وكشفت مصادر لـ"العربي الجديد" أن قوات النظام انسحبت من قريتي البريج ومعرة موخص شمال غرب مدينة كفرنبل، بعد ساعات من السيطرة عليهما لأسباب مجهولة، في خرق لاتفاق وقف النار التركي ـ الروسي، موضحة أن قوات تابعة للنظام كانت متمركزة في محيط مدينة كفرنبل انسحبت من كامل منطقة حرش المدينة، وعادت إلى مناطق تمركزها داخلها. وأشارت إلى أن المناطق التي انسحبت منها قوات النظام فارغة، ولم تدخلها الفصائل العسكرية المقاتلة المتمركزة على طريق كفرنبل - البارة.
من جانبه، ادّعى ما يسمّى "المركز الروسي للمصالحة في سورية" التابع لوزارة الدفاع الروسية، ومقرّه في قاعدة حميميم، أن من وصفهم بـ"المسلحين المتمركزين" في محافظة إدلب انتهكوا 19 مرة وقف إطلاق النار في المنطقة. وأظهرت مؤشرات عدة أن الروس والأتراك سعوا عبر الاتفاق إلى كسب الوقت وترتيب الأوراق، لا أكثر، إذ لا تزال التعزيزات التركية تتدفّق إلى الداخل السوري، مع انتشار آلاف الجنود الأتراك. كذلك فإن الاتفاق لم يحلّ مشكلة عشرات الآلاف من النازحين، مع تثبيته نقاط السيطرة كما هي، ما يعني عدم إمكانية عودة النازحين إلى ريفي إدلب الجنوبي والشرقي وريفي حلب الجنوبي والغربي، بل بقاءهم في الشمال السوري تحت وطأة ظروف إنسانية خانقة تكاد تصل إلى حدود الكارثة.
ويصرّ النظام السوري من خلال تصريحات مسؤوليه على أن الأولوية لديه في الوقت الراهن استعادة محافظة إدلب، ما يعني أن قواته تتعامل مع الاتفاق الجديد كما تعاملت مع اتفاق سوتشي وتفاهمات أستانة على أنها "مؤقتة". ومن المتوقع أن يلجأ النظام وداعموه الروس إلى الحجة الجاهزة لنقض الاتفاق، وهي "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً). وذكرت "الهيئة" في بيان لها مساء السبت، أن اتفاق إدلب بين تركيا وروسيا ليس بالشيء الجديد، مشيرة إلى أن روسيا ستنقضه من أجل "تمكين النظام السوري من السيطرة على المناطق وتهجير أهلها وتدمير بنيتها التحتية ومؤسساتها التعليمية". وأضافت أن الاتفاق "يشوبه الغموض والعبارات الفضفاضة العائمة التي تتيح لروسيا استخدام العدوان مجدداً على المنطقة".
في السياق، رأى الباحث حمزة المصطفى في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "اتفاق وقف إطلاق النار بين تركيا وروسيا لن يصمد طويلاً لعدة أسباب، أولها، تجارب التوافقات السابقة التي بدأت في مسار أستانة ولم تنته باتفاق سوتشي عام 2018 والتي انهارت جميعها بقرار من روسيا، الأمر الذي خلق حالة من عدم الثقة المتبادلة بين الجانبين تعمّق خلال المواجهة أخيراً". وأضاف أن "السبب الثاني هو أن الاتفاق من الناحية التقنية مليء بالتفاصيل الملغومة، خصوصاً في ما يتعلق بوضعية الممر الآمن عند طريق أم 4 (حلب ـ اللاذقية)، والمناطق التي يجب أن تنسحب منها المعارضة، إضافة إلى الدوريات المشتركة المقررة على طريقي أم 4 وأم 5 (حلب ـ دمشق)".
أما ثالث الأسباب بحسب المصطفى، فهو "وجود أطراف غير موقّعة على الاتفاق، وقد لا تكون جزءاً منه، مثل المليشيات الإيرانية وحزب الله". وتابع بالقول: "الأهم بالنسبة إلي الذي يحول دون جعل هذا الاتفاق مستداماً، استراتيجية روسيا تجاه الدور التركي في سورية، إذ بعد مساعدة موسكو النظام على استعادة معظم المناطق التي خسرها لمصلحة المعارضة، لم يعد هدفها في سورية تثبيت النظام أو هزيمة المعارضة بقدر ما هو إخراج تركيا من سورية أو تقليص دورها في أي معادلة للحل السياسي، مع إدراكها حساسية الحسابات التركية التي تجعل صانع القرار مقيداً، ومرتجفاً في الدخول بمواجهة للدفاع عن دوره".
