هل تفتح الجمعية العامة باب محاسبة نظام الأسد؟

17 ابريل 2020
تحرك في لندن عام 2017 يطالب بمحاسبة النظام(تولغا أكمن/الأناضول)
+ الخط -
مع عجز المجتمع الدولي حتى اليوم عن اتخاذ خطوات جدية لمحاسبة مسؤولي النظام السوري لاستخدامهم المتكرر لأسلحة كيميائية على مدى سنوات الحرب لقتل مدنيين، بسبب تكبيل روسيا لمجلس الأمن الدولي، تبرز مطالبات باللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لفرض عقوبات على نظام بشار الأسد.
وبعد التقرير الجديد الصادر عن فريق تابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، في الثامن من الشهر الحالي، والذي اتهم النظام بقصف قرية اللطامنة في ريف حماة بالسارين والكلور عام 2017، تجددت الآمال بإمكانية محاسبة أركان النظام لاستخدامهم المتكرر للأسلحة الكيميائية على مدى سنوات الحرب لقتل السوريين، ولكن جلسة جديدة لمجلس الأمن الدولي، ليل الأربعاء، أظهرت استمرار تكبيل موسكو للمجلس.

وندّدت بريطانيا وألمانيا وإستونيا، في مداخلات لممثلي الدول الثلاث خلال الجلسة، بعدم مساءلة النظام عن الهجوم بالأسلحة الكيميائية عام 2017. وقال القائم بالأعمال البريطاني في الأمم المتحدة جوناثان آلين: "تبقى حقيقة أن السلطات السورية لم تجب عن الأسئلة التي أثيرت حول برنامجها للأسلحة الكيميائية منذ الكشف عنه". وأضاف "باستخدامها هذه الأسلحة الرهيبة، واحتفاظها بقدرات لأسلحة كيميائية بما يتعارض مع إعلانها الأولي وأيضاً مع مزاعمها بتدمير برنامجها للأسلحة الكيميائية بشكل كامل عام 2014، ومن خلال عدم امتثالها بشكل كامل لقرارات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، فإن سورية لا تزال تنتهك التزاماتها بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية وقرارات مجلس الأمن المنصوص عليها في القرار 2118". من جهته، شدّد السفير الإستوني سفين يورغينسون على أن استخدام الأسلحة الكيميائية "لا يمكن التسامح معه". وقال "المرتكبون يجب مساءلتهم"، مضيفاً "من دون مساءلة، فإن الفظائع ستستمر. إنه لأمر مؤسف غياب التعاون بالكامل من قبل السوريين". أما نائب السفير الألماني يورغن شولتز، فقال إنّ "المساءلة ضرورية والإفلات من العقاب عن هذه الجرائم الشنيعة ليس خياراً".

وعلى الرغم من أنّ مداولات الجلسة المغلقة محكومة بقواعد السرية، إلا أن الدول الثلاث نشرت مداخلات ممثليها. وما لبثت روسيا أن نشرت بدورها مداخلة سفيرها فاسيلي نيبينزا في الجلسة، الذي جدد الدفاع عن نظام الأسد، قائلاً إن "الأسلحة الكيميائية السورية برنامج تم إغلاقه، ومخزونها من الأسلحة الكيميائية أزيل والقدرات الإنتاجية دمرت".

وكان فريق تحقيق جديد من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، قد أفاد في تقرير له في 8 الحالي، بأن سلاح الجو السوري استعان بطائرات عسكرية من طراز "سوخوي-22" وطائرة هليكوبتر لإسقاط قنابل تحتوي على الكلور السام وغاز السارين على اللطامنة في مارس/ آذار 2017. وبحسب التقرير، فإن طائرات تابعة للنظام قصفت اللطامنة في ريف حماة بالسارين والكلور أيام 24 و25 و30 مارس/ آذار 2017، ونجم عن القصف إصابة عشرات المدنيين بحالات اختناق. وقال رئيس لجنة التحقيق سانتياغو أوناتي لابوردي، في بيان: "هناك أسس معقولة للاعتقاد بأن مستخدمي السارين كسلاح كيميائي في اللطامنة في 24 و30 مارس 2017 ومستخدمي الكلور كسلاح كيميائي في 25 مارس 2017 هم أفراد من سلاح الجو السوري".

وتشكل فريق التحقيق في يونيو/ حزيران 2018، بموجب قرار صادر عن مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، بهدف تحديد الجهات المسؤولة عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، وذلك بعدما فشل مجلس الأمن الدولي ثلاث مرات في تشكيل هذه اللجنة بسبب فيتو روسي، كانت الأخيرة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017.

