واصل اللواء المتقاعد خليفة حفتر، اليوم الثلاثاء، محاولة إسقاط ما تبقى من الهدنة الليبية الهشة المستمرة منذ 12 يناير/ كانون الثاني الماضي في محيط العاصمة طرابلس، من خلال قصف ميناء طرابلس بذريعة "مهاجمة سفينة تركية كانت تنزل أسلحة"، وذلك في الوقت الذي كانت الجولة الثانية من مباحثات اللجنة العسكرية 5+5 التي تضم ممثلين عن طرفي الصراع (حكومة الوفاق الوطني ومليشيات حفتر)، والمنبثقة عن مؤتمر برلين الليبي الذي انعقد في 19 يناير الماضي، تستأنف اجتماعاتها وسط تأكيد المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة أن الهدنة هشة وتعرضت لأكثر من 150 خرقاً.
وتزامن هذا التصعيد مع تساؤلات حول الأهداف الحقيقية للمهمة البحرية لمراقبة حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا التي اتفق عليها وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، أمس الإثنين.
وتزامن ذلك مع محاولة حفتر الإشارة إلى أن مليشياته هي الجهة الوحيدة القادرة على ضبط الأمن في ليبيا، وذلك خلال استقباله في الرجمة السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند. وقال حفتر إن قواته "متمسكة بالثوابت الوطنية التي تنص على تأمين التراب الليبي وإنهاء سيطرة الإرهابيين وإخراج المرتزقة الذين جلبهم الغزو التركي". من جهته، شدد نورلاند، الذي يقوم بزيارته الأولى إلى ليبيا، على أهمية التوصّل إلى تسوية تفاوضية للأزمة الليبية، معرباً عن تطلعه إلى زيارة طرابلس حالما تسمح الظروف الأمنية بذلك، بحسب بيان للسفارة على موقع "تويتر".
في هذه الأثناء، تثار تساؤلات حول أهداف المهمة الأوروبية الجديدة، وما إذا كانت تهدف بشكل أساسي إلى محاصرة الانخراط التركي في الملف الليبي، في ظلّ استحالة ضبط هذه المهمة لتدفق السلاح الإماراتي، خصوصاً الذي يصل بشكل متواصل إلى قواعد حفتر في شرق البلاد. وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال"، اليوم، إن الدوريات الأوروبية، التي يفترض أن تكون جاهزة بداية مارس/ آذار المقبل، بإمكانها منع وصول السلاح التركي إلى حكومة الوفاق، لكنها لن تستطيع إعاقة وصول الأسلحة الإماراتية إلى حفتر التي تصل جواً. وبحسب ما تم التوافق عليه أوروبياً، فإن "الاتحاد الأوروبي سينشر سفناً في المنطقة الواقعة شرق ليبيا لمنع تهريب الأسلحة، لكن إذا أدّت المهمة إلى تدفّق قوارب المهاجرين فسيتم تعليقها".
وكان المتحدث باسم مليشيات حفتر أحمد المسماري، قد استبق الضربة على ميناء طرابلس بتأييد المهمة البحرية الأوروبية، قائلاً إن "الأوروبيين يعلمون تماماً طرق نقل السلاح والمرتزقة إلى ليبيا"، وإن "الاتحاد الأوروبي تدخل الآن خوفاً من وصول عناصر إرهابية إلى أراضيه".
في المقابل، أعلنت وزارة الخارجية في حكومة الوفاق الليبية، اليوم الثلاثاء، رفضها إطلاق العملية البحرية. وقال المتحدث باسمها محمد القبلاوي، لقناة "الجزيرة"، إن "على الاتحاد الأوروبي مراقبة الحدود البحرية والبرية، لأن السلاح يصل إلى قوات حفتر عبر الحدود مع مصر". بدوره، وصف رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، قرار الاتحاد الأوروبي بـ"المريب"، لافتاً إلى أن تشديده على الجانب العسكري "يستهدف بالأساس اتفاقية حكومة الوفاق مع تركيا"، معتبراً أن القرار جاء "بعد امتلاء مخازن حفتر بالسلاح".