بدورها، تبدو فصائل المعارضة السورية غير راضية عن الاتفاق التركي ـ الروسي الذي لم يتضمن بشكل صريح تراجع قوات النظام عن مناطق مهمة، سيطرت عليها خلال الحملة العسكرية الأخيرة، لعل أبرزها مدينتا معرة النعمان وسراقب. ما يعني خسارة فصائل المعارضة أهم مدينتين في محافظة إدلب. في هذا الصدد، أشار القيادي في فصائل المعارضة، مصطفى سيجري في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "التجارب أثبتت أن العدو الروسي ومعه الإيراني وعصابات الأسد لا عهد لهم ولا ميثاق، ولطالما حاولوا الاستفادة من الهدن في حشد قواتهم وإعادة ترتيب صفوفهم ثم خرقها، لذلك نعتقد أن هذه الهدنة لن تختلف عن سابقاتها من الهدن". وأضاف أن "جميع المؤشرات الميدانية تدل على أنها (الهدنة) لن تدوم طويلاً، إذ رُصد عدد من الخروق ومحاولات للتقدم على بعض الجبهات أيضاً، كما نرصد الحشود العسكرية الكبيرة للمليشيات الإيرانية"، معتبراً أن زيارة رئيس "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني إلى جبهات حلب يصبّ في هذا السياق. من جهته، رأى القيادي السابق في الجيش السوري الحر، سامر الصالح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الاتفاق "غير قابل للصمود"، مضيفاً أن "الروس مخادعون، وهناك توجه أوروبي وأميركي لعدم الاعتراف بهذا الاتفاق".
وكان بوتين وأردوغان قد توصّلا يوم الخميس الماضي في العاصمة الروسية موسكو إلى اتفاق جديد ملحق باتفاق سوتشي، حول "منطقة خفض التصعيد الرابعة" (إدلب وما حولها)، بوقف لإطلاق النار بدأ منتصف ليل الخميس - الجمعة، بالإضافة إلى إنشاء ممر آمن على طول الطريق الدولي حلب - اللاذقية "أم 4"، بعمق 6 كيلومترات من الجنوب ومثلها من الشمال، على أن يُتَّفَق على معايير محددة لعمل الممر الأمني بين وزارتي الدفاع التركية والروسية. أما البند الثالث الذي يتمحور كذلك حول الطريق "أم 4"، فيشير إلى بدء تسيير دوريات مشتركة بين روسيا وتركيا على الطريق الدولي من بلدة الترنبة (غربي سراقب)، وصولاً إلى بلدة عين الحور (آخر نقطة في إدلب من الغرب على تخوم ريف اللاذقية)، مع حلول يوم 15 مارس/آذار الحالي.
ويضم الممر الآمن في محيط الطريق الدولي "أم 4"، الذي يربط الساحل السوري بمدينة حلب، العديد من المدن والبلدات وعشرات القرى التي تقع تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية. ومن أبرز هذه المدن والبلدات من الشرق إلى الغرب: سرمين، نيرب، قميناس، أريحا، بسنقول، أورم الجوز، معترم، محمبل، تلة النبي أيوب، مدينة جسر الشغور، اشتبرق، زيتونة. وقدّر مركز "جسور" للدراسات مساحة هذا الممر بنحو 889 كيلومتراً مربعاً. ولم تتضح بعد الآليات التي ستتبع من أجل استعادة حركة الترانزيت والحركة على الطريق الذي تسيطر فصائل المعارضة السورية على نحو 124 كيلومتراً منه من مدينة جسر الشغور غرباً حتى بلدة نيرب شرقاً. من جانبه، أشار المرصد السوري لحقوق الانسان إلى أن سيطرة النظام على طريق "أم 5" جاءت بعد تهجير 2.2 مليون شخص، ومقتل وإصابة 8150 مدنياً منذ إبريل/نيسان الماضي.