سد النهضة: وساطات سودانية وخليجية لإعادة إثيوبيا لمفاوضات واشنطن

21 ابريل 2020
أعلنت إثيوبيا إنجاز 72% من السد (إدواردو سوتيراس/فرانس برس)
+ الخط -
قالت مصادر دبلوماسية مصرية إن هناك محاولات دبلوماسية يبذلها السودان حالياً، بالتوازي مع جهود أطراف عربية خليجية، لإقناع إثيوبيا بالعودة إلى مسار المفاوضات، بغية التوصل إلى اتفاق لقواعد ملء وتشغيل سد النهضة، انطلاقاً من المسودة التي وقعت عليها القاهرة منفردة، وأعلنت الخرطوم سلفاً أنها توافق على 90 في المائة من بنودها، بينما رفضت أديس أبابا الاعتراف بها كلياً.


وذكرت المصادر أنه يمكن القول إن مصر نجحت في اجتذاب موقف السودان لناحيتها إزاء المسار التفاوضي، بغض النظر عن استمرار وجود خلافات فنية بين الجانبين. يأتي ذلك بعد تكثيف الضغوط على مجلس السيادة الانتقالي والحكومة السودانية برئاسة عبد الله حمدوك، خصوصاً بعد الزيارات المتبادلة التي أجراها مدير المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، الذراع اليمنى للرئيس عبد الفتاح السيسي، والنائب الأول لرئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) المعروف بعلاقته الوطيدة بالسيسي، وتصريحات حمدوك بشأن استعداده لزيارة البلدين للوساطة، وتصريحات وزير الإعلام السوداني فيصل محمد صالح، مساء الأربعاء الماضي، عن أن الخرطوم لن تقبل الملء المنفرد لسد النهضة دون الاتفاق مع القاهرة والخرطوم، في ما يمثل تغيراً جذرياً في لهجة السودان تجاه الأزمة.

وليس هناك توافق كامل في الرأي الفني بين مصر والسودان، إذ يوجد اتفاق فني بين الخرطوم وأديس أبابا على ضرورة إبقاء منسوب المياه في بحيرة سد النهضة أعلى من 595 متراً فوق سطح البحر، لتستمر قدرته على إنتاج الكهرباء، بينما ترى مصر أن هذا الأمر غير عادل إذا انخفض مقياس المياه في بحيرة ناصر عن 165 أو 170 متراً. وكانت أميركا ترى معقولية ووجاهة الطلب المصري في هذا الصدد، بينما السودان وإثيوبيا لا يرغبان في الربط بين مؤشرات القياس في سد النهضة والسد العالي.

وأضافت المصادر أن أديس أبابا ما زالت متمسكة بعدم الموافقة على الصياغات التي أعدتها وزارة الخزانة الأميركية والبنك الدولي، قبل جولة المفاوضات الأخيرة، نهاية فبراير/ شباط الماضي، والتي قاطعتها إثيوبيا، ما أدى إلى انسداد المسار التفاوضي بالكامل. وترى مصر والسودان على عكسها أن الصياغات التي تم الاتفاق عليها في مفاوضات واشنطن تصلح كنقطة انطلاق جديدة للتفاوض. لكن إثيوبيا لم تغلق في وجه السودانيين والوسطاء الآخرين الباب أمام احتمال العودة إلى مسار مفاوضات واشنطن، لكن بشروط واضحة، هي إلغاء الصياغات غير المقبولة منها، وتحديد دور وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين في تسهيل التفاوض، وليس الوساطة الملزمة أو غير الملزمة.


وأوضحت المصادر أن هذا الموقف، الذي نقله الوسطاء إلى مصر، يعتبر "بداية لحلحلة محتملة"، لكن القاهرة، في الوقت نفسه، لا تريد الإغراق في التفاؤل، نتيجة سابقة خداع أديس أبابا للجميع في المفاوضات السابقة والتراجع عن تعهداتها أكثر من مرة. وحتى الآن ترغب مصر، ويفضل السودان، الرجوع لمسار واشنطن، باعتبار أن المفاوضات تتطلب وسيطاً أو مسهلاً يمكنه فرض كلمته على الجميع في لحظة معينة. ويطرح البعض انتقال الملف لوزارة الخارجية الأميركية بدلاً من وزارة الخزانة، وذلك للحصول على ضمانات راسخة لاحترام إثيوبيا لما سيتم التوصل إليه، وعدم انقلابها على الاتفاقات، وخصوصاً أنه يمكنها بسهولة الالتفاف عليها بالواقع العملي لإدارتها للسد. وأشارت المصادر إلى أن الرأي "الخافت" الذي يتم التداول به في الأوساط الدبلوماسية والفنية بالقاهرة بعدم التمسك بالعودة لواشنطن في المفاوضات، وأنه يمكن الاكتفاء بالبناء على ما تم إنجازه فعلاً، باعتبار أن هذا السيناريو قد يؤدي لحلحلة سريعة، "تمت تنحيته جانباً الآن".

وتتمثل النقطة الخلافية الرئيسية حالياً بين إثيوبيا والصياغة الأميركية للاتفاق في اقتراح ضمان تمرير 37 مليار متر مكعب من المياه لمصر في أوقات الملء والجفاف، كرقم وسط بين ما تطالب به إثيوبيا، وهو 32 ملياراً، وما كانت تطالب به مصر وهو 40 مليار متر مكعب، على أن يُترك الرقم الخاص بأوقات عدم الملء والرخاء لآلية التنسيق بين الدول الثلاث. وهنا يأتي الشرط الذي يغضب الإثيوبيين، فمن وجهة نظرهم يتطلب تمرير 37 مليار متر مكعب في أوقات الجفاف الصرف المباشر من بحيرة سد النهضة، وعدم تمكنها من الحفاظ على منسوبها عند 595 متراً لتضمن بذلك التوليد المستدام وغير المنقطع من الكهرباء لمدة 7 سنوات على الأقل.

وتتمسك إثيوبيا بما تصفه "حق شعبها في استغلال موارده الطبيعية" بإنشاء السد وإنجاز بنائه في الأشهر المقبلة، بالتوازي مع بدء حجز المياه عن السودان ومصر لملء بحيرة السد، للمرة الأولى في يوليو/ تموز المقبل، بنحو 4.9 مليارات متر مكعب من المياه. وتجادل مصادر مصرية بأن إثيوبيا قد لا تستطيع فنياً البدء في ملء الخزان في الموعد المأمول، بسبب عدم جاهزية الجسم الخرساني للقطاع الأوسط من السد حتى الآن، والمفترض أن يتم الانتهاء منه قبل شهرين على الأقل من بدء الملء، أخذاً في الاعتبار أن الحكومة الإثيوبية أعلنت أن السد تم إنجازه بنسبة 72 في المائة فقط، علماً أن مصر كانت تفضل، قبل المفاوضات الأخيرة، البدء السريع بالملء في فترة الفيضان والرخاء الحالية في نهر النيل.