ليبيا: سرت عقدة التفاهم الروسي التركي

16 يونيو 2020
قوات حكومة الوفاق تتحضر للهجوم على سرت (الأناضول)
+ الخط -


تتحوّل مدينة سرت، الواقعة بين طرابلس وبنغازي، إلى عقدة جديدة في الصراع الليبي، تحديداً بين تركيا وروسيا، بعدما أدى اختلاف وجهات النظر بينهما حولها إلى تأجيل زيارة وفد روسي إلى تركيا، كانت مقررة الأحد، بهدف إجراء مباحثات لوقف إطلاق نار مستدام في ليبيا، مع رفض موسكو تقدّم قوات حكومة الوفاق الليبية بهدف السيطرة على المدينة، وسط تساؤلات عن إمكانية توافق البلدين وانعكاسات هذا الخلاف في حال لم يتم حله، على ملفات أخرى لا سيما في سورية. يترافق ذلك مع استمرار تفاعل قضية المقابر الجماعية في ترهونة، التي تم اكتشافها بعد انسحاب مليشيات خليفة حفتر من المدينة.

وبعد تأجيل زيارة وزيري الخارجية والدفاع الروسيين سيرغي لافروف وسيرغي شويغو إلى تركيا، والتي كانت مقررة الأحد، نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول تركي لم تسمه أن الطرفين أجلا الزيارة بسبب خلاف يتعلق بمسعى حكومة الوفاق لاستعادة السيطرة على مدينة سرت. وقال المسؤول لـ"رويترز"، إن محادثات عبر قنوات خلفية مستمرة على مستوى الخبراء. وأضاف "كان من المفترض أن تخرج (الاجتماعات) بنتيجة، لكن لم يتسن الوصول إلى هذه المرحلة. هناك قضايا يقف البلدان منها على طرفي نقيض". وتابع قائلاً "إحدى القضايا الرئيسية التي أدت لتأجيل زيارة لافروف هي خطة (حكومة الوفاق الوطني) لشن عملية في سرت... التي أصبحت هدفاً". وكانت وزارة الخارجية الروسية قد قالت، الأحد، إنها تسعى إلى "وقف فوري لإطلاق النار" وإن لافروف سيعيد تحديد موعد للاجتماع.

لكن وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو أكد أن "لا مشاكل لجهة المبادئ الأساسية في المباحثات مع الروس"، معلناً أن المباحثات بين البلدين ستتواصل لضمان وقف إطلاق نار دائم في ليبيا. وفي مؤتمر صحافي مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف في إسطنبول، أمس، أوضح جاووش أوغلو أن الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، اتفقا على مواصلة العمل المشترك من أجل هدنة دائمة في ليبيا. ولفت إلى عقد اجتماعات على المستوى الفني بين البلدين في هذا الإطار، مضيفاً: "رأينا في هذه الاجتماعات أنه ما من خلاف مع روسيا حول المبادئ الأساسية". وأضاف "قررنا مواصلة المفاوضات على المستوى الفني من أجل ترسيخ الهدنة، وكذلك من أجل تحديد تفاصيل الخطوات التي يجب اتخاذها بعد وقف إطلاق النار".

