يعقد مجلس الأمن الدولي، اليوم الثلاثاء، اجتماعاً لمناقشة خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة باسم "صفقة القرن" بحضور رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والذي سيقدم موقف السلطة منها.
ومن المتوقع أن يشير عباس في خطابه إلى خروقات القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي تتضمنها الخطة الأميركية، وسيؤكد تمسك السلطة الفلسطينية بالسلام والمفاوضات تحت مظلة دولية، وليس تحت مظلة أميركية منفردة، وخلال فترة زمنية محدودة. وسيحضر الجلسة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، وسيترأسها وزير الخارجية البلجيكي فيليب غوفين الموجود في نيويورك، حيث ترأس بلاده مجلس الأمن الدولي، لهذا الشهر.
وستقدم الدول الأعضاء في مجلس الأمن، مواقفها وبياناتها من الصفقة الأميركية. أما غوتيريس فسيقدم مداخلة مقتضبة حول موقف الأمم المتحدة، الذي يتمثل في استمرار التزامها بقراراتها الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة والاتفاقيات الدولية. وسيحضر الاجتماع كذلك الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وسيدلي ببيان باسم الجامعة.
وكان من المفترض أن يتم التصويت على مشروع قرار دولي، صاغته إندونيسيا وتونس، إلا أنه تم تأجيل التصويت الذي كان مبرمجاً لنفس الجلسة. ورسمياً، أعلن الجانب الفلسطيني، أنّ المباحثات لا تزال جارية حول مشروع القرار، وأنّ عرضه للتصويت يمكن أن يحدث في أي وقت.
ورجحت مصادر دبلوماسية مطلعة في نيويورك، لـ"العربي الجديد"، أنه لن يتم التصويت على مشروع القرار، هذا الأسبوع، أو حتى في وقت قريب. وكانت مسودة القرار الأولى المسربة، التي تم توزيعها، الثلاثاء الماضي، على الدول الأعضاء للتشاور، قد أثارت غضب الجانب الأميركي، لأسباب عديدة؛ من بينها وصفها الصفقة الأميركية بأنها تنتهك القانون الدولي كما الاتفاقيات الدولية وقرارات الأمم المتحدة المعتمدة لتحقيق "حل عادل وشامل ودائم للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني على حدود الرابع من حزيران للعام 1967". وأُدخل عدد من التعديلات على المسودة، بطلب من بريطانيا ودول أخرى، بحسب عدد من المصادر الدبلوماسية في نيويورك.
وأهم تلك التعديلات يتلخّص بعدم الحديث عن الصفقة الأميركية، والاكتفاء بالحديث عن الصفقة التي أعلن عنها، في 28 من يناير/ كانون الثاني. كما تم تغيير كلمة "انتهاك" قرارات الأمم المتحدة واستبدالها بكلمة "خروج" عن قرارات الأمم المتحدة، إضافة لعدد من التعديلات. وكسرت الولايات المتحدة "فترة الصمت" التي وضع مشروع القرار تحتها بصيغته المعدلة والتي كان سارية، حتى يوم أمس الإثنين في العاشرة صباحاً بتوقيت نيويورك.
و"فترة الصمت" هي إجراءات متبعة في مجلس الأمن، إذ بعد المشاورات والتعديلات تقوم الدول المسؤولة عن صياغة المشروع في المجلس بوضعه "تحت الصمت" لمدة أربع وعشرين ساعة، وإن لم تعترض أي من الدول الأعضاء على المسودة وتكسر الصمت، يمكن بعدها وضعه بالأزرق ليتم طرحه للتصويت. ويمكن للدول التي تصوغ مشروع القرار أن تضعه بالأزرق لتقديمه للتصويت حتى لو كانت عليه اعتراضات.
أما التعديلات والإضافات التي أرسلها الطرف الأميركي فيمكن تلخيصها بأنها تنسف مشروع القرار بشكل كامل. حيث تشطب التعديلات الأميركية، بحسب نسخة مسربة اطلع "العربي الجديد" عليها، عدداً من الأمور من بينها "إعادة تأكيد" المسودة على قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة، بما فيها القرار 242 لعام 1967، و338 لعام 1973، و446 لعام 1979، و452 لعام 1980، و465 لعام 1980، و478 لعام 1980، و1850 لعام 2008، و2334 لعام 2016.
