طلبت الرئاسة المصرية من المخابرات العامة والأمن الوطني ومختلف الوزارات تقارير عن رؤيتها وتقييمها للأوضاع الحالية في البلاد، في ظل اتساع رقعة الاشتباه في الإصابات بفيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) بعدما تم الإعلان رسمياً عن عزل مدرسة في حيّ الزمالك وسط القاهرة بجميع طلابها والعاملين بها ذاتياً، بعد إصابة أحد الطلاب وولي أمره، نتيجة مخالطة الأخير لسائح أجنبي مصاب بالفيروس. في السياق، قال مصدر بوزارة الصحة لـ"العربي الجديد" إن الوزارة أوصت في تقرير رفعته للرئاسة والمخابرات العامة أول من أمس بضرورة تعليق الدراسة في المدارس والجامعات على مستوى الجمهورية، أياً كان الثمن واعتبارات الجهات السيادية والأمنية، نظراً لوجود مؤشرات عدة على ارتفاع نسبة المصابين، سواء الذين ستظهر عليهم أعراض المرض أو من يحملونه من دون دراية ولا ظهور أعراض، بسبب اختراق الفيروس لمجتمعات جديدة مختلطة، يصعب حصرها بطرق التقصي الوبائي التقليدية وحتى المعمقة التي تنفذها الوزارة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية. وحذّرت الوزارة في التقرير من تسجيل نحو ألف إصابة على مستوى الجمهورية خلال الشهر الحالي، إذا لم يتم وقف الدراسة بالتوازي مع تشديد إجراءات الحجر الصحي على جميع القادمين من خارج البلاد، خصوصاً العابرين في مطارات أوروبية وآسيوية.
وبحسب المصدر فإن الوزارة أيضاً أبدت قلقها الشديد من انتشار الفيروس في قرى الدلتا، تحديداً في محافظات الدقهلية والقليوبية ودمياط وكفر الشيخ، نتيجة انتشار ظاهرة الهجرة للعمل بأوروبا في تلك المحافظات، وبصفة خاصة في إيطاليا واليونان. وتبين عودة أكثر من 400 مصري في تلك المحافظات إلى وطنهم الشهر الماضي، خوفاً من انتشار الوباء في أوروبا، الأمر الذي يعزز فرص حملهم الفيروس حتى من دون ظهور أعراض، لا سيما بعد حالة الوفاة التي راحت ضحيتها سيدة في الـ60 من عمرها بإحدى قرى مركز بلقاس بالدقهلية، مساء أمس الأول، بعد أن تبيّن اختلاطها بزوجة مصري كان يعمل في إيطاليا توفي هناك ونُقل جثمانه ليدفن في مصر.
من جهتها، أوصت وزارة التربية والتعليم بتعليق الدراسة أيضاً لشهر تقريباً، على أن يتم تعويضه من الإجازة الصيفية. وقال مصدر بالوزارة لـ"العربي الجديد" إن هناك ضغوطاً عديدة يمارسها أصحاب المدارس الدولية والخاصة على الوزير طارق شوقي، المعروف بعلاقته الجيدة بالرئاسة، ليتم تعليق الدراسة في أسرع وقت، لكن الأمر ما زال معطلاً نتيجة التقارير الأمنية والسيادية التي تحذر من هذا التعليق على المستوى الاجتماعي.
يذكر أن جميع حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد المكتشفة في مصر حتى الآن هي لأشخاص أجانب من السائحين والعاملين، ومصريين عائدين من الخارج، ومواطنين مصريين مخالطين لتلك الفئات السابقة، لذلك فرضت وزارة الصحة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية حالة حجر صحي وعزل كامل على عدد من البواخر السياحية في الأقصر التي جاورت أو عمل بها من العاملين في الباخرة التي وصفت بأنها بؤرة لانتشار المرض واكتشف فيها أكثر من 50 إصابة.
وعلى الرغم من أن الأرقام في مصر بشكل عام مرضية بشهادة منظمة الصحة العالمية، إلا أن هناك حالة واسعة من التشكيك في الشارع المصري بسبب انتشار أقاويل عن حالات اشتباه بالعشرات في مختلف المحافظات، لا يتم التعامل معها بجدية بسبب ضعف الإمكانات في المستشفيات الحكومية، فضلاً عن اعتراف وزارة الصحة بعدم امتلاكها خطة واضحة للتعامل مع حالات الانتشار الوبائي، ولجوئها إلى الحصول على قواعد العزل وتدابير الاستكشاف والتقصي من الصين خلال زيارة قامت بها وزيرة الصحة إلى بكين الأسبوع الماضي، مما عزز الشكوك.
في السياق؛ قال مصدر في مجلس الوزراء إن العطلة التي منحتها الحكومة للمواطنين بسبب سوء أحوال الطقس كانت لها انعكاسات مختلفة على وجهات نظر الجهات السيادية والحكومية المتعارضة، حول تعطيل الدراسة والعمل بسبب كورونا، فعلى الرغم من التحذيرات المستمرة من النزول إلى الشارع لتلافي الأمطار الغزيرة التي أفضت إلى حدوث سيول، إلا أنه تبيّن حدوث نقص ملحوظ في السلع الغذائية والمواد التموينية في بعض الأماكن بالعاصمة ومدن الدلتا والقناة، مما يدعم الرؤية الأمنية التي كانت تتجه لصعوبة تعطيل الدراسة والعمل لهذا الاعتبار.
في المقابل؛ أكدت وزارة الصحة أن العطلة أدت إلى تكشف مزيد من النتائج حول مناطق الاشتباه بفيروس كورونا، وحصر واستبعاد عدد من المؤشرات، خصوصاً مع تقليل فرص الاحتكاك بين المواطنين واستخدام المرافق العامة. وكشفت الأحوال الجوية السيئة التي مرت بها مصر في اليومين الماضيين، والأضرار الفادحة التي مُنيت بها الطرق والمرافق والمنشآت الخاصة في جميع المحافظات من دون استثناء، الحالة السيئة التي باتت عليها البنية التحتية خصوصاً في قطاعات النقل والكهرباء والصرف الصحي والمياه بمصر، بما في ذلك المدن والضواحي الجديدة والمصنفة كأحياء راقية.
لكن وسائل الإعلام المحلية، بإيعاز من المخابرات العامة، أبرزت أمر منح المواطنين عطلة يوم الخميس الماضي، باعتباره إنجازاً يحسب للحكومة، ومنع تكرار حوادث مشابهة سابقة غرقت فيها الطرق والشوارع الرئيسية نتيجة سوء الأحوال الجوية. وكان لافتاً خروج الرئيس عبد الفتاح السيسي بتدوينة على صفحته الشخصية، ذاكراً فيها: "لقد أثبت المصريون حكومة وشعباً قدرتهم القوية ومعدنهم النبيل في التعامل مع الاضطرابات الجوية التي اجتاحت البلاد"، مشيداً بإدارة "الدولة بأجهزتها التنفيذية ومؤسساتها الأمنية مشهداً بالغ التعقيد إزاء ظروف مناخية ليست معهودة على بلادنا".
وشهدت مصر في الأعوام الثلاثة الأخيرة فشلاً حكومياً متكرراً في التعامل مع أزمة غرق العاصمة والمدن الكبرى نتيجة سوء الأحوال الجوية، نظراً لضعف البنية التحتية وعدم تطويرها. وهو ما عزاه مراقبون إلى اهتمام السيسي بتوجيه أموال الحكومة والمستثمرين لمشاريع عمرانية جديدة، على رأسها العاصمة الإدارية الجديدة، وإنشاء الهيئة الهندسية للجيش طرقاً وجسوراً وأنفاقاً مع غياب شبه كامل لخطط ترميم المرافق الأساسية، التي ثبت بتقارير رقابية وقضائية سابقة وجود مشاكل فيها سببها الفساد المالي والإداري، خصوصاً في مناطق القاهرة الجديدة والتوسعات المتاخمة لمدينة أكتوبر، غربي الجيزة.