وتجدر الإشارة إلى صعوبة الحصول على البيانات في الصين. ويحذّر تقرير "سيبري" من أنّ التكتم الذي يحيط بـ"أرقام مبيعات الأسلحة للشركات الصينية لا يزال عائقاً أمام الفهم الشامل" لقطاع صناعة الأسلحة في البلاد. وفي الماضي، كان الافتقار إلى الشفافية يعني أنّ قيمة مبيعات الأسلحة للشركات الصينية، إما غير معروفة أو يصعب تقديرها بشكل موثوق. ويستند البحث الأخير لمعهد استوكهولم إلى أربع شركات صينية توفّر معلومات مالية موثوقا بها حول نشاطها وهي: NORINCO Group وCETC وAVIC وCSGC. وتغطي الشركات ثلاث قطاعات لإنتاج الأسلحة التقليدية: الطيران، الإلكترونيات وأنظمة الأرض. ومع زيادة البيانات المتاحة لهذه الشركات، أصبح من الممكن وضع تقديرات موثوقة بدرجة معقولة لحجم صناعة الأسلحة الصينية.
ويقول التقرير إنه في العام 2017، ومن بين عشرين شركة حلّت في الصدارة كمنتجة للأسلحة على مستوى العالم، كانت هناك 11 شركة في الولايات المتحدة، 6 في أوروبا الغربية و3 في روسيا. ويلفت التقرير إلى أنه إذا أدرجت شركات الأسلحة الصينية الأربع التي تمّ رصد بياناتها أخيراً، فستكون جميعها ضمن قائمة أوّل 20 شركة، بمجموع مبيعات مقدر بـ54.1 مليار دولار. كما سيتم تصنيف ثلاث شركات من أصل الأربعة، ضمن المراكز العشرة الأولى لناحية إنتاج الأسلحة.
وأكبر هذه الشركات هي شركة صناعة الطيران الصينية (AVIC) التي يبلغ مجموع مبيعات الأسلحة فيها 20.1 مليار دولار، وهي تحلّ في المرتبة السادسة على مستوى العالم، فيما تحلّ في المرتبة الثامنة شركة China North Industries Group (NORINCO) بمبيعات تبلغ 17.2 مليار دولار.
ويلاحظ أنّ شركات الأسلحة الصينية باتت أكثر تخصصاً من نظيراتها في الخارج. فعلى سبيل المثال، تنتج شركة صناعة الطيران الصينية "أفيك" المملوكة للدولة، والتي تعدّ أكبر شركة للأسلحة في البلاد، طائرات وإلكترونيات خاصة بالطيران. في المقابل، تنتج معظم شركات الأسلحة غير الصينية الكبيرة، مجموعة واسعة من المنتجات العسكرية عبر قطاعات مختلفة، تغطي الفضاء وأنظمة الأرض وبناء السفن.
ويقول المشارك في إعداد تقرير "سيبري"، الباحث نان تيان، لوكالة "فرانس برس": "يمكننا بالتأكيد القول إنّ الصين أصبحت ثاني أكبر منتج للأسلحة في العالم خلف الولايات المتحدة وأمام روسيا". وتتراوح قيمة مبيعات الأسلحة الصينية بين 70 و80 مليار دولار سنوياً، وهي تذهب بغالبيتها إلى مختلف قطع جيش التحرير الشعبي الصيني.
وبالرجوع عشر سنوات إلى الوراء، كانت الصين تعتمد بشكل كبير على استيراد الأسلحة من أوكرانيا وروسيا، قبل أن تصبح منافساً شرساً في هذا المجال، ولا سيما لموسكو. ويلفت نان تيان إلى أنه "لم يعودوا (الصينيون) بحاجة للاعتماد على دول أخرى للتسلّح"، في حين يذهب روي كامبهاوزن، رئيس "المكتب الوطني للبحوث الآسيوية"، وهي مؤسسة أبحاث غير ربحية مقرها سياتل، في حديث لموقع قناة "سي أن بي سي" في سبتمبر/أيلول الماضي، أبعد من ذلك، بالقول إنّ "الصين وضعت نفسها كبديل منخفض التكلفة لأنظمة الأسلحة المتطورة، ومنافس رئيسي للأسلحة الروسية"، مضيفاً أنّ "نظام مبيعات الأسلحة بدون قيود" المشابه للسياسة التي تعتمدها روسيا في هذا الشأن، هو سبب آخر لإثارة منافسة شرسة بين موسكو وبكين.
