دخلت واشنطن رسمياً موسم محاكمة عزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مجلس الشيوخ، التي ستبدأ على الأرجح الأسبوع المقبل، وسط انقسامات حزبية غير مسبوقة في الكونغرس. هذه المعركة السياسية والقانونية ستكون لها تداعياتها على السباق الرئاسي، في ظلّ محاكمة علنية ستستقطب اهتمام الرأي العام الأميركي.
رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي أرسلت مواد العزل عبر المديرين، أي النواب الذين سيلعبون دور الادعاء في المحاكمة، إلى مجلس الشيوخ، حيث قرأ المديرون المواد بشكل علني إيذاناً بانطلاق المحاكمة، التي لديها طابع رسمي وقانوني أكثر في مجلس الشيوخ منها في مجلس النواب. الأنظار ستتجه إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا، القاضي جون روبرتس، الذي سيترأس محاكمة العزل في دور رمزي، لكن آخر ما يريده روبرتس أن ينعكس هذا الحجم الكبير من الانقسام الحزبي على البعد الوطني والمستقلّ للمحكمة العليا. الخطوة التالية هي أداء اليمين من قبل روبرتس قبل أن يشرف بنفسه على قسم اليمين لأعضاء مجلس الشيوخ للالتزام بـ"عدالة غير متحيزة" في المحاكمة. الدستور لم يضع أي مبادئ توجيهية لكيفية إدارة رئيس المحكمة العليا للجلسة، وبالتالي على مجلس الشيوخ نفسه وضع آلية وضوابط المحاكمة، وهذا ما تقرره الأكثرية في المجلس.
القاضي سالمون تشايس، الذي ترأس محاكمة عزل الرئيس الأسبق أندرو جونسون عام 1868، طلب حينها وحصل من مجلس الشيوخ على حقّ قبول أو رفض الأدلة، كما تحديد إذا ما كانت هناك مصداقية لشهادة ما. لكن القاضي وليام رينكويست، خلال محاكمة عزل بيل كلينتون عام 1999، كان دوره محدود جداً، وهذا على الأرجح ما سيحصل مع القاضي روبرتس في محاكمة عزل ترامب، لا سيما أنه كان مساعداً للقاضي رينكويست عامي 1980-1981، وبالتالي قد يعتمد المثال الذي اتبعه سلفه. وكان رينكويست تحدّث مازحاً عن دوره في محاكمة عزل كلينتون قائلاً: "لم أفعل شيئاً على وجه الخصوص، وفعلت ذلك جيداً".
خلال حملته الرئاسية عام 2016، وصف ترامب القاضي روبرتس بأنه "كارثة مطلقة"، كما اتهم الرئيس الحالي قراراً للمحكمة العليا بأنه صادر عن "قاضي أوباما"، في إشارة إلى سلفه باراك أوباما، وذلك بعدما رفضت المحكمة العليا نهاية عام 2018 تطبيق مرسوم ترامب لتقييد الحق في طلب اللجوء. وأصدر روبرتس حينها بياناً فريداً من نوعه، دافع فيه عن قضاة المحكمة العليا قائلاً: "ما لدينا هو مجموعة استثنائية من قضاة متفانين يبذلون قصارى جهدهم لإعطاء حقّ التساوي لمن يمثلون أمامهم".
من جهتها، أجّلت بيلوسي تسليم مواد العزل حتى هذا الأسبوع، في محاولة للضغط على الجمهوريين في مجلس الشيوخ لوضع آلية تضمن استدعاء الشهود، وتطلب من البيت الأبيض تسليم وثائق سرية لم يسلمها إلى مجلس النواب. محاولة الضغط هذه فشلت، واستدعت تحفظاً من أعضاء جمهوريين وديمقراطيين في مجلس الشيوخ، باعتبار أنّ بيلوسي حاولت التأثير على قرارات المجلس.
بدوره، يسعى زعيم الأكثرية الجمهورية في مجلس الشيوخ، السيناتور ميتش مكونيل، لتكون محاكمة عزل ترامب شبيهة بمحاكمة عزل كلينتون عام 1999 التي استمرت على مدى خمسة أسابيع. ويقول مكونيل إنّ لديه ما يكفي من الأصوات لفرض النسخة التي يريدها الجمهوريون لهذه المحاكمة، وأنه لا يريد فتح التحقيق مجدداً في قضية "أوكرانيا غايت"، وإذا لم ينته مجلس النواب من هذا التحقيق، ما كان يجب عليه اتخاذ قرار العزل. فيما يريد الديمقراطيون استدعاء مستشار الأمن القومي السابق لترامب، جون بولتون، الذي بادر أخيراً للتعبير عن استعداده للإدلاء بشهادته في مجلس الشيوخ، بعدما رفض هذا الأمر في مجلس النواب. غير أنّ البيت الأبيض يرفض شهادة بولتون، ويهدد بفرض فيتو عليها، باعتبار أنّ الأخير سيدلي بمعلومات رسمية حساسة، في حين أنّ هناك أصواتا جمهورية معتدلة في مجلس الشيوخ أبدت اهتماماً بالاستماع إلى بولتون، وقد تتقاطع مع الديمقراطيين بعد انطلاق المحاكمة لفرض استدعاء بولتون وغيره تحت شعار ضمان محاكمة عادلة للرئيس.
ويحقّ لأعضاء مجلس الشيوخ، الذين يلعبون دور لجنة المحلفين في المحاكمة، نقض قرار القاضي، لكن قد يكون من الصعب عليهم تحدي ما يقوله رئيس المحكمة الدستورية خلال مداولات المحكمة، نظراً لمنصبه واضطلاعه على الدستور. ولهذا، سيحاول الجمهوريون ضبط إيقاع المحاكمة من خلال التصويت مسبقاً على إجراءاتها.
ولا يزال ترامب يريد مواجهة استعراضية في المحاكمة بين أعضاء مجلس الشيوخ بدون استدعاء شخصيات جديدة للشهادة، فيما يفضّل مكونيل محاكمة سريعة نسبياً تبرئ الرئيس بدون أن تنعكس سلباً على مجلس الشيوخ والأغلبية الجمهورية فيه.
وعشية انطلاق محاكمة عزل ترامب، كشف الديمقراطيون في مجلس النواب عن وثائق جديدة أتت من ليف برناس، مساعد محامي ترامب الشخصي رودي جولياني، الذي يواجه اتهامات فيدرالية بهذا الخصوص في محكمة في مانهاتن في مدينة نيويورك. الوثيقة الأهم ضمن هذه الوثائق التي أعلن عنها، هو رسالة مكتوبة من جولياني إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إذ تناقض هذه الرسالة قول ترامب العلني إنه لم يكن يعلم كل ما يفعله جولياني في أوكرانيا.