وحضر موضوع المهمة الأوروبية أيضاً خلال الاجتماعات الروسية الإيطالية التي عقدت في موسكو اليوم بصيغة "2+2" والتي شارك فيها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الإيطالي لويجي دي مايو، ووزيرا الدفاع الروسي سيرغي شويغو والإيطالي لورينزو غويريني.
في المقابل، أكد وزير الخارجية الإيطالي أن الاتحاد الأوروبي يتحرك على المسار الليبي في إطار تفويض أممي حصل عليه، ويخص حظر تصدير الأسلحة فقط، ولا يتعلق بالقرارات الأخرى المعتمدة حول ليبيا. كما دعا دي مايو روسيا إلى أداء دور فاعل في حلّ الأزمة. وقال من موسكو إن "روسيا تعتبر محاوراً مهماً بشأن الأزمة الليبية"، آملاً أن "تغتنم فرصة عضويتها الدائمة في مجلس الأمن لدعم الطريق نحو السلام".
اجتماع لجنة 5+5
وفي موازاة التصعيد الميداني والانقسام بشأن المهمة الأوروبية، انطلقت في جنيف، اليوم الثلاثاء، الجولة الثانية من اجتماع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة "5+5" الهادفة لتثبيت وقف إطلاق النار في البلاد، على الرغم من المواقف المتصلبة لطرفي الصراع. ودعا بيان صادر عن بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا الأطراف المشاركة "إلى الإحساس بالمسؤولية والروح الجادة والبناءة خلال أعمال اللجنة، واغتنام الفرصة بشكل إيجابي". وقبيل بدء الاجتماعات، لمّح المبعوث الأممي غسان سلامة إلى طريق طويل للسلام الليبي، يعتبر مؤتمر برلين مؤسساً له. ومشيراً بشكل مقتضب إلى قصف ميناء طرابلس، قال إن هدنة طرابلس هشة، وشهدت 150 خرقاً منذ تاريخ دخولها حيّز التنفيذ في 12 يناير/ كانون الثاني الماضي، متحدثاً عن خروقات تتعلق بإرسال الأسلحة ووصول محاربين أجانب إلى ليبيا.
وعدد سلامة الصعوبات التي على البعثة الأممية مواجهتها، وهي خروقات الهدنة، والجهة التي ينبغي عليها مراقبتها، وكذلك مصير المقاتلين غير النظاميين والأسلحة، و"مشاكل معقدة في المسارين السياسي والاقتصادي". وحول تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي بشأن وقف القتال، قال سلامة إن قرارات مجلس الأمن "لا تدخل حيز التنفيذ فور صدورها، بل تحتاج وقتاً".
ولا تبدو نتائج الجولة الثانية من اجتماع اللجنة العسكرية الليبية، على وقع التصعيد العسكري، أفضل حظاً من الأولى التي انعقدت بداية الشهر الحالي، على الرغم من مطالبة رئيس حكومة الوفاق فائز السراج بأن تكون حاسمة.
إلى ذلك، ذكر موقع "بوابة الوسط" الليبي أن مجلس النواب المنعقد في طبرق اعتمد اختيارات سبع دوائر نيابية لممثلي المجلس من بين 13 عضواً سيمثلونه في المسار السياسي المقرر عقده بجنيف في 26 فبراير/ شباط الحالي. وقال المتحدث الرسمي باسم المجلس عبد الله بليحق، إن الدوائر الست الباقية سوف تسلم أسماءها إلى رئيس المجلس عقيلة صالح خلال اليومين المقبلين. وكانت الأمم المتحدة قد حددت 40 شخصية للمشارَكة في حوار جنيف، 13 منها يرشحها مجلس النواب، ومثلها من المجلس الأعلى للدولة، فيما تختار البعثة الأممية 14 شخصية أخرى.