اتصالات أوروبية لإخلاء سبيل النشطاء السياسيين في مصر

24 ابريل 2020
مُنعَت الزيارات عن المساجين (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

كشفت مصادر دبلوماسية أوروبية في القاهرة عن إجراء بعض السفارات الغربية، خلال الأسبوع الماضي، اتصالات بالسلطات الأمنية والقضائية المصرية، للمطالبة بإخلاء سبيل السجناء المدانين، والنشطاء المحبوسين احتياطياً على ذمة قضايا ذات طابع سياسي، لإنقاذهم من الأوضاع التي لا يمكن التنبؤ بمستقبلها داخل السجون، في ظل أزمة وباء كورونا. يأتي هذا وسط استمرار اتخاذ تدابير تزيد من عزلة السجناء بمنع الزيارة عنهم، وتقليل فرص اللقاء بدفاعهم، فضلاً عن وقف خروجهم من محبسهم لحضور جلسات نظر تجديد الحبس، وغيرها من الإجراءات التي كانت سارية إلى ما قبل مارس/ آذار الماضي.

وذكرت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن ما دفع السفارات إلى تجديد تلك الاتصالات على الصعيد الحقوقي، فتح النظام المصري قضايا جديدة، غير معروفة التفاصيل حتى الآن، لعدد من النشطاء السياسيين الذين كانوا محبوسين على ذمة قضايا أخرى، ولا سيما بعض المتهمين في القضية المعروفة إعلامياً بـ"خلية الأمل"، الذين ضُمّوا إلى عدد من أعضاء جماعة "الإخوان المسلمين" في قضية جديدة رقمها 571 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، أُدرِج المتهمون فيها على قوائم الإرهاب مطلع الأسبوع الماضي. وألقت السلطات القبض على عدد من الأشخاص من دوائر يمكن تصنيفها بـ"الحقوقية"، لفتح قضايا جديدة غير معروفة التفاصيل أيضاً، ما يعكس عدم توقف الآلة الأمنية عن ممارسة وظيفتها حتى في ظروف الجائحة الحالية.

وذكرت المصادر أن بعض السفارات تحدثت تحديداً عن موقف الباحث في جامعة بولونيا الإيطالية باتريك جورج، المحبوس على ذمة قضية ترتبط كل وقائعها بكتابات على موقع "فيسبوك"، وذلك بعد تجديد منظمات أوروبية ودوائر أكاديمية عديدة في إيطاليا مناشدة السفير الإيطالي في القاهرة جامباولو كانتيني وغيره من السفراء التدخل لحل مشكلة الطالب، أو على الأقل إخلاء سبيله على ذمة القضية، في ظل انتفاء مبررات الحبس الاحتياطي عموماً في مصر حالياً، نظراً لعدم إمكانية مغادرة البلاد وسهولة تعقب المتهمين في تدابير حظر التجول المعمول بها.

ورجحت المصادر أن يكون فتح قضايا جديدة هذا العام، لمتهمين في قضايا أخرى سبق أن حُبسوا أو أُدينوا، مخططاً من أطراف معينة داخل النظام المصري، يهدف إلى تعطيل مسار التفاوض بين أجهزة في النظام ودوائر غربية أو حقوقية مصرية لإخلاء سبيل المتهمين، وخصوصاً المحبوسين على ذمة قضية "خلية الأمل" منذ يوليو/ تموز الماضي، التي أضيف إليها متهمون آخرون في الفترة التالية لأحداث 20 سبتمبر/ أيلول الماضي، التي شهدت تظاهرات شعبية واسعة النطاق ضد النظام.



وقبل انشغال العالم بأزمة كورونا، كانت حالة من عدم الارتياح تسيطر على مسؤولي الملفات الإعلامية والأهلية والحقوقية بالسفارات الأوروبية في مصر، بسبب استمرار تجاهل وزير الخارجية سامح شكري، وغيره من المسؤولين في وزارته وفي الداخلية أيضاً، لاعتراضاتهم المتوالية على سوء الأوضاع الحقوقية، ولا سيما أوضاع السجناء، فضلاً عن التضييق المطرد على الشخصيات الحقوقية البارزة. بل وتلميح بعض المسؤولين المصريين للدبلوماسيين الأجانب بأنه لولا تدخلهم لكان قد قُبض على عدد من النشطاء الموجودين خارج السجون، لكنهم في الوقت نفسه ممنوعون من السفر على ذمة قضايا عدة، أبرزها قضية التمويل الأجنبي للمجتمع الأهلي، التي لم ينته رسمياً التحقيق فيها حتى الآن، بعد أكثر من 4 سنوات من الاستدعاءات والفحص والملاحقة الأمنية وقرارات المنع من السفر وتجميد الأموال.

