وتقول المصادر المصرية، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إنّ "الوضع الراهن سيئ للغاية"، مضيفةً: "يبدو أننا أصبحنا أمام أمر واقع ببدء إثيوبيا في التخزين من دون الاتفاق النهائي معنا ومع السودان". وتوضح أنّ "تلك الخطوة تمثل خطورة في حدّ ذاتها، خصوصاً أنّ التخزين التمهيدي هذا العام سيكون في حدود أربعة مليارات متر مكعب من المياه، ولن يضرّ كثيراً بالحصة المصرية، ولكن الخطورة الأكبر تكمن في النهج الإثيوبي".
وتؤكد المصادر أنّ ردود الفعل بشأن الخطاب الذي أرسلته مصر لمجلس الأمن، لم تكن على المستوى المنتظر من قبل القيادة السياسية والدبلوماسية المصرية، على الرغم من أنها تلقت تحذيرات مسبقة من أن هذه الخطوة (إرسال الخطاب)، لن تفضي إلى شيء، بل ربما ستكون لها تبعات سلبية على الموقف المصري، في إشارة إلى تحذير خمسة من خبراء القانون الدولي، استطلعت القيادة السياسية آراءهم قبل إرسال الخطاب. وتشير المصادر إلى أنه مما يفاقم الموقف المصري سوءاً، أنه يضاف إلى جملة مصاعب متعلقة "بانشغال الجميع بجائحة كورونا، وصعوبة الوضع لدى القوى العالمية، بما فيها أميركا، ودول أوروبية كبرى".
وتلفت المصادر إلى معلومات تتوفر لدى الدبلوماسية المصرية، تؤكد أنّ "إثيوبيا نقلت عبر وسطاء في مقدمتهم الولايات المتحدة والسودان، أنها لن تعود لمسار مفاوضات واشنطن بتفاصيله السابقة، مطالبةً بإقرار مبادئ عامة جديدة قبل العودة لطاولة المفاوضات مجدداً، وفي مقدمة تلك المبادئ التوافق العام بشأن الحصة الإثيوبية الثابتة من المياه، ومن ثمّ التوافق بعد اقتطاع تلك الحصة، على ما سيتم تمريره من المياه خلال عملية ملء خزان السد"، مشددةً: "الأمر يزداد صعوبة".
يذكر أنه في عام 1959 وقّعت القاهرة مع السودان، الذي حصل على استقلاله في 1956، اتفاقاً ينظم اقتسام المياه، تحصل مصر بموجبه على 55.5 مليار متر مكعب بينما يحصل السودان على 18,5 مليار، كون العشرة مليارات الباقية من ماء النهر تضيع بالتبخر.
وتعتزم إثيوبيا البدء في تخزين نحو خمسة مليارات متر مكعب من المياه خلف سد النهضة مطلع يوليو/تموز المقبل، من دون التوصّل لاتفاق نهائي مع بلدي المصب؛ مصر والسودان، وسط وقوف القاهرة عاجزة عن التحرك أمام حكومة أديس أبابا، وفي ظلّ مخاوف من عجز شديد سيصيب حصتها من المياه.
وأكد وزير المياه والكهرباء الإثيوبي، سيلشي بكلي، أمس الخميس، أنّ بلاده لها الحق في استخدام 86 في المائة من المياه التي تسهم بها في نهر النيل، من دون تحديد أوجه الاستخدام، وما إن كانت ستقتصر على توليد الكهرباء فقط من سدّ النهضة، أم أنّ الأمر سيطاول قطاعات أخرى. وسبق أن انفرد "العربي الجديد" بكشف تمسّك إثيوبيا خلال مفاوضات واشنطن، بحصولها على حصة ثابتة من مياه النيل، باعتبارها المساهم الأكبر في مياهه، على غرار مصر والسودان، وذلك لاستخدامها في أنشطة الزراعة، في وقت توجهت فيه العديد من الدول الخليجية والأوروبية للاستثمار الزراعي هناك.
وقال الوزير الإثيوبي خلال جلسة توضيحية مع عدد من السفراء الأجانب لدى بلاده، بحضور وزير الدولة للشؤون الخارجية رضوان حسين، إنّ إثيوبيا لديها موارد محدودة لتوليد الكهرباء فقط، في وقت تمتلك مصر قدرة على توليد عشرة أضعاف القوة التي تمتلكها أديس أبابا. وقال بكلي في تصريحات أدلى بها لصحافيين محليين إنه تمّ تقديم تفسيرات تفصيلية للسفراء حول الصعوبات التي واجهتها دولته خلال المفاوضات، مشدداً على أن السدّ ليس له ضرر كبير على أي من دول المصب. وأكّد أنّ الحق في استخدام المياه يجب أن يكون للجميع، ولا يمكن قبول معاهدة استعمارية تمّ التوقيع عليها في إثيوبيا، على الإطلاق تحت أي ظرف، مضيفاً أنّ الأخيرة لديها فقط الرغبة في الاستخدام العادل للموارد. وذكر أنه سيتم تعزيز الدبلوماسية حول السدّ، وسيتم تنظيم منتدى لدول الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا بهذا الشأن.
من جانبه، قال وزير الدولة للشؤون الخارجية الإثيوبي، رضوان حسين، إنّ بلاده ستواصل جهودها الدبلوماسية للتوضيح للجميع أنّ السدّ سيلعب دوراً حاسماً، ليس فقط في توفير الكهرباء، ولكن أيضاً في تغيير معيشة المواطنين.
وفي تطور لافت يعدّ الأول من نوعه منذ فترة طويلة، اجتمع عبر تقنية "الفيديو كونفرنس"، أول من أمس الأربعاء، رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي بنظيره السوداني عبد الله حمدوك، إضافة إلى وزيري الخارجية والري ورئيسي جهازي المخابرات للبلدين. وتناول الاجتماع ملف سدّ النهضة من جوانبه كافة. وأوضح حمدوك، بحسب بيان صادر عن مجلس الوزراء المصري، أنه سيجري اتصالاً برئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لاستيضاح موقفه إزاء العودة إلى طاولة المفاوضات على أساس مسار واشنطن.