وقال الوزير التركي "عندما تكون هناك هدنة في ليبيا، بالطبع هذا لن يكون أحادي الجانب، فهناك أطراف متنازعة، وقبائل، ووجهات نظر مختلفة، ومواقف مختلفة"، معتبراً أن القرار الصادر عن تركيا وروسيا حول تطبيق الهدنة قد لا يكون واقعياً من دون التباحث حول القضايا التاريخية والقضايا الأخرى أو من دون موافقة الليبيين وخصوصاً حكومة الوفاق. وأشار إلى توقيع رئيس الحكومة فائز السراج على تفاهم وقف إطلاق النار بين تركيا وروسيا في حين رفض خليفة حفتر التوقيع عليه، كما أن الأخير لم يدعم أيضاً مخرجات مؤتمر برلين، ثم نصّب نفسه حاكماً لليبيا بعدما بدأ في تلقي الهزائم. وتابع حديثه بشأن المباحثات التركية الروسية: "لم تتزعزع الطاولة من أجل هذا السبب أو ذاك؛ لكن هذه المرة هناك مسار قد يأخذ ليبيا إلى وقف إطلاق نار دائم وإلى العملية السياسية، ونحن بحاجة للحديث عن تفاصيل أكثر". وأضاف "بعد تبلور هذه الأمور، نحتاج إلى لقاء على المستوى الوزاري، وأن نوقع وثيقة مشتركة أو نعلن عن بيان مشترك، ولهذا السبب، اتفقنا على مواصلة المباحثات على المستوى الفني سواء بيننا (تركيا وروسيا) أو مع الليبيين". وأكد أنه تباحث، الأحد، هاتفياً مع نظيره الروسي سيرغي لافروف مرتين. وقال "لقد اتخذنا قرار التأجيل (زيارة لافروف) معاً، وأكدنا عقد اللقاء في الفترة المقبلة عندما تتبلور هذه الأمور"، مشدداً على ضرورة "عدم حرف هذا الموضوع عن سياقه وأخذه إلى مكان آخر، فلا علاقة له إطلاقاً لا بسورية ولا بمنطقة إدلب".


لكن مراقبين يشيرون إلى أن روسيا ترغب بوقف حكومة الوفاق عملياتها العسكرية وتقّدمها لا سيما عدم مهاجمة سرت والجفرة والهلال النفطي، بينما ترفض أنقرة هذا الطلب، وفق غالب دالاي، الزميل الباحث في أكاديمية روبرت بوش، الذي أضاف في حديث لـ"رويترز": "إذا لم تؤتِ المحادثات التركية الروسية ثمارها، فربما نشهد حينها تصعيداً في كل من ليبيا ومنطقة إدلب".

في غضون ذلك، نقلت وكالة "رويترز" عن مصدر تركي أن أنقرة وحكومة الوفاق تبحثان إمكانية استخدام تركيا قاعدة مصراتة البحرية وقاعدة الوطية الجوية في ليبيا، في تثبيت لوجود تركي دائم في منطقة جنوب المتوسط. ولم تتخذ قرارات نهائية بعد بشأن الاستخدام التركي العسكري المحتمل للقاعدتين. وكانت حكومة الوفاق قد استعادت السيطرة أخيراً على قاعدة الوطية. وقال المصدر "استخدام تركيا للوطية على جدول الأعمال". وأضاف "قد يكون من الممكن أيضاً أن تستخدم تركيا قاعدة مصراتة البحرية".

في سياق آخر، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري، خلال مشاركته في ندوة بعنوان "الدبلوماسية المصرية: التعامل مع التحديات الراهنة"، أمس، إن مبادرة القاهرة حول ليبيا، والتي أعلنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بحضور حفتر ورئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، تتسق مع الجهود والمبادرات الدولية والأممية القائمة، وتهدف إلى ضمان التمثيل العادل لكافة أقاليم ليبيا الثلاثة، وتوحيد مؤسساتها وتنظيم دورها.

على صعيد آخر، لا تزال قضية الكشف عن 11 مقبرة جماعية في مدينة ترهونة تتفاعل، بعدما تمكنت قوات الوفاق، في 5 يونيو/ حزيران الحالي، من تحرير المدينة من مليشيات حفتر ومرتزقة أجانب. وأصدرت حكومة الوفاق، أمس، أمراً بالقبض على 20 من حلفاء حفتر، بتهمة ارتكاب جرائم المقابر الجماعية في ترهونة. وذكرت عملية "بركان الغضب" التابعة للحكومة، في بيان على حسابها في موقع "فيسبوك"، أن "النائب العام (الليبي) أصدر أمر قبض بحق 20 متهماً بارتكاب جرائم المقابر الجماعية في ترهونة، على رأسهم أبناء الكاني، الذين قادوا عصابة إجرامية تحالفت مع مليشيات حفتر الإرهابية والمرتزقة". وأرفق البيان بصور المتهمين الرئيسيين محمد خليفة الكاني، وعبد الرحمن الكاني، وعمر الكاني، إضافة إلى أسماء 17 متهماً آخرين.