وسبق أن قالت مصادر أوروبية، لـ"العربي الجديد"، إن جزءاً مما دفع الأوروبيين إلى اتخاذ خطوات تنسيقية للضغط على النظام المصري هو الوضع المحرج لوزارات الخارجية في بعض الدول، مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا والسويد وسويسرا، أمام المعارضة البرلمانية ووسائل الإعلام المحلية لديها، التي تنتقد سياستها في تقديم دعم، بصور مختلفة، للدولة المصرية، سواء من خلال الحكومة أو المجتمع المدني، في ظل تردي الأوضاع الحقوقية تحت حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، ما يمثل دائماً دافعاً إلى المطالبة بتقليص المساعدات والقروض لمصر ووقف مشاريع تعاون في مجالات مختلفة.

ووفقاً للمصادر، ثمة ثلاثة مواضيع ساهمت في إحياء هذا التواصل الأوروبي، الذي كان منقطعاً في هذا الشأن منذ أشهر، أولها القبض على باتريك جورج والضغوط السياسية الكبيرة التي تعرضت لها الحكومة الإيطالية في هذا الموضوع من قبل حزب "حركة الخمسة نجوم"، الذي ينتمي إليه وزير الخارجية لويجي دي مايو، ورئيس مجلس النواب روبرتو فيكو، ونائب رئيس البرلمان الأوروبي فابيو ماسيمو كاستالدو. وكان كاستالدو وراء صدور بيان من البرلمان الأوروبي، في 12 فبراير/ شباط الماضي، يطالب السيسي بإطلاق سراح باتريك جورج، ولا سيما أن الإيطاليين مهتمون بهذا الموضوع تحديداً بهدف تصعيد الضغط على السلطات المصرية لإبداء مزيد من التعاون الواقعي في قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني منذ أكثر من 4 سنوات.

أما الموضوع الثاني، فهو رفض طلب السفارة الألمانية في القاهرة من الجهات الدبلوماسية والقضائية والأمنية الاطلاع على مجريات التحقيق مع عدد من الحقوقيين والسياسيين المصريين الذين اعتُقلوا العام الماضي، وعدم جدوى اللقاء الذي جمع بين السفير الألماني سيريل نون ووزير العدل عمر مروان في هذا الصدد. والموضوع الثالث هو التأخر المستمر في ظهور اللائحة التنفيذية لقانون العمل الأهلي الصادر العام الماضي، التي من المقرر صدورها قبل 21 من الشهر الحالي، بنص القانون. لكن لم يُعرَض مشروع اللائحة حتى الآن على أكبر الجهات الأجنبية المانحة، على الرغم من تعهد الدولة سابقاً بمراعاة ملاحظاتهم عليها عند إصدارها. وعلى الرغم من أن النظام استجاب لدى إصدار القانون الجديد لضغوط الدول الغربية لإزالة الأدوار الإشرافية والإدارية التي كانت مسندة إلى الاستخبارات والأمن الوطني، فإن مواده، في المقابل، جاءت مكتظة بالعبارات المطاطة التي يمكن استخدامها لتقييد الأنشطة، ما يكسب اللائحة أهمية خاصة.

وربطت مصادر دبلوماسية مصرية في وقت سابق بين إرسال السيسي شحنتين من المساعدات الطبية إلى إيطاليا، ورغبته في تحسين صورته وتخفيف الضغوط الأوروبية عليه، والمضي قدماً في إبرام صفقات تسليح مع روما. كما سبق وكشفت، لـ"العربي الجديد"، أن النظام يسعى إلى تجديد الحصول على مساعدات مالية وفنية وتدريبية من دول مختلفة في الاتحاد الأوروبي لإقامة فعاليات مختلفة في القاهرة لتدريب الدول الأفريقية على الطرق الحديثة للتصدي لظاهرة الهجرة غير الشرعية، والتعامل الأمني والقانوني والإعلامي والاجتماعي مع ضحايا تلك الظاهرة.

يأتي هذا في إطار رغبة السيسي في الاحتفاظ بصورة نظامه كمدافع عن استقرار أوروبا، بعدما تراجعت بشدة وتيرة الترويج للخطة الأوروبية التي كانت تطرحها حكومة النمسا، ودوائر مختلفة في ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، لإقامة مراكز في مصر لتجميع ضحايا الهجرة غير الشرعية واللاجئين الأفارقة غير المقبولين وإعادة تأهيلهم وإعادتهم إلى بلدانهم، على غرار المراكز القائمة في تركيا. واستضافت القاهرة بالفعل مشروعاً لتأهيل الشرطة وقوات الأمن الأفريقية لمواجهة الهجرة غير الشرعية، بتمويل مادي وفني وتدريبي مباشر من الحكومة الإيطالية، استمر من ربيع عام 2018 وحتى خريف العام الماضي، وأنه كان أحد صور التعاون الأمني "غير المعلن" بين البلدين، على الرغم من توتر العلاقات الأمنية والقضائية وحتى السياسية، على خلفية المماطلة والتسويف وادعاء التعاون من قبل النيابة العامة المصرية مع روما في قضية ريجيني.