3 تحديات تنتظر المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا

03 سبتمبر 2022
هل ينجح باتيلي في مهمته وسط هذه التحديات؟ (موقع الأمم المتحدة)
+ الخط -

بعد تسعة أشهر من استقالة آخر مبعوث أممي إلى ليبيا، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، اليوم السبت، السنغالي عبد الله باتيلي ممثلاً خاصاً له إلى هذا البلد ورئيساً لبعثة الأمم المتحدة للدعم فيها، خلفاً للسلوفاكي يان كوبيش.

وفي بيان مصاحب لقرار التعيين، أكدت الهيئة الأممية، على موقعها الإلكتروني، أنّ باتيلي "سيُثري هذا المنصب بخبرة تزيد عن 40 عاماً من العمل مع حكومته الوطنية والمؤسسات الأكاديمية والمنظمات الإقليمية ومنظومة الأمم المتحدة". 

وفي أحدث مهامه مع الأمم المتحدة، عمل باتيلي السنة الماضية خبيراً مستقلاً للمراجعة الاستراتيجية لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. كما سبق أن شغل منصب نائب الممثل الخاص للأمين العام في بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، عامي 2013-2014، وممثل خاص لوسط أفريقيا ورئيس مكتب الأمم المتحدة الإقليمي لوسط أفريقيا في الغابون، بين عامي 2014-2016. وفي عام 2018، جرى تعيينه مستشاراً خاصاً للأمين العام بشأن مدغشقر، وعُيّن في العام اللاحق خبيراً مستقلاً للمراجعة الاستراتيجية لمكتب الأمم المتحدة لغرب أفريقيا. 

ولقي القرار ترحيباً ليبياً، فقد رحّب رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بتعيين باتيلي، مؤكداً في تغريدة مقتضبة دعمه الكامل لعمله، والدفع باتجاه الحل السياسي الشامل الذي يعجل بإصدار قاعدة دستورية توافقية، لإجراء الانتخابات. 

من جانبه، حثّ رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا نوابه وحكومته على ضرورة الاستمرار في العمل السياسي، والعمل مباشرة مع كل الأجسام والقوى السياسية الداخلية، ومع المبعوث الأممي الجديد والأطراف الدولية، لاستكمال تمكين حكومته من مباشرة مهامها لتهيئة الأوضاع الملائمة للوصول بليبيا إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أقرب الآجال، وفق ما غرّد. 

ورحّب أيضاً المجلس الرئاسي بتعيين باتيلي، وأشاد بخبرته واطلاعه على الملف الليبي، مثنياً على الجهود المبذولة من قبله أثناء قيامه بتقييم ودراسة هيكلة بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، وموكداً على دور الأمين العام للأمم المتحدة في دعم مساعي الليبيين للوصول إلى حلول سلمية، من خلال بعثتها في ليبيا، للذهاب إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية في أقرب الآجال، آملاً أن "يسهم باتيلي بخبرته الواسعة في مساعدة الليبيين في الانتقال إلى الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة التي يتطلع إليها الشعب الليبي". 

وعلى الصعيد الخارجي، رحّبت السفارة الألمانية بتعيين المبعوث الأممي الجديد، وهنّأه السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، بحسب تغريدة للسفارة على "تويتر".

وبحسب السفارة أيضاً، أشار السفير الأميركي، خلال مكالمة هاتفية، اليوم السبت، مع باشاغا، إلى "الحاجة الملحّة لجميع الأطراف للعمل مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الجديد لوضع خريطة طريق واضحة المعالم لإجراء انتخابات مبكرة باعتبارها الحل الوحيد لعدم الاستقرار". 

خريطة الانتخابات والقاعدة الدستورية

لفهم التحديات التي قد تواجه المبعوث الجديد، تجدر العودة إلى تاريخ استقالة كوبيش المفاجئة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، قبيل موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي كانت مقررة في 24 ديسمبر/ كانون الأول.

