تكتسي مدينة سرت، وسط ليبيا، أهمية استراتيجية كبيرة، ما جعلها تتحول إلى نقطة فاصلة في الصراع الدائر في البلاد، وخصوصاً بعد انهيار مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في جنوب طرابلس ومحيطها، وانسحابهم إليها برفقة مئات من المقاتلين المرتزقة، من بينهم عناصر من مجموعة "فاغنر" الروسية.
وعلى الرغم من الجمود الميداني الذي يسيطر على مختلف محاور القتال في محيط المدينة للأسبوع الثالث، بعد تقدم قوات حكومة "الوفاق" باتجاهها من ثلاثة محاور، إلا أن قادة قوات الحكومة لا يزالون على إصرارهم في ضرورة اقتحام المدينة واستعادة السيطرة عليها.
وعبر الصفحات الرسمية لقوات حكومة "الوفاق"، لا تزال الأنباء تشير إلى الاستمرار في تحشيد القوات والآليات المسلحة باتجاه محاور القتال غرب سرت وجنوب غربها، على الرغم من أنّ الحديث إلى وقت قريب كان يتمحور حول إعادة السيطرة على قاعدة الجفرة الجوية الواقعة إلى جنوب طرابلس بنحو 650 كيلومتراً.
تركيا تؤيد دخول "الوفاق" أولاً
وتكشف مصادر مطلعة مقرّبة من حكومة "الوفاق" تحدثت، لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، عن وجود مفاوضات مباشرة مع روسيا من أجل تسليم قاعدة الجفرة، لكن الرفض الروسي يتّجه للحؤول دون دخول قوات "الوفاق" مدينة سرت، مؤكدة أن عناصر "فاغنر" هم من يقودون معركة الدفاع عن سرت.
وتؤكد المصادر ذاتها أنّ مليشيات حفتر لم يبقَ منها سوى القليل برفقة الكتيبة "604" السلفية التي تنتمي إلى المدينة، وقد سلمت أهمّ مقارّها لقوات "فاغنر".
وأشارت المصادر، في هذا الصدد، إلى أنّ "الخلافات قائمة حالياً بين روسيا وتركيا؛ ممثلي طرفي الصراع في ليبيا، حول موقع سرت من المعادلة الجديدة، فإذا كان الاتجاه نحو طاولة التفاوض، تصرّ تركيا على ضرورة دخول قوات الحكومة التي تقدم لها الدعم العسكري إلى المدينة".
وعلاوة على كونها مسقط رأس العقيد الراحل معمر القذافي، الذي سعى لتحويلها إلى مركز مهم من مراكز البلاد، خلال العقود الأخيرة من حكمه، فقد تحولت المدينة خلال عامي 2015 و2016 إلى عاصمة لتنظيم "داعش" ومصدر قلق عالمي، ما حدا حكومة "الوفاق" إلى إطلاق عملية "البنيان المرصوص"، التي كانت قوات مدينة مصراتة قوامها الرئيسي، ونجحت في تحرير المدينة وتشتيت شمل التنظيم، وإضعاف قوته في البلاد.
ومنذ سقوط منطقة الهلال النفطي، وسط البلاد والمتاخم لسرت، عام 2017، في قبضة حفتر توقفت مليشياته عن التقدم باتجاه سرت التي كانت تسيطر عليها وقتها قوات "البنيان المرصوص"، إلى أن اقتحمتها وسيطرت عليها، مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، خلال بحث حفتر عن خطط بديلة لتخفيف الضغط عن مليشياته جنوب طرابلس، ومحاولة تحييد قوة مصراتة التي تشكل العمود الفقري لقوات "الوفاق" التي توجهه في جنوب العاصمة.
اقــرأ أيضاً
أهمية استراتيجية ومواقع النفط
وتختلف الأسباب حول عدم الفصل في قضية سرت وتحولها إلى كواليس التفاهمات الإقليمية والدولية، بحسب مصالح الدول المتدخلة في الملف الليبي ومواقعها، بحسب الأكاديمي الليبي خليفة الحداد.
