كشفت مصادر مصرية وسودانية خاصة لـ"العربي الجديد"، كواليس تطورات أزمة ملف سد النهضة، موضحة السبب وراء عدم توقيع السودان على الاتفاق الذي صاغته الولايات المتحدة بمشاركة البنك الدولي بعد جولات من التفاوض استقبلتها واشنطن، قائلة إن "السودان خلال آخر اجتماع، نهاية فبراير/ شباط الماضي، الذي تغيبت عنه إثيوبيا، طلب من وزارة الخارجية الأميركية أن يكون الاجتماع ثنائياً، وليس موسعاً، نظراً لرغبته في إبداء بعض الملاحظات والاعتراضات على الاتفاق، متعلقة بالجوانب السياسية والقانونية في الصياغات النهائية". وكشفت المصادر أن السودان اعترض بشأن الصياغة الخاصة بحصته المائية، والتي تحصل مصر على جزء منها بحكم عدم استغلالها من الجانب السوداني نظراً لعدم وجود البنية التحتية اللازمة لذلك، موضحة أن الاتفاق الأميركي لم يشِر إلى تلك الحصة، وأحقية السودان في أي قرار خاص بها سواء من حيث الاستفادة أو التصرف فيها، أو بيعها على سبيل المثال.
وفجّر مصدر سوداني، تحدث لـ"العربي الجديد"، مفاجأة، بقوله إن هناك اتجاهاً لدى الخرطوم لإعادة النظر في اتفاقية 1959 الثنائية مع مصر والخاصة بتنظيم تقاسم مياه النيل بعد بناء السد العالي، مضيفاً أن "هناك رغبة في الانسحاب من الاتفاقية في ظل المتغيرات الجغرافية والإنشائية الجديدة على مجرى النيل". وفاجأ السودان مصر بموقف متشدد للغاية في مواجهة استصدار موقف عربي موحّد يدعمها في أزمة سد النهضة الإثيوبي، إذ تحفظت الخرطوم على البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عُقد في مقر الجامعة العربية، يوم الأربعاء الماضي، للتضامن مع موقف مصر والسودان الخاص بسد النهضة باعتبارهما دولتي المصب.
وأوضحت مصادر دبلوماسية أن مصر تقدّمت بمشروع قرار يصدر عن الجامعة العربية بالإعراب عن التضامن مع مصر والسودان في ملف السد لمراعاة مصالح دولتي المصب، وتمت موافاة الجانب السوداني مسبقاً بمشروع القرار للتشاور حوله، مع التأكيد أن قراراً كهذا يدعم موقف دولتي المصب مصر والسودان ويعكس الدعم العربي لحقوق البلدين المائية. وأكدت المصادر أنه خلال المداولات في جامعة الدول العربية، وعلى الرغم من بروز زخم وتأييد عربي موسع من مجمل الأطراف العربية لمشروع القرار، لم يبدِ الجانب السوداني أي حماسة له، بل طلب عدم إدراج اسم الخرطوم في القرار، وأن الجانب السوداني قال إن القرار ليس في مصلحته ولا يجب إقحام الجامعة العربية في هذا الملف، وأبدى تخوفه مما قد ينتج عن هذا القرار من مواجهة عربية إثيوبية.
وبحسب المصادر، فإن معظم الوفود العربية أكدت أن دعم مصر والسودان من قِبل الدول العربية لا يهدف إلى مواجهة أطراف أخرى، بل إنه واجب يتعيّن القيام به اتصالاً بملف يهدد الأمن القومي العربي في مجمله. وأشارت المصادر إلى اندهاش الوفود العربية من تمسك السودان بموقفه المتحفظ حتى بعد حذف اسمه من مشروع القرار، وقصْر مشروع القرار على حماية المصالح المائية لمصر وسعي الجانب السوداني إلى إفراغ مشروع القرار من مضمونه. يأتي هذا في الوقت الذي أطلقت فيه إثيوبيا الجولة الثالثة من برنامج جمع التبرعات الشعبية لاستكمال بناء سد النهضة وملء الخزان، على الرغم من عدم التوصل لاتفاق دولي حول الموضوع. ويهدف برنامج جمع الأموال الذي يستمر 6 أشهر، الذي أطلقته رئيسة البلاد ساهلي ورك زويدي، إلى مشاركة المواطنين في بناء السد، الذي يعد بمثابة المشروع القومي الأهم في تاريخ إثيوبيا.
من جهة أخرى، استغل الإثيوبيون احتفالهم بذكرى موقعة عدوة، التي حققوا فيها انتصاراً على القوات الإيطالية، لنقل رسائل عسكرية لمصر، عبر التأكيد على الجاهزية التامة لأي مواجهة عسكرية، وكذلك استعدادها للدفاع عن مشروع السد بكل قوة. ووقعت معركة عدوة في 1 مارس/ آذار 1896 عندما حاولت إيطاليا غزو إثيوبيا في محاولة للتحكّم بمدخل البحر الأحمر، بعدما استولت بريطانيا على قناة السويس قبلها بعام، فاستعان الإثيوبيون بأسلحة إنكليزية الصنع وبضباط إنكليز متقاعدين لتدريب القوات الإثيوبية، وشهدت هزيمة كبرى للعسكرية الإيطالية أذهلت العالم وقتها.
تجدر الإشارة إلى أنه تم توقيع اتفاقية تقاسم مياه النيل بين مصر والسودان في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 1959، وهي اتفاقية ثنائية مكملة لاتفاقية 1929 وليست لاغية لها، حيث وافق فيها الطرفان على إنشاء السد العالي بمصر وخزان الروصيرص بالسودان، وعلى دفع مصر مبلغ 15 مليون جنيه كتعويضات لأهالي حلفا. واتفق الطرفان أيضاً على اقتسام مياه النيل الواصلة إلى أسوان المقدرة وقتها بـ84 مليار متر مكعب، بعد اقتطاع فاقد التبخُّر في السد العالي والمقدر بـ10 مليارات متر مكعب، والحقوق المكتسبة للبلدين، 52 ملياراً (48 لمصر و4 للسودان)، بنسبة 7.5 لمصر و14.5 للسودان، ليصبح نصيب مصر 55.5 مليار متر مكعب والسودان 18.5 مليار متر مكعب، كما اتفقا أيضاً على سلفةٍ مائية لمصر من السودان. وتتحدّث الاتفاقية عن زيادة إيراد نهر النيل من مستنقعات جنوب السودان، وعن إنشاء الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لتحقيق التعاون بين الدولتين، والتعامل مع مطالب دول حوض النيل الأخرى بنصيبٍ لها في مياه النيل. قُوبلت الاتفاقية بترحابٍ من عددٍ من قيادات العمل السياسي والنقابي في السودان في ذلك الوقت.