يزداد مستوى العنف في محافظة السويداء يوما بعد آخر، حيث سُجّل فيها الشهر الماضي مقتل 29 شخصا، في حين أصيب شخصان بجروح جراء حوادث متفرقة، الأمر الذي يترافق بدعوات مجتمعية لإطلاق سراح القانون المخطوف من السلطة، وتفعيل القضاء والضابطة العدلية، واللجوء إلى الحماية المجتمعية للوقوف بوجه تردي الوضع الأمني.
وقال يوسف ضو (46 عاما)، مقيم في السويداء، لـ"العربي الجديد"، إن "شعور الأهالي بانعدام الأمان والذي بدأ قبل سنوات في ظل المخاوف من الاعتقال التعسفي من قبل الأجهزة الأمنية، والمخاوف من حدوث اعتداءات عليهم من قبل الفصائل المتشددة المتواجدة في محيط المحافظة، وعصابات السلب والخطف، دفع الأهالي إلى اقتناء السلاح"، وإنه مع مرور الوقت تواردت إلى المحافظة كميات كبيرة من السلاح جزء منها "بيد فصائل محلية تمتلك حاضنة شعبية، وجزء بيد عصابات مرتبطة بالأجهزة الأمنية، وجزء بيد الأفراد".
وأضاف "مسألة امتلاك أي نوع من السلاح أمر في غاية السهولة، وقد تكون القنبلة اليدوية الأسهل بسبب رخص ثمنها، فتجد اليافعين يحملون قنبلة أو قنبلتين وهو مقتنع أنها ستحميه من أي شخص قد يحاول الاعتداء عليه".
وتابع "كما عززت الأعمال غير المشروعة كتجارة الوقود، نشر السلاح وخاصة بين الشباب، وأصبح أي شخص مهددا بأن يتم استخدام السلاح ضده أو العكس بأي خلاف كرد فعل طبيعي".
وكان موقع "السويداء 24" الإعلامي، نشر يوم أمس الثلاثاء، تقريرا اطلع عليه "العربي الجديد"، قال فيه، إنه رصد في شهر يناير/كانون الثاني 2022، مقتل 29 شخصاً وإصابة شخصين بجروح، في حين كان قد سجل في شهر يناير/كانون الثاني 2021، مقتل 10 أشخاص في محافظة السويداء، وإصابة 7 آخرين، جراء حوادث عنف متفرقة شهدتها المحافظة.
كما رصد مقتل 10 مدنيين من ضمن الحصيلة الكليّة، بينهم 7 ذكور، و2 إناث، وطفل واحد. وكانت ظروف مقتل المدنيين مختلفة، ففي حين قتل 4 مدنيين في جرائم جنائية عُرف القاتل فيها، و3 مدنيين قُتلوا في جرائم عنف أسرية (فتاتان وطفل)، إضافة إلى قتيلين في ظروف غامضة، وحالة انتحار واحدة.
ولفت التقرير إلى أن عدد القتلى الأكبر كان من نصيب أشخاص منخرطين في شبكات لتهريب المخدرات على الحدود السورية الأردنية جنوب محافظة السويداء، إذ قتل الجيش الأردني ما يزيد عن 30 مهرباً، حصلت السويداء 24 على أسمائهم، معظمهم ينتمون لعشائر الجنوب السوري. ومن بينهم 19 قتيلاً من عشائر محافظة السويداء.
انهيار أخلاقي
يشار إلى أن ذات الموقع وثّق في عام 2021 مقتل 134 شخصاً، وإصابة 90 آخرين بجروح، وفي عام 2020 وثق مقتل 137 شخصاً، وإصابة 171 آخرين، في محافظة السويداء، جراء حوادث العنف التي شهدتها المحافظة.
من جانبه، قال معتز حمد (57 عاما)، لـ"العربي الجديد"، إن ما يحدث في السويداء أمر طبيعي، مجتمع منهار اقتصاديا لا فرص عمل للشباب ولا فرص للسفر، وعشرات آلاف الشباب ملاحقون بسبب الاستنكاف عن الخدمة العسكرية في القوات النظامية، في ظل معاقبة السلطة للمجتمع عبر إطلاق يد عصبات الخطف والسلب والمرتبطة بالأجهزة الأمنية، مثل "عصابة راجي فلحوط ومعتز ومهند ورامي مزهر وسليم حميد ووائل الشعار وأيهم شقير، المتهمين من المجتمع بارتكاب العديد من الجرائم".