ويرى الحداد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "للمدينة أهمية استراتيجية بالنسبة إلى الداخل الليبي. فهي تنتصف المسافة بين الشرق والغرب، وعلاوة على إشرافها على شبكات الطرقات الصحراوية المعقدة، فهي تسيطر على أقصر الطرق المؤدية إلى الجنوب الغني بالنفط، وتشرف على منطقة الهلال النفطي، أغنى أقاليم ليبيا بالطاقة".
وتبدو تلك الأهمية في دوافع دخول المدينة بأتون المشاورات التي تجريها كبرى الدول، وتحديداً روسيا وتركيا، بالنيابة عن أطراف الصراع المحلية والإقليمية.
ويوضح الحداد أنّ "القاهرة التي تتقاطع مصالحها وراء الاندفاع الروسي في المنطقة، تهتم أساساً بورقة النفط، كورقة رابحة، في أي طاولة للتفاوض، كما أنها تدرك جيداً أهمية هذه الورقة بالنسبة للمجتمع الدولي".
وتحافظ القاهرة على هذه الورقة من خلال دعمها للقطاعات القبلية التي تقع منابع النفط في أراضيها وضمن نفوذها، كقبائل المغاربة المسيطرة على الهلال النفطي، والمجابرة والزوية المسيطرة على المنابع في الجنوب، فقد سبق أن قدمت هذه القبائل الدعم الكامل لحفتر في حروبه، كذلك فإنها تقف اليوم مع الدعوة المصرية للحل السياسي التي تبنت مبادرة رئيس مجلس النواب المجتمع بطبرق، عقيلة صالح.
وبحسب الحداد، فإنّ الموقف الروسي معقد إلى حد كبير، موضحاً أنّ "أهداف روسيا لا تقف عند حد استثمار المصالح المصرية في ليبيا لحشد موقف القاهرة لمصلحتها، بل أيضاً تتجه إلى الضغط للحصول على موقع قدم في إحدى القواعد العسكرية الليبية التي يمكن أن تساعدها على مدّ بصرها إلى فضاءات أفريقية ومغاربية أوسع".
بوابة إتمام اتفاق "الوفاق" وتركيا
وعلى الرغم من التقارب التركي الروسي خارج الملف الليبي، إلا أن الحداد يرى أنّ الصدام بين الدولتين بدأ بعد خسارة موسكو لقاعدة "الوطية"، جنوب غرب طرابلس، التي كانت تأمل روسيا أن تكون قاعدتها الاستراتيجية التي يمكنها مدّ بصرها إلى الفضاء المغاربي والأفريقي، وشمالاً نحو أوروبا، لكنها خسرتها بسبب الدعم التركي لقوات حكومة "الوفاق".
وعن أهمية سرت في كواليس عواصم الثقل في الملف الليبي، يعدد المحلل السياسي الليبي مروان ذويب، أسباباً أخرى لتلك الأهمية، قائلاً إن حديث الدول الكبرى والإقليمية عن طاولة التفاوض السياسي "لن تمرّ إلا من خلال التفاهمات حول مواقع التماس بين قوات الشرق وقوات الحكومة، وتحديداً في سرت".
ويؤكد ذويب، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "لسرت أهمية كبيرة بالنسبة إلى تركيا وحكومة الوفاق في إكمال تنفيذ الاتفاقات الموقعة بينها نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وخصوصاً الاتفاق البحري".
ويوضح قائلاً: "غني عن البيان أن سرت تعيش فوق أكبر حوض للغاز في المتوسط، وصلتها بالحدود المائية التي أثارتها الاتفاقية البحرية بين تركيا وحكومة الوفاق التي لا تزال محل جدل بين دول البحر المتوسط صلة كبيرة ووثيقة"، معتبراً أن "الاتفاق البحري بين أنقرة وطرابلس لن يكون له أي تأثير أو أهمية دون السيطرة على سرت".
اقــرأ أيضاً
تضارب المواقف بين روسيا وأوروبا
وبحسب معلومات ذويب، فإنّ "فشل المفاوضات الروسية التركية التي كانت أنقرة تعتزم استضافتها وخفض مستوى التمثيل فيها، راجع إلى شكل من التفاهمات قدمته موسكو لأنقرة لا يمكّنها من السيطرة على سرت".