في تلك الفترة المفصلية، أسهمت الاستقالة مع خلافات فرقاء السياسة الليبيين في فشل الانتخابات وترحيلها لأجل غير معلوم، كما ساهم خلاف الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن حول اختيار مبعوث جديد في دفع الأمين العام لتعيين الأميركية ستيفاني وليامز مستشارة له بشأن ليبيا. 

لم تنجح كل جهود وليامز في دفع مجلسي النواب والدولة إلى التفاهم حول قاعدة دستورية تفضي إلى انتخابات، بل تجدد أثناء ولايتها خلاف جديد طفا على السطح، منذ فبراير/ شباط الماضي بعد تكليف مجلس النواب حكومة جديدة، رُفضت من قبل مجلس الدولة وحكومة الوحدة الوطنية، ولم تتمكن حتى الآن من دخول عاصمة البلاد أو استلام مهامها بشكل رسمي. 

وتحوّل الصراع السياسي المحموم بين الحكومتين صراعاً مسلحاً، السبت الماضي، بين القوات التابعة للدبيبة والمؤيدة لباشاغا، أخرج الأخيرة من طرابلس، وأحكم سيطرة الدبيبة عليها، الأمر الذي فاقم حدة التوتر في البلاد، خصوصاً العاصمة، التي كانت مسرح الاشتباكات الأخيرة، ما يزيد من تحديات تنتظر المبعوث الجديد. 

إنهاء الانقسام الحكومي

في اجتماعات مجلس الأمن السابقة حول اختيار المبعوث الأممي، عبّر مندوب ليبيا في الأمم المتحدة الطاهر السني عن رفض حكومة الدبيبة تعيين باتيلي. 

هذا الرفض يراه المحلل السياسي أشرف قدورة لا يعود إلى شخص باتيلي، بل من منطلق "رغبة الدبيبة في دعم تعيين وزير الخارجية الجزائري السابق صبري بوقادوم المترشح أيضاً لهذا المنصب". 

يبرّر قدورة، في حديث لـ"العربي الجديد" رغبة الدبيبة في تعيين قادوم بأنّ "الجزائر هي الدولة الوحيدة التي أقرّ رئيسها (عبد المجيد تبون) بدعم حكومة الدبيبة واستمرار الاعتراف بشرعيتها"، مبيّناً أن دبلوماسيته لم تفلح في ذلك، خاصة "مع الإصرار الروسي والصيني والأفريقي على تعيين مبعوث أفريقي في هذا المنصب".

وتوقع قدورة أن لا تعارض حكومة الدبيبة التعامل مع باتيلي، بعد صدور قرار تعيينه، لا سيما أنّ تعيينه يأتي في سياق ما ينشده الدبيبة؛ "إجراء الانتخابات"، فضلاً عن أنّ "حكومة الدبيبة باتت طرفاً سياسياً، فترحيبها أو معارضتها، كما الأطراف الأخرى، لن يؤثر في عمل باتيلي". 

الدبيبة صرّح ليل الجمعة من تركيا بأنه تلقّى تأكيد الأتراك "على ضرورة أن تكون نهاية خريطة الطريق في ليبيا عبر انتخابات تشرف عليها حكومة الوحدة الوطنية، لتسلم بعدها السلطة لجهة منتخبة"، مطمئناً الليبيين بأنّ "كل المجتمع الدولي اجتمع على أنّ خريطة الطريق الليبية يجب أن تنتهي بانتخابات"، ومتوقعاً "ألا تطول مدة انتظارها". 

وفي خريطة طريق جديدة، يرى قدورة أنّ معناها "تفويض حكومة واحدة لقيادة المشهد، وصولاً للانتخابات"، وهذا يدفع إلى ضرورة "ترميم مشهد الانقسام الحكومي الحالي"، خاصة بعد تحوله إلى صراع مسلّح لا تريد الدول المتداخلة في الملف الليبي تجدده، وهي "أولى العقبات التي ستواجه عمل باتيلي في ليبيا".

ويختم متسائلاً عن مدى قدرة باتيلي في "الضغط على مجلسي النواب والدولة في هذا الاتجاه، ورعايته لطريق جديد تدفع لإنجاز قوانين انتخابية وأطر دستورية متفق عليها تقود للانتخابات".

التوفيق بين مجلسي النواب والدولة

وفي هذا السياق يتساءل الأكاديمي أحمد العاقل عن الكيفية التي سيتجاوز بها باتيلي كل العقبات التي واجهها منْ سبقوه من مبعوثيين أممين، لا سيما العقبات التي واجهها يان كوبتش ووليامز أثناء التجهيز للانتخابات، والتي أدت لاستقالة كوبيش المفاجئة، وخروج وليامز خالية الوفاض، بعد نجاحها السابق أثناء توليها منصب المبعوث الأممي بالإنابة في توحيد السلطة التنفيذية. 

يقول العاقل لـ"العربي الجديد" إنه "حتى السلطة التنفيذية عادت للانقسام من جديد، وفشلت كل جهود وليامز في ترميمها، كما فشلت في دفع المجلسين للاتفاق على القاعدة الدستورية، بسبب نفس النقاط الخلافية المتعلقة بشروط الترشح للرئاسة، على الرغم من كل الاجتماعات التي رعتها البعثة بين رئيسي المجلسين، وقبلها بين طرفي اللجنة المشتركة المشكلة من المجلسين أيضاً". 

عقبة التوفيق بين مجلسي النواب والدولة، برأي العاقل، أهم العقبات التي ستواجه عمل باتيلي، مذكّراً بالطريقة التي لجأت إليها وليامز حين شكّلت "ملتقى الحوار السياسي" من أعضاء كان أغلبهم من خارج المجلسين لتجاوز احتكارهما القرار. 

وقال مستدركاً، إنّ الملتقى نجح في توحيد السلطة التنفيذية، إلا أنه فشل في التوافق على قاعدة انتخابية، الأمر الذي أعاد الكرة لملعب المجلسين غير المتفقين، في شكل صراع يرى جزء كبير من الليبيين أنه متفق عليه بين المجلسين من أجل إفشال الانتخابات وتمديد عملهما، وقد عبّر ليبيون عن ذلك صراحة خلال احتجاجات شعبية اجتاحت أغلب أرجاء البلاد، في يوليو/ تموز الماضي. 

لا يستبعد العاقل لجوء باتيلي إلى ذات الآلية بتكوين جسم شبيه بملتقى الحوار، محذراً من الانقسام الحاصل على الأرض، لا سيما العسكري الذي يهدد وفق رأيه "إجراء أي عملية انتخابية لا تكون في صالح الأطراف المسيطرة على الأرض، بل وتهدد القبول بنتائجها أيضاً". 

ويتابع "أكثر التحديات التي يمكن أن يخشى من تأثيرها على أعمال وجهود باتيلي هو التوقيت، فوصوله إلى إدارة الملف الليبي يأتي في وقت أكثر حساسية وسخونة دولية من الفترات الماضية، فالملف الليبي يقع ضمن الملفات التي تتأثر بحالة الصراع الروسي-الأوروبي الأميركي، خصوصاً مع وجود حديث يشير إلى دعم روسيا والصين لشغل باتيلي هذا المنصب".

يستبعد العاقل أن يستمد باتيلي دعماً من الخلفية الأفريقية التي ينطلق منها، إذ إنّ "الحضور الأفريقي ضعيف التأثير في معادلات السياسة بليبيا، ولم يمثل أي دور في اختياره لهذا المنصب، كما لم يكن له دور في ترشح صبري بوقادوم الجزائري ولا في استبعاده". 

عضو المجلس الأعلى للدولة محمد معزب رأى أنّ "تعيين باتيلي لن يغير من الأمر شيئاً"، وقال عبر حسابه الشخصي على "فيسبوك": "تعيين أفريقي (في المنصب) يدل على أنّ الأمم المتحدة خفضت من تدخلها في الأزمة الحالية، فالصراع هنا إقليمي ودولي على مصالح استراتيجية كبيرة، والأطراف الليبية في غالبها وكلاء لهذه الدول". 

المساهمون