وأضاف "الضغوط النفسية والاقتصادية سبب رئيسي في زيادة الخلافات بين الناس، حتى أن هناك جرائم تقع داخل الأسرة، والقيادات المجتمعية مهما كان لديهم سلطة على المجتمع هي سلطة نابعة من الاحترام الناس لهم، لكن عندما ينهار الوضع الاقتصادي تنهار الأخلاق أيضا".
وأضاف "سبق أن طالب المجتمع عبر الوجهاء والناشطين بتطبيق القانون ورفع الغطاء عن العصابات وكف يد الأمن عن العبث بالمجتمع، لكن السلطة لم يكن لديها أي استجابة، واليوم الناس تدعو إلى الحماية المجتمعية، فالأهالي يحاولون أن يحمون أرزاقهم وسياراتهم ومحالهم التجارية من السرقة والاعتداء عليها، وهناك دعوات إلى أن تنظم هذه الحماية".
جرائم قتل نوعية
ومن جهته، قال رئيس مركز الطب الشرعي في السويداء الدكتور أكرم نعيم، في تصريح لصحيفة محلية نشر يوم أمس الثلاثاء، إن عدد المصابين الأحياء الذين خضعوا للفحص الطبي الشرعي في السويداء خلال العام الماضي، وصل إلى 995 مصاباً، في حين وصل عدد الوفيات التي تم تسجيلها ضمن سجلات الطبابة الشرعية للفترة ذاتها إلى 155 حالة وفاة، منها 67 حالة وفاة بسبب طلق ناري، إضافة إلى 10 حالات وفاة نتيجة شظايا قنابل 3 منها جاءت نتيجة تفجير المتوفى لنفسه عن طريق قنبلة يدوية، أما حالات الوفاة عن طريق الطعن بالسلاح الأبيض فتم تسجيل ثلاث حالات.
ولفت إلى أن ما تم توثيقه من خلال الكشف على المتوفين جراء عمليات الخطف، والبالغ عددهم 4 حالات، تمثّل بأن طرق القتل والتعذيب كانت حالات نوعية فيها الكثير من الإجرام والقسوة، وهذا إنذار خطير بما وصلت إليه درجة الإجرام على ساحة المحافظة، كما تؤكد عليها عمليات القتل عن طريق الخنق، سواء باليدين أم عن طريق الخنق بالأربطة التي تم الكشف عن 3 حالات منها خلال العام الماضي أيضاً.
كما قال نعيم إنه سجل 9 حالات انتحار على ساحة المحافظة للفترة نفسها، منها 4 حالات شنق إضافة إلى 3 حالات انتحار بتفجير قنبلة يدوية مع وجود حالة واحدة انتحار بطلق ناري.
بيئة غير آمنة
من جانبها، قالت باحثة اجتماعية في السويداء، طلبت عدم الكشف عن هويتها، إن "المجتمع يعاني من ارتفاع معدلات العنف المجتمعي والفردي بشكل واضح، إن كان في المدارس أو عمليات السطو والخطف والقتل وانتشار المخدرات وتعنيف النساء وانتشار السلاح والعصابات، كل ذلك تسبب بوجود شعور عام بفقدان الأمان وانتشار الخوف والريبة بين الأفراد، إضافة إلى الآثار الاقتصادية الكارثية من فقدان البيئة الآمنة للاستثمار إلى تخريب البنية التحتية، الأمر الذي يؤثر بشكل مباشر بفكرة الانتماء وتكريس التوجه للسفر والهجرة كحل للخلاص".
وأضافت "أسباب العنف عديدة، منها التربية المنزلية العنفية، والإعلام الذي يقدم شخصيات عنفية على أنها مثال للبطولة، إضافة إلى الفقر والبطالة، والجهل وتهميش الشباب، والتعصب"، لافتة إلى أن "الحد من العنف يحتاج إلى تضافر جهود الجميع من مؤسسات رسمية ومجتمع مدني ومجتمع أهلي، حيث نحتاج إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وتأمين مستوى معيشي لائق ونشر ثقافة القانون والمحاسبة، ونشر الوعي بثقافة الحوار والتسامح وإشراك الشباب في الحياة العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعديل توجهات الإعلام والمناهج الدراسية لتدعم قضية الابتعاد عن العنف، وغيرها من القضايا المهمة، لكن عبر خطة وطنية".