ويلفت ذويب إلى تضارب كبير في مواقف موسكو والأوروبيين بشأن الفصل الحالي من الصراع الليبي حول سرت، مشيراً إلى أنّ "دولاً أوروبية تدرك جيداً أهمية قاعدة القرضابية الجوية في سرت، التي تعتبر أهم قواعد ليبيا المشرفة على المتوسط، يمكن أن تقض مضجع الأوروبيين إذا عسكرت روسيا وحولتها إلى قاعدة دائمة لها".
ويؤكد ذويب أن "سرت محل الجدل الدولي والإقليمي، وفيها تتشابك المصالح وتتقاطع بشكل كبير، ما يجعلها الفصل الأخير في مسلسل الصراع الدولي في ليبيا".
وعبر الصفحات الرسمية لقوات حكومة "الوفاق"، لا تزال الأنباء تشير إلى الاستمرار في تحشيد القوات والآليات المسلحة باتجاه محاور القتال غرب سرت وجنوب غربها، على الرغم من أنّ الحديث إلى وقت قريب كان يتمحور حول إعادة السيطرة على قاعدة الجفرة الجوية الواقعة إلى جنوب طرابلس بنحو 650 كيلومتراً.
تركيا تؤيد دخول "الوفاق" أولاً
وتكشف مصادر مطلعة مقرّبة من حكومة "الوفاق" تحدثت، لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، عن وجود مفاوضات مباشرة مع روسيا من أجل تسليم قاعدة الجفرة، لكن الرفض الروسي يتّجه للحؤول دون دخول قوات "الوفاق" مدينة سرت، مؤكدة أن عناصر "فاغنر" هم من يقودون معركة الدفاع عن سرت.
وتؤكد المصادر ذاتها أنّ مليشيات حفتر لم يبقَ منها سوى القليل برفقة الكتيبة "604" السلفية التي تنتمي إلى المدينة، وقد سلمت أهمّ مقارّها لقوات "فاغنر".
وأشارت المصادر، في هذا الصدد، إلى أنّ "الخلافات قائمة حالياً بين روسيا وتركيا؛ ممثلي طرفي الصراع في ليبيا، حول موقع سرت من المعادلة الجديدة، فإذا كان الاتجاه نحو طاولة التفاوض، تصرّ تركيا على ضرورة دخول قوات الحكومة التي تقدم لها الدعم العسكري إلى المدينة".
وعلاوة على كونها مسقط رأس العقيد الراحل معمر القذافي، الذي سعى لتحويلها إلى مركز مهم من مراكز البلاد، خلال العقود الأخيرة من حكمه، فقد تحولت المدينة خلال عامي 2015 و2016 إلى عاصمة لتنظيم "داعش" ومصدر قلق عالمي، ما حدا حكومة "الوفاق" إلى إطلاق عملية "البنيان المرصوص"، التي كانت قوات مدينة مصراتة قوامها الرئيسي، ونجحت في تحرير المدينة وتشتيت شمل التنظيم، وإضعاف قوته في البلاد.
ومنذ سقوط منطقة الهلال النفطي، وسط البلاد والمتاخم لسرت، عام 2017، في قبضة حفتر توقفت مليشياته عن التقدم باتجاه سرت التي كانت تسيطر عليها وقتها قوات "البنيان المرصوص"، إلى أن اقتحمتها وسيطرت عليها، مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، خلال بحث حفتر عن خطط بديلة لتخفيف الضغط عن مليشياته جنوب طرابلس، ومحاولة تحييد قوة مصراتة التي تشكل العمود الفقري لقوات "الوفاق" التي توجهه في جنوب العاصمة.
أهمية استراتيجية ومواقع النفط
وتختلف الأسباب حول عدم الفصل في قضية سرت وتحولها إلى كواليس التفاهمات الإقليمية والدولية، بحسب مصالح الدول المتدخلة في الملف الليبي ومواقعها، بحسب الأكاديمي الليبي خليفة الحداد.
وتبدو تلك الأهمية في دوافع دخول المدينة بأتون المشاورات التي تجريها كبرى الدول، وتحديداً روسيا وتركيا، بالنيابة عن أطراف الصراع المحلية والإقليمية.