بدوره، يقول كبير الباحثين في مجال الدفاع الدولي بمؤسسة "راند كوربوريشن" للسياسات في كاليفورنيا، تيموثي هيث، للموقع نفسه قبل فترة إنه "مع تحسّن جودة الأسلحة والمعدات الصينية واستمرار الفوضى في صناعات الدفاع الروسية، فمن المحتمل أن تحلّ المصانع الصينية محلّ الصناعات الروسية في العديد من الأسواق الرئيسية".
ولكن إذ ما بقي الغموض والرقابة الشديدة التي تميّز سياسة السلطات الصينية، فإنّ عقبات عدة ستبقى قائمة أمام معرفة مدى التغيّر في هذا القطاع وتطوره. ويؤكد باحثو المعهد السويدي أنهم واجهوا صعوبات في الحصول على بيانات ذات صدقية حول حجم قطاع صناعة الأسلحة في الصين، نظراً إلى أنّ كل شركات الأسلحة في البلاد مملوكة للدولة. ويقول تيان "كل شيء مغلق تحت شعار الأمن القومي".
وتفيد تقديرات المعهد السويدي بأنّ الصين باتت تحتلّ المركز الخامس على قائمة أكبر الدول المصدّرة للأسلحة، وهو ما يثير قلق الباحثين لأنّ بكين لم توقّع إلا على قلة قليلة من المواثيق والأنظمة التي تفرض ضوابط على الأسلحة.
وبالنسبة لحجم القوة العسكرية في الصين، فقد وضع موقع "غلوبال فاير باور"، المتخصص في ترتيب الجيوش، في تقريره للعام 2019، الجيش الصيني في المرتبة الثالثة عالمياً، بعد الولايات المتحدة وروسيا. وحلّت بكين ثانيةً على مستوى ميزانيات الدفاع العسكري للعام 2019، إذ وصلت موازنتها العسكرية إلى 224 مليار دولار، خصصت بمعظمها لصالح برامج مقاتلتي Shenyang J-31، وChengdu J-20 الدفاعيتين الصينيتين، فضلاً عن برامج أخرى. وبلغ عدد جنود الصين حتى العام الماضي مليونين و183 ألفاً، وفق الموقع نفسه، الذي أشار كذلك إلى أنّ إجمالي عدد قوة الطائرات بلغ 3187، بينها 1222 من الطائرات المقاتلة. أمّا الدبابات، فبلغ عددها 13050. ولدى الصين حاملة طائرات واحدة، وفق "غلوبال فاير باور"، إلا أنها تعمل على صنع حاملة طائرات ثانية لتطوير أسطول متنام على سطح البحر وتحته تماشياً مع قوة برية وجوية قوية. وكان إنفاق الصين العسكري في العام 2018، أعلى بنحو 10 أضعاف عن العام 1994، ويمثّل 14 في المائة من الإنفاق العسكري العالمي.
من جهته، يذكر موقع "تشاينا باور"، أنه على مدار سنوات، استوردت بكين أسلحة تقليدية عدة، أكثر مما كانت تبيعه في الخارج، لكن خلال سنوات العقد الماضي، كانت الصين مصدراً صافياً للأسلحة. فبين عامي 2008 و2018، صدّرت بما قيمته نحو 15.7 مليار دولار من الأسلحة التقليدية، مما يجعلها خامس أكبر مورد للأسلحة في العالم، خلف أميركا وروسيا وألمانيا وفرنسا.
صادرات لأفريقيا ودول "حزام واحد – طريق واحد"
وفقاً لمعهد استوكهولم الدولي لبحوث السلام، ارتفعت مبيعات الأسلحة التقليدية الصينية إلى 16.2 مليار دولار على مدار الـ12 عاماً الماضية، بعدما كانت تبلغ نحو 645 مليون دولار في العام 2008. وقد ذهبت حصة الأسد من هذه الصادرات (نحو 75 في المائة) إلى آسيا ومن ضمن ذلك الشرق الأوسط، فيما تدفق ما نسبته 20 في المائة إلى أفريقيا. وقد عززت مشاركة الصين في بعثات حفظ سلام في أفريقيا، وإنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي، بمنطقة القرن الأفريقي، العلاقات الدفاعية المتصلة بالعلاقة الاقتصادية المتزايدة القوة التي تطورها الصين مع أفريقيا منذ مطلع الألفية الثالثة. إذ يعيش اليوم حوالي مليون مواطن صيني في أفريقيا، بينما يعمل 200 ألف أفريقي في الصين.