ويطلب الجانب الأميركي شطبها واستخدام بدلاً منها كلمة "تستذكر" قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، دون ذكر أي من القرارات السابقة. كما تشطب التعديلات الأميركية الجملة التي تتحدث عن "إقامة حل الدولتين على أساس حدود الرابع من حزيران للعام 1967"، وبدلاً منها "التذكير بخطوط عام 1967 دون المساس بنتيجة المفاوضات".
ويشطب الجانب الأميركي، بشكل كامل، كذلك جميع الفقرات التي تتحدث عن ضرورة احترام وحدة الأراضي المحتلة وتكاملها والسيادة عليها، بما في ذلك القدس الشرقية والقانون الدولي. كما يشطب الجانب الأميركي الفقرة التي تندد بكل الإجراءات التي تهدف إلى تغيير طبيعة الأراضي المحتلة عام 1967.
وكانت آخر نسخة معدلة من التقرير قد نصت على "الدعوة لعقد مؤتمر دولي دون تأخير وخلال فترة زمنية تم تحديدها في بيان الرباعية الدولية في 23 سبتمبر/أيلول 2011، بما فيها عقد مؤتمر دولي للسلام كما نصّ عليه مشروع قرار مجلس الأمن رقم 1850 (عام 2008)". ولكن حتى هذا المقطع المعدل أصلاً قام الجانب الأميركي بحذفه تماماً. ويمكن تلخيص التعديلات الأميركية بأنها تنسف أي مرجعية لقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة بما فيها تلك التي تدين الاستيطان. كما تشطب التعديلات الأميركية ذكر كلمة "احتلال".
وتضاربت التصريحات حول الهدف من تأجيل التصويت على مشروع القرار، ورجّح البعض أن يكون السبب وراء ذلك تغييراً في الموقف الأوروبي، والبريطاني على وجه التحديد، على عكس ما يتم التصريح به من قبل ممثلين عن السلطة الفلسطينية.
كما يبدو أنّ السلطة الفلسطينية تأتي إلى نيويورك دون استراتيجية واضحة وإضافية على الأرض لتدعم من خلالها تحركاتها في الأمم المتحدة، حيث إنّ التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وسلطة الاحتلال الإسرائيلي، لا يزال مستمراً، فيما التصريحات حول وحدة الفصائل الفلسطينية وزيارة غزة، تبدو مجرد فقاعات إعلامية للاستهلاك المحلي، مما يفسر كذلك إصرار مسؤولين في السلطة على أنه لم يتم تأجيل مشروع القرار وإنما استمرار التشاور حوله.
ويبدو أنّ الجانب الأميركي يمارس ضغوطاً غير مسبوقة على الدول الأعضاء في مجلس الأمن، لدرجة يرفض فيها حتى مجرد عرض مشروع القرار للتصويت في المجلس. وكانت تونس قد أقالت سفيرها إلى الأمم المتحدة، المنصف البعتي؛ بسبب ضغوط أميركية، بحسب مصادر دبلوماسية في نيويورك، إلا أنّ بياناً لوزارة الخارجية التونسية صدر الجمعة، في اليوم التالي لإقالته، نفى ذلك.
وحتى اللحظة، لا يزال من المفترض عقد مؤتمر صحافي يجمع بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، في نيويورك، ظهر الثلاثاء في إحدى قاعات الفندق الذي يقيم فيع عباس بالقرب من مقر الأمم المتحدة في نيويورك. ويرفض الجانب الفلسطيني في نيويورك التعليق على الهدف من عقد المؤتمر مع أولمرت، والذي أدين وسجن بتهم فساد، ولا يلعب على الساحة السياسية الإسرائيلية أي دور مركزي.
ولعل أبرز المواقف المرتقبة تكمن في المداخلات التي سوف تقدمها الدول الأوروبية، وقراءة مواقفها وما سيرد بين السطور، فمن المتوقع أن تعلن جميعها عن استمرار التزامها بـ"حل الدولتين" ومرجعيات الأمم المتحدة، في وجه الصفقة الأميركية.