وأحيا تقرير الفريق آمال الشارع السوري المعارض في محاسبة أركان النظام، وفي مقدمتهم بشار الأسد، لاستخدامهم أسلحة محرمة دولياً نحو 255 مرة على مدى سنوات، وفق "مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سورية". وفي هذا الصدد، وجّه رئيس الائتلاف الوطني السوري أنس العبدة، رسالة إلى 30 دولة صديقة للشعب السوري، إضافة لمجلس الأمن والمبعوث الخاص إلى سورية والاتحاد الأوروبي، لمطالبة مجلس الأمن بتنفيذ المادة 21 من قرار مجلس الأمن رقم 2118 (صدر في عام 2013 عقب قصف النظام لغوطتي دمشق بالغازات السامة)، التي تنص على أنه "في حالة... النقل غير المصرح به للأسلحة الكيميائية أو أي استخدام للأسلحة الكيميائية من قبل أي شخص في سورية، ستفرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة". وطالب العبدة بالبدء الفوري بإجراءات المساءلة ضد جميع الجناة، بما في ذلك السلطات العليا لقيادة النظام، مشيراً إلى أن تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أكد بما لا يترك مجالاً للشك أن نظام الأسد مسؤول عن استخدام السلاح الكيميائي في ثلاث هجمات على مدينة اللطامنة، مضيفاً أن هذا الاستخدام كان ذا طبيعة استراتيجية وما كان ليحدث إلا بناءً على أوامر من السلطات العليا في قيادة نظام الأسد. كما دعا العبدة إلى دعم منظمة التعاون الإسلامي لمحاسبة المسؤولين عن استخدام السلاح الكيميائي، وذلك من خلال دعم تنفيذ البند 21 من قرار مجلس الأمن رقم 2118 الذي ينصّ على فرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في حال عدم الامتثال لهذا القرار، بما يشمل نقل الأسلحة الكيميائية من دون إذن، أو استخدام أحد للأسلحة الكيميائية في سورية.


من جهته، قال مدير "مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سورية" (CVDCS)، نضال شيخاني، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "محاسبة المتورطين هي واجب أخلاقي وإنساني على كل دولة عضو في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية"، مضيفاً: "التهاون بهذه الجرائم سيتسبب بأزمة خطيرة على منطقة الشرق الأوسط والعالم". وتابع: "من الضروري على الدول الأعضاء الحاكمة في مجلس الأمن الدولي اتخاذ خطوات جدية وصارمة لمحاسبة المتورطين بصرف النظر عن كونه انتهاكاً صارخاً لاتفاقية الأسلحة الكيميائية، فإن استخدام الأسلحة الكيميائية جريمة ضد الإنسانية وهو جريمة حرب، وبالتالي يجب عدم ترك مرتكبي هذه الهجمات، التي تشكل انتهاكات صارخة للقانون الدولي، من دون عقاب".

وحول آليات محاسبة نظام الأسد في ظل تكبيل الجانب الروسي لمجلس الأمن الدولي، أوضح شيخاني أن "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لديها الصلاحيات للجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة واتخاذ تدابير لفرض عقوبات على النظام السوري ومحاسبته". ومضى بالقول: "يعمل مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سورية وشركاؤه على اتخاذ خطوات جدية ضمن برنامج المحاسبة واللجوء إلى محاكم وطنية مختصة بالشؤون الدولية لفتح دعاوى من أجل المحاسبة، كما أن المركز يعمل على إبرام اتفاقية مع الآلية الدولية المحايدة المستقلة (IIIM) التي تم تشكيلها بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة لتسليم الأدلة التي جمعها المركز خلال 7 سنوات، وبالتالي فإن الآلية لديها الصلاحيات لتسليم هذه الملفات إلى مُدعين عامين مختصين بهذا القضايا". وأشار شيخاني إلى أن "تقرير فريق التحقيق وتحديد الهوية (IIT) لن يكون الأول من نوعه، فهناك ست مدن أخرى سيلجأ الفريق للتحقيق بشأن الانتهاكات فيها وتحديد هوية المتورطين بهذه الهجمات"، مشيراً إلى أن "مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سورية كان شريكاً لفريق التحقيق وتحديد الهوية في مشروع اللطامنة".

وعلى الرغم من استخدامه الأسلحة المحرمة دولياً عشرات المرات على نطاق واسع، إلا أن النظام ظل بمنأى عن المحاسبة، ما خلا ضربة أميركية استهدفت مطاراً عسكرياً للنظام عام 2017 عقب مجزرة مدينة خان شيخون. وكان طيران النظام قد استهدف في إبريل/ نيسان من ذاك العام خان شيخون بـ15 غارة جوية تحوي مادة غاز السارين السام، أدت إلى مقتل أكثر من مئة مدني، وإصابة أكثر من أربعمئة جريح، معظمهم من الأطفال. وكان النظام قد قتل وأصاب آلاف المدنيين في 21 أغسطس/ آب 2013، ولكن إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما اكتفت بتجريد النظام من أسلحته المحرمة الدولية، غير أن الوقائع أثبتت أن النظام لم يسلّم كامل ترسانته من هذه الأسلحة.

من جهته، قال رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني: "إن تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أمر غاية في الأهمية"، معتبراً في حديث مع "العربي الجديد"، أن التقرير "خطوة أساسية في اتجاه محاسبة النظام"، مضيفاً: "هذا التقرير يؤكد أن النظام كان ينوي إبادة عدد كبير من المدنيين، ومن ثم ما جرى ليس جريمة حرب فحسب بل جريمة ضد الإنسانية". ولفت إلى أن "المنظمة أعلنت في يناير/ كانون الثاني 2016 أن النظام سلّم أسلحته الكيميائية بينما التقرير يؤكد أن النظام استخدم غاز السارين بعد عام وشهرين في اللطامنة، هذا يعني أنه انتهك اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية وقرارات مجلس الأمن الدولي، ومن ثم فإن المحاسبة يجب ألا تكون محصورة بالمحاكم، وإنما وفق الفصل السابع، ومحاسبته عسكرياً من خلال استهداف المطارات التي استخدمها النظام والطائرات في قصف المدنيين بغازات سامة. هذا شكل من أشكال المحاسبة يجب أن يُتخذ من مجلس الأمن الدولي، والقرار 2118 ينص على ذلك".