ويوضح الحداد أنّ "القاهرة التي تتقاطع مصالحها وراء الاندفاع الروسي في المنطقة، تهتم أساساً بورقة النفط، كورقة رابحة، في أي طاولة للتفاوض، كما أنها تدرك جيداً أهمية هذه الورقة بالنسبة للمجتمع الدولي".
وتحافظ القاهرة على هذه الورقة من خلال دعمها للقطاعات القبلية التي تقع منابع النفط في أراضيها وضمن نفوذها، كقبائل المغاربة المسيطرة على الهلال النفطي، والمجابرة والزوية المسيطرة على المنابع في الجنوب، فقد سبق أن قدمت هذه القبائل الدعم الكامل لحفتر في حروبه، كذلك فإنها تقف اليوم مع الدعوة المصرية للحل السياسي التي تبنت مبادرة رئيس مجلس النواب المجتمع بطبرق، عقيلة صالح.
وبحسب الحداد، فإنّ الموقف الروسي معقد إلى حد كبير، موضحاً أنّ "أهداف روسيا لا تقف عند حد استثمار المصالح المصرية في ليبيا لحشد موقف القاهرة لمصلحتها، بل أيضاً تتجه إلى الضغط للحصول على موقع قدم في إحدى القواعد العسكرية الليبية التي يمكن أن تساعدها على مدّ بصرها إلى فضاءات أفريقية ومغاربية أوسع".
بوابة إتمام اتفاق "الوفاق" وتركيا
وعلى الرغم من التقارب التركي الروسي خارج الملف الليبي، إلا أن الحداد يرى أنّ الصدام بين الدولتين بدأ بعد خسارة موسكو لقاعدة "الوطية"، جنوب غرب طرابلس، التي كانت تأمل روسيا أن تكون قاعدتها الاستراتيجية التي يمكنها مدّ بصرها إلى الفضاء المغاربي والأفريقي، وشمالاً نحو أوروبا، لكنها خسرتها بسبب الدعم التركي لقوات حكومة "الوفاق".
وعن أهمية سرت في كواليس عواصم الثقل في الملف الليبي، يعدد المحلل السياسي الليبي مروان ذويب، أسباباً أخرى لتلك الأهمية، قائلاً إن حديث الدول الكبرى والإقليمية عن طاولة التفاوض السياسي "لن تمرّ إلا من خلال التفاهمات حول مواقع التماس بين قوات الشرق وقوات الحكومة، وتحديداً في سرت".
ويؤكد ذويب، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "لسرت أهمية كبيرة بالنسبة إلى تركيا وحكومة الوفاق في إكمال تنفيذ الاتفاقات الموقعة بينها نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وخصوصاً الاتفاق البحري".
ويوضح قائلاً: "غني عن البيان أن سرت تعيش فوق أكبر حوض للغاز في المتوسط، وصلتها بالحدود المائية التي أثارتها الاتفاقية البحرية بين تركيا وحكومة الوفاق التي لا تزال محل جدل بين دول البحر المتوسط صلة كبيرة ووثيقة"، معتبراً أن "الاتفاق البحري بين أنقرة وطرابلس لن يكون له أي تأثير أو أهمية دون السيطرة على سرت".
وبحسب معلومات ذويب، فإنّ "فشل المفاوضات الروسية التركية التي كانت أنقرة تعتزم استضافتها وخفض مستوى التمثيل فيها، راجع إلى شكل من التفاهمات قدمته موسكو لأنقرة لا يمكّنها من السيطرة على سرت".
ويلفت ذويب إلى تضارب كبير في مواقف موسكو والأوروبيين بشأن الفصل الحالي من الصراع الليبي حول سرت، مشيراً إلى أنّ "دولاً أوروبية تدرك جيداً أهمية قاعدة القرضابية الجوية في سرت، التي تعتبر أهم قواعد ليبيا المشرفة على المتوسط، يمكن أن تقض مضجع الأوروبيين إذا عسكرت روسيا وحولتها إلى قاعدة دائمة لها".
ويؤكد ذويب أن "سرت محل الجدل الدولي والإقليمي، وفيها تتشابك المصالح وتتقاطع بشكل كبير، ما يجعلها الفصل الأخير في مسلسل الصراع الدولي في ليبيا".