أعادت إسرائيل ربط التسهيلات المقدمة لقطاع غزة بملف الجنديين المحتجزين لدى حركة "حماس". لكنها هذه المرة وضعت ما يشبه الشرط، المدعم بالابتزاز، أمام الحركة في ظل مخاوف انتشار فيروس كورونا بين الفلسطينيين على نحو أكبر، وهو ما سارعت الحركة إلى رفضه.
وسُجل في قطاع غزة، المنهك اقتصادياً وصحياً والذي يعيش فيه مليونا فلسطيني بواقع إنساني غاية في الصعوبة، 12 حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا، لعائدين من الخارج ومخالطيهم من عناصر الأمن. وافتتحت السلطات المحلية، التي تديرها "حماس"، المدارس والفنادق قليلة العدد والعيادات الصحية كأماكن للحجر الإجباري على العائدين من الخارج للقطاع، لكن الخشية قائمة في حال اكتشاف مزيد من المصابين، في ظل واقع صحي تعرض للتهميش وقلة الدعم طوال 14 عاماً، هي عُمر الحصار الإسرائيلي.
وقال وزير الأمن الإسرائيلي نفتالي بينت: "عندما يكون هناك نقاش حول المجال الإنساني في غزة، فإن إسرائيل لها أيضاً احتياجات إنسانية، تتمثل أساساً في استعادة من سقطوا (في الحرب)". ويشير بينت في حديثه إلى الضابط هدار غولدن والجندي أرون شاؤول اللذين أسرتهما "كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس" خلال العدوان الإسرائيلي الواسع على القطاع في صيف 2014. وربط بينت بين إطلاق الجنديين الإسرائيليين، اللذين تروج إسرائيل لمقتلهما وترفض "حماس" إعطاء معلومات عنهما، وبين الحاجات الإنسانية لقطاع غزة، لكنه تجاهل إسرائيليين اثنين آخرين تحتجزهما الحركة في غزة، بعد عبورهما الحدود في وقت سابق.
ويبدو من سياق الحديث الإسرائيلي أنه رد مباشر على مطالب "حماس" الأخيرة التي أوصلتها للوسطاء، والتي دعت فيها للضغط على الاحتلال، لعدم تعطيل مرور الاحتياجات الإنسانية والصحية للقطاع، في ظل انتشار فيروس كورونا في العالم. وأرسلت "حماس" عبر الوسطاء، قبل أسبوعين، رسائل تحذّر إسرائيل من اشتعال جبهة غزة وانهيار الهدوء في حال استمر التضييق على القطاع، ما يعني إدخال الإسرائيليين إلى الملاجئ، وما قد يسببه ذلك من إصابات أكثر في صفوفهم بالفيروس.
ويترافق هذا السجال مع تزايد نشاط طائرات الاستطلاع الإسرائيلية في أجواء القطاع، رغم الأوضاع المستقرة أمنياً في ظل الانشغال المحلي بفيروس كورونا. ومع هذا النشاط المتزايد، والأصوات المرتفعة التي تنتج عن حركة الطائرات في الأجواء، يشعر الفلسطينيون بمزيد من القلق. وسجلت الأوساط العسكرية الإسرائيلية قلقاً متزايداً إزاء تداعيات احتمال انتشار فيروس كورونا، وعبرت عن مخاوفها من إمكانية أن تؤدي القيود التي فرضت على قطاع غزة في أعقاب ذلك إلى انفجار الأوضاع الأمنية، واندلاع مواجهة شاملة في ظل ظروف بالغة التعقيد بالنسبة لإسرائيل. وتمارس قيادة الجيش الإسرائيلي ضغوطاً على حكومة بنيامين نتنياهو لتوخي الحذر، وعدم التردد في السماح بوصول المساعدات إلى القطاع لمنع انتشار الوباء.
من جانبها، لم تتأخر حركة "حماس" في الرد على "الابتزاز" الإسرائيلي. وقال المتحدث باسمها حازم قاسم، لـ"العربي الجديد"، إنّ الاحتلال الإسرائيلي، الذي يفرض حصاره على القطاع، يتحمل المسؤولية عن تداعيات أي تفشّ لفيروس كورونا. وأشار إلى أنّ الاحتلال يرتكب "جريمة" مركبة باستمرار الحصار على القطاع لسنوات طويلة، وازداد الأمر صعوبة مع تفشي فيروس كورونا، موضحاً أنّ الحركة، ومعها كل القوى الوطنية، ستواصل العمل من أجل كسر الحصار "الظالم". غير أنّ ملف الجنود الإسرائيليين المحتجزين في غزة مختلف، وفق ما أكدّ قاسم، موضحاً أن إطلاقهم مرتبط بصفقة تبادل أسرى، مشدداً على أنّ "لدى شعبنا آلاف الأسرى الذين قضوا سنين طويلة في سجون الاحتلال وفي ظروف اعتقال صعبة، بفعل إجراءات مصلحة سجون الاحتلال، وقد ازدادت هذه المعاناة مع تفشي جائحة كورونا".
في السياق، قدّم رئيس حركة "حماس" في قطاع غزة يحيى السنوار، مساء أمس الخميس، عرضاً نادراً لدولة الاحتلال يقضي بإفراجها عن الأسرى الفلسطينيين كبار السن والمرضى كبادرة إنسانية في ظل أزمة كورونا مقابل تنازل جزئي في ملف الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى حركته. وقال السنوار، في لقاء تفاعلي استقبل فيه أسئلة الجمهور على قناة "الأقصى" الفضائية، إن حركته يمكن أن تقدم تنازلاً جزئياً في موضوع الجنود الأسرى لديها مقابل إفراج الاحتلال عن الأسرى كبار السن والمرضى. ووجّه السنوار رسالة لوزير الأمن الإسرائيلي نفتالي بينت، الذي ربط إدخال التسهيلات لغزة بقضية الأسرى، وقال: "في الوقت الذي نكون فيه مضطرين إلى أجهزة تنفس لمرضانا أو طعام لشعبنا، فإننا مستعدون لأن نرغمك على ذلك، وستجد أننا قادرون بإذن الله تعالى، وإذا وجدنا أنّ مصابي كورونا في قطاع غزة لا يقدرون على التنفس، سنقطع النفس عن 6 ملايين صهيوني، وسنأخذ ما نريده منكم خاوة".
وماطلت إسرائيل كثيراً في قضية المحتجزين لدى "حماس"، ولم تبدأ نقاشاً جدياً يوصل لمفاوضات وتبادل أسرى. وهي لا تزال تعتبر رسمياً ضابطها وجنديها في القطاع قتيلين. لكن "القسام" لمّحت أخيراً إلى أنهم أحياء من دون تقديم أدلة، عندما أعلنت أنّ الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لديها، منذ العام 2014، أصيبوا بشكل مباشر خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في مايو/أيار 2019. وقال الناطق العسكري للكتائب أبو عبيدة، في رسائل للصحافيين بثها عبر تطبيق "تليغرام"، إنّ القسام "تتحفظ على الكشف عن مصير الإسرائيليين الأسرى لديها في هذه المرحلة". وفُهم أيضاً من هذا أنّ الكتائب تضغط على الاحتلال بمثل هذه الأخبار لتحريك ملف تبادل الأسرى الذي تأخرت في فتحه ست سنوات. ووضعت "حماس" عدة شروط قبل البدء في مفاوضات تبادل الأسرى، على رأسها إعادة إطلاق سراح نحو ستين أسيراً فلسطينياً من محرري صفقة "وفاء الأحرار"، أعادت إسرائيل اعتقالهم في الضفة الغربية في السنوات الأخيرة، بما يخالف الاتفاق.