العلاقات مع إسرائيل، معتبرة أن "استمرار التطبيع لا يزيد الكيان الصهيوني إلا تعنتا وغطرسة وإمعانا في القتل والتهجير والإجرام"، ومطالبة بالإغلاق النهائي لمكتب الاتصال الإسرائيلي، والسحب النهائي لمكتب الاتصال المغربي في تل أبيب.

وفي وقت توالت فيه مطالب أحزاب سياسية (التقدم والاشتراكية، الحزب الاشتراكي الموحد، العدالة والتنمية) بوقف التطبيع مع إسرائيل، وملاحقتها أمام الجنائية الدولية، كان ملفتا للانتباه وصف العاهل المغربي الملك محمد السادس، في رسالة وجهها إلى رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، شيخ نيانغ، بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، الأعمال العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة بـ "الانتقامية"، قائلا إنها "تتعارض مع أحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني". كما عبّر عن رفضه وإدانته "لكل التجاوزات وسياسة العقاب الجماعي والتهجير القسري ومحاولة فرض واقع جديد" في القطاع الفلسطيني المحاصر، معتبرا أن ما أدى إلى التصعيد الأخير في قطاع غزة هو "الممارسات الإسرائيلية الممنهجة والمتطرفة".

عدم وقف تطبيع المغرب مع إسرائيل يقوّض سيادة المملكة

وبحسب الباحث في العلوم السياسية محمد شقير، فإن الحرب الدائرة بقطاع غزة والضفة قد أرخت بظلالها على الحركية التي عرفتها السنوات الأولى من استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، حيث سجل تراجع على مستوى السياحة وزيارات المسؤولين في البلدين، وتأجيل عقد منتدى النقب الذي كان مقررا عقده في المغرب، وكذا مغادرة مدير مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط، معتبرا في حديث مع "العربي الجديد" أن وتيرة العلاقات بين البلدين ستتأثر على الأقل في المستقبل المنظور جراء الحرب الإسرائيلية على غزة.

وفي وقت يستبعد فيه شقير قطع العلاقات بين الرباط وتل أبيب التي يؤطرها الاتفاق الثلاثي الموقع بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، يرى مسؤول اللجنة الوطنية لدعم فلسطين داخل "الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب"، عبد الإله دحمان، أن السلطات المغربية مطالبة اليوم بالنظر إلى التطورات والتحولات الجارية بخصوص القضية الفلسطينية في أبعادها الدولية، وموقف الشعب المغربي بمراجعة مسار التطبيع وإيقافه نهائيا وإلغاء كل الاتفاقيات المرتبطة به والعودة إلى الموقف التاريخي المنحاز للقضية الفلسطينية. وأوضح  في حديث لـ"العربي الجديد" أن "السياق لم يعد هو السياق الذي رافق إعلان التطبيع، كما أن أجندة الصهيونية الشاملة بالمغرب أصبحت تتجاوز حدود تطبيع المغرب مع إسرائيل إلى ترسخ الأجندة الصهيونية المعاكسة لمصالحنا الوطنية".

وقال: "اليوم الشعب المغربي قال كلمته في الساحات والميادين من خلال تنظيم المسيرات والوقفات في كل ربوع المملكة، كما أن الأحزاب المغربية اليوم مطالبة باستئناف موقفها الطبيعي والتاريخي والمبدئي المنحاز للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، وبالتالي العمل على إنهاء التطبيع وإلغاء كل الاتفاقيات مع العدو الصهيوني والعمل على إغلاق مكتب الاتصال رسميا ونهائيا".

واعتبر أن التطورات الحالية في غزة تقتضي الانخراط الفعلي في ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب وجرائم الإبادة في فلسطين، وتقديم الدعم للمقاومة والشعب الفلسطيني، موضحا أن رفض تطبيع المغرب وإلغاء اتفاقياته هو أبسط اعتراف لمواكب الشهداء والانتصار للدم الفلسطيني.

 وأضاف: "ننتظر من الأحزاب المغربية الديمقراطية كافة أن تنخرط في دينامية الرفض وتكثف من حضورها في الفعاليات المطالبة بإسقاط التطبيع، لأن تاريخ بلدنا هو تاريخ انحياز للقضية الفلسطينية".

من جهته، رأى الكاتب العام لـ"المرصد المغربي لمناهضة التطبيع" عزيز هناوي، أن "ما جرى على الأقل في الستين يوما من الحرب على غزة موجب لوقف العلاقات"، مؤكدا أن ما تعيشه غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي جراء العدوان الإسرائيلي ومنسوب الإجرام الصهيوني الحالي في حق القدس والأقصى والضفة أفظع مما جرى في عام 2000 خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ودعا حينها العاهل المغربي إلى اتخاذ قرار إقفال مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط".

وقال لـ"العربي الجديد" إنه "إذا كان الموقف الرسمي المغربي الذي عبر عنه وزير الخارجية ناصر بوريطة حين إعلان ما سماه باستئناف العلاقات مع الكيان، قد أكد على أن العلاقات مع إسرائيل لم ولن تمس بعلاقة المغرب مع الشعب الفلسطيني ودفاعه عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، إلا أن السؤال الذي يطرح اليوم هو: هل هذا الذي يجري الآن في غزة، والذي كان قبل ذلك في القدس والأقصى من طرف الحكومة الصهيونية التلمودية بقيادة (رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو)، و(وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير)، و(وزير المالية بتسلئيل سموتريتش)، لا يستدعي مراجعة الموقف التطبيعي فما هي مرجعية الموقف الرسمي نفسه؟".

وأكد أن الموقف الشعبي من التطبيع سواء بمناسبة الإجرام الحالي أو بدونه واضح، إذ نعتبره مقتلة للمغرب وخيانة لقضية الصحراء وطعنة لقضية فلسطين، مضيفا أن "الإجرام الذي يقع في غزة موجب لاتخاذ قرار سريع وحاسم بالوقف النهائي والرسمي لكل تطبيع، لأن عدم اتخاذه هو مضيعة لوجاهة وكرامة وسيادية الموقف الرسمي المغربي وطعنة للموقف الشعبي".

المساهمون