ووفقاً لمعهد استوكهولم، فقد ارتفعت صادرات الصين من الأسلحة إلى أفريقيا من العام 2013 حتى العام 2017، بنسبة 55 في المائة عن السنوات الخمس السابقة لهذا التاريخ من 2008 إلى 2012. وفي حين انخفضت واردات أفريقيا الإجمالية من الأسلحة بنسبة 22 في المائة خلال الفترة نفسها، ارتفعت حصة الصين من إجمالي واردات الأسلحة إلى القارة من نسبة 8.6 في المائة إلى 17 في المائة.
وفي الوقت نفسه، انخفضت صادرات الأسلحة الروسية إلى أفريقيا بنسبة 32 في المائة، وهو ما يمثّل 39 في المائة من واردات المنطقة، فيما شكّلت الولايات المتحدة 11 في المائة من صادرات الأسلحة إلى القارة السمراء في تلك الفترة.
ويشير ذلك إلى مدى تقوية العلاقات الدفاعية بين الصين وأفريقيا وتطورها، حيث تطمح بكين للانخراط بشكل أكبر ضمن الاقتصاد الأفريقي، بما يجعلها تقدّم تسهيلات لدول القارة، بما في ذلك في المجال العسكري، تعود عليها في نهاية المطاف بمشاريع اقتصادية ربحية، وهو المبتغى الذي تسعى بكين لتحقيقه منذ أن فتحت اقتصادها قبل 40 عاماً، لتتحوّل بسرعة إلى ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم.
وفي السياق، يقول كبير الباحثين في مجال الدفاع الدولي بمؤسسة "راند كوربوريشن" للسياسات في كاليفورنيا، تيموثي هيث، في حديث لموقع قناة "سي أن بي سي" الأميركية، في سبتمبر/أيلول الماضي، إنّ "السوق المحتملة" و"القيود الفضفاضة" على السلاح في دول العالم النامي، قد تجعل الصين "في وضع جيد لتصبح واحدة من أكبر الدول المصدرة للأسلحة في العالم". غير أنه، وفي حين أنّ عدد الدول التي تصدر لها الصين قد زاد بشكل كبير، قال معهد استوكهولم في تقريره لعام 2018، إنّ كبار مستوردي الأسلحة مثل الهند وأستراليا وكوريا الجنوبية وفيتنام "لن يشتروا الأسلحة الصينية لأسباب سياسية".
ومنذ العام 2007، كانت أكبر الدول التي حظيت بصادرات الأسلحة الصينية هي: باكستان وبنغلادش وميانمار، وفقاً لمعهد استوكهولم، علماً بأنّ الدول الثلاث جزء من مشروع "حزام واحد - طريق واحد" أو "طريق الحرير"، وهو مبادرة طموحة أطلقها الرئيس الصيني شي جينبينغ عام 2013 وتهدف لتطوير وإنشاء طريق تجارية وممرات اقتصادية تربط أكثر من 60 بلداً.
ويوضح هيث أنه "من المرجح أن تواصل الصين توسيع صادراتها من الأسلحة، لا سيما إلى دول حزام - واحد طريق واحد... فصادرات الأسلحة توفر وسيلة فعالة ومنخفضة التكلفة لبكين لتحسين الأمن في البلدان التي تتميّز باستثمارات صينية كبيرة، وتقليل الإنفاق والالتزامات إلى الحدّ الأدنى من قبل جيش التحرير الشعبي الصيني".
من جهة ثانية، يثير تصدير الصين إلى عدد من الدول الأفريقية ذات النزعة الدكتاتورية أو التي تشهد نزاعات وحروبا أهلية مثل جنوب السودان، أو بلد مثل ميانمار تشن فيه السلطات حملة قمع دموية ضد أقلية الروهينغا ترتقي إلى جرائم إبادة جماعية مخاوف حقوقية عدة، لا سيما أن هذه الأسلحة، الخفيفة تحديداً، تستخدم في تحصين هذه الأنظمة